سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
حضور عربي ضعيف واحتفاء ب"الديموقراطية الوليدة" في أفغانستان ... والبحرين موضع اهتمام . مؤتمر "مجتمع الديموقراطية" في سيول يتبنى خطة عمل لنشر التعددية في العالم
احتضنت العاصمة الكورية الجنوبية سيول بين العاشر من الشهر الماضي و12 منه المؤتمر الوزاري الثاني لمنظمة "مجتمع الديموقراطية 2002" بمشاركة وفود رسمية ومنظمات غير حكومية من 110 دول وفي حضور العشرات من وزراء خارجية في العالم. وأصبحت منظمة "مجتمع الديموقراطية" التي شكلت منذ ثلاث سنوات إحدى بوابات الدخول إلى المجتمع الدولي والانضمام إلى "أسرة ما بعد الحرب الباردة"، وهي تعرف نفسها بأنها تهدف إلى بحث السبل الملائمة لنشر الديموقراطية والمحافظة على حقوق الإنسان في أنحاء العالم، وتعزيز التجارب الديموقراطية عبر اللقاءات التي تتيح للدول المختلفة فرصة تبادل الآراء والإفادة من التجارب الديموقراطية لبعضها بعضاً. بدأ المؤتمر في جلسته الإفتتاحية في مركز "كو-إيكس" للمؤتمرات بخطاب ألقاه وزير الخارجية الكوري الجنوبي تشوي سونغ - هونغ مرحباً بالمؤتمرين. ثم عرضت رسائل فيديو حملت تحيات إلى المؤتمر من الرئيسين التشيكي فاتسلاف هافل و البيروفي أليخاندرو توليدو، إضافة إلى رسالة من الأمين العام للأمم المتحدة كوفي انان وأخرى من المعارضة البورمية الميانمارية أونغ سان سو كيي الحائزة على جائزة نوبل للسلام للعام 1991 من مقر إقامتها الجبرية في رانغون. كما احتفت الجلسة الإفتتاحية ب"الديمقراطيات الوليدة" باستضافة رئيس تيمور الشرقية زانانا غوسماو والترحيب الحار بالوفد الأفغاني برئاسة وزير الخارجية عبدالله عبدالله. وأثارت طريقة المشاركة في المؤتمر بعض التساؤلات، اذ انها تمت من طريق دعوات وجهتها المجموعة المقرّرة والتي تألفت من 10 دول هي جمهورية كوريا الجنوبية والهند والولايات المتحدة والمكسيك وتشيلي وبولندا وجمهورية التشيك والبرتغال ومالي وجنوب أفريقيا. كما تبدو أماكن اجتماعات المنظمة مثقلة بهموم تصفية حسابات قديمة. فالمؤتمر الأول عقد في حزيران يونيو 2000 في وارسو. وتزداد الشكوك حول تعمد ال"نكاية" بالحلف الشيوعي المنهار الذي حمل اسم العاصمة البولندية عندما عقد المؤتمر الثاني على بعد أقل من مئة كيلومتر من حدود إحدى آخر قلاع الشيوعية المتمثلة في جمهورية كوريا الشعبية الديموقراطية. وعلى صعيد آخر فإن عقد المؤتمر في كوريا الجنوبية هو انتصار شخصي لرئيسها كيم داي جونغ الحائز جائزة نوبل للسلام تقديراً لانفتاحه على الحوار مع كوريا الشمالية ضمن ما عرف ب"سياسة ضوء الشمس" والتي بلغت ذروتها بزيارته إلى كوريا الشمالية ولقائه زعيمها كيم جونغ إيل. ولم يتوانَ كيم الذي ألقى خطاباً في افتتاح المؤتمر عن توجيه انتقاد شديد اللهجة إلى كوريا الشمالية بناءً على إعلان بيونغيانغ أخيراً أنها لم توقف برنامجها النووي. ودعا جاره الشمالي الى تجميد البرنامج "المرفوض من قبل المجتمع الدولي، فوراً ومن دون شروط". وكوريا الجنوبية حديثة العهد بالديموقراطية التي لم تثبت أقدامها في هذا البلد حتى انتخابات 1998 التي جاءت بكيم داي جونغ إلى الرئاسة. ولكن الكوريين يبدون متلهفين لإثبات وجودهم في أسرة الدول الديموقراطية. وتلقى تلك الرغبة تجاوباً لدى الدول الغربية التي ترى في سيول حليفاً يمكن الوثوق فيه في مواجهة كل من بيونغيانغ وبيجينغ بكين. وعلى صعيد الإشارات الموجهة إلى بيجينغ فإن المؤتمرين لم يجدوا في إصلاحاتها ما يستوجب دعوة وفد صيني إلى المؤتمر. كما أن رئيسة الوفد الرسمي الأميركي - بعد اعتذار الوزير كولن باول في اللحظة الأخيرة - باولا دوبريانسكي مساعدة وزير الخارجية للشؤون الدولية هي في الوقت ذاته منسقة ملف إقليم التيبيت في الإدارة الأميركية الحالية. وإضافة إلى مؤتمر مجتمع الديموقراطية تستضيف كوريا الجنوبية المؤتمر العالمي لمكافحة الفساد في أيار مايو المقبل وفي مجمع "كو - إيكس" ذاته استمراراً في حملة العلاقات العامة الهادفة الى تكريس صورتها الجديدة. لكنّ تساؤلاتٍ عدة تطرح نفسها حول مغزى مكافأة بلد لا تزال فضائح الفساد تتالى فيه يومياً، وآخرها التي شكلت ضربة لأهلية حكومة الرئيس كيم في استضافة المؤتمر اذ تمحورت حول إبنه الذي نال حكماً بالسجن لمدة سنتين مع وقف التنفيذ لممارسته ضغوطأً أدت إلى إرساء مناقصات حكومية على شركات "صديقة". المشاركة العربية وكان حضور الدول العربية والإسلامية ضئيلاً على مستوى الوفود المشاركة البحرين والمغرب فقط من العالم العربي وكبيراً بين الدول التي أتت بصفة مراقب. فمن بين 21 دولة مراقبة كانت هناك 11 دولة عربية وإسلامية هي أفغانستان والجزائر وأذربيجان ومصر والكويت ولبنان وماليزيا وعمان وقطر وتونس واليمن. وشكل الحضور البحريني خصوصاً مثار اهتمام واسع، وكانت المملكة التي شهدت انتخابات تشريعية أخيراً الوحيدة التي ذكرتها دوبريانسكي بالإسم في مقابلتها مع صحيفة "تشوسون إلبو" الكورية قبيل قدومها إلى سيول معبرة عن سعادتها لمشاركة دول إسلامية في مؤتمر "مجتمع الديموقراطية". كما كان وزير الدولة للشؤون الخارجية البحريني الدكتور محمد عبدالغفار من القلائل الذين ألقوا كلمات في المداولات الوزارية، وتمحورت حول التجربة البحرينية منذ الانتخابات البلدية الأولى التي أجريت عام 1924، مروراً بأول مشاركة نسائية فيها عام 1951 وانتهاءً بالانتخابات التشريعية الأخيرة، كما ترافقت مع ورقة عمل حول أهمية الناحية الإقتصادية التنموية بالنسبة الى الديمقراطيات الناشئة طرحها الوفد البحريني ضمن أحد المحاور الرئيسية للمداولات الوزارية وهو محور "ترسيخ المؤسسات الديموقراطية". أما المحاور الثلاثة الأخرى فتعنونت ب"التعاون الإقليمي لنشر الديموقراطية" و"الإعلام والديموقراطية" و"تنسيق مساعدة الديموقراطية". وعلى رغم تحويم شبح الإنحياز السياسي فوق المؤتمر فإن إحدى النقاط المهمة كانت تركيز المؤتمرين على احترام الثقافات المحلية عند تقويم التجارب الديموقراطية المختلفة. كما تم إيلاء أهمية كبيرة لنشاطات المنظمات غير الحكومية والتي عقد مؤتمرها الموازي في فندق "ماريوت" برئاسة وزيرة الخارجية الأميركية السابقة مادلين أولبرايت. وتبوأ ذلك المؤتمر مكان الصدارة الإعلامية من خلال برنامج منظمة "مشروع ائتلاف الديموقراطية" الهادف إلى مراقبة التغيرات الديموقراطية التي تشهدها دول العالم، والوصول إلى مقاييس ثابتة لتصنيف جهودها التغييرية كإجراء انتخابات تشريعية دورية وفصل سلطات الدولة. كما يلقي برنامج المنظمة أهمية خاصة على موقف الدولة من الإجراءات والأوضاع المنافية للديموقراطية في الدول المجاورة. وخلال اجتماعات المؤتمر غير الحكومي لمحت أولبرايت في شكل غير مباشر إلى رفضها الهجوم الأميركي المحتمل على العراق وأعربت عن انزعاجها من فكرة حتمية الحرب وتمنيها أن تستطيع الطرق الديبلوماسية حل المشكلة. وقالت رداً على سؤال ل"الحياة" أنها لا تجد هذا المؤتمر مكاناً ملائماً للحديث عن المسألة العراقية إلا أنها تتمنى أن ترى وفداً عراقياً في المؤتمرات المستقبلية ل"مجتمع الديموقراطية". وصدر عن المؤتمر في ختامه بيان حول الإرهاب اتسم بالموازنة بين رفض اللجوء للأعمال الإرهابية بغض النظر عن الدوافع من ناحية، والأمل من ناحية أخرى في أن تزود التغييرات الديموقراطية أنظمة الحكم بالقدرة على مد مواطنيها بالأمل والقوة لمواجهة الظروف المهيئة للتطرف، وأن تصبح تلك الأنظمة أكثر عرضة للمحاسبة الشعبية. كما تم الإعلان عن "خطة عمل سيول" التي طمحت إلى تجاوز إعلان مبادئ وارسو 2000 وذلك بطرح خطوات عملية لدعم قضية الديموقراطية. وركزت الخطة على دور المنظمات الإقليمية في استشعار الأخطار المحدقة بالأنظمة الديموقراطية ودعتها للعب دور وساطة فاعل لمساندة الحكومات الشرعية قدر الإمكان ولاتخاذ مواقف حازمة سواءً من خلال تضمين بنود ملزمة لأعضائها بحقوق الإنسان أو من خلال عدم مسايرة الأنظمة الديكتاتورية فيها. ونوهت الخطة بميثاق الديموقراطية الذي صدر عن منظمة الدول الأميركية تجسيداً لإعلان وارسو ودعت بقية المنظمات الدولية للاقتداء به. كما أكدت خطة العمل على أهمية نشر الوعي الديموقراطي عبر الإعلام ومن خلال عمل المنظمات غير الحكومية التي عليها أن تجد لنفسها موطئ قدم حتى داخل المجتمعات المغلقة وأن تولي أهمية خاصة لرفع مستوى التعليم ولتنظيم نشاطات تطوعية محلية ودولية لرفع مستوى وعي الجيل الشاب بقضايا الديموقراطية وحقوق الإنسان.