تشهد الولاياتالمتحدة جدلاً حول كلفة الحرب المحتملة على العراق، وتتراوح التقديرات بين 100 بليون دولار وتريليون دولار، تتضمن الانعكاسات الاقتصادية المتوقعة. وفيما بدأ مئات من العسكريين الأميركيين وضع اللمسات الأخيرة على مركز قيادة عسكرية متطور جداً في قطر، يخصص للتدريبات ويمكن استخدامه في الحرب على العراق، تظاهر آلاف في تركيا ضد ضرب العراق، وأعلنت بريطانيا أنها تريد "مخرجاً سلمياً" للأزمة. ويتوقف كل حساب لكلفة الحرب على مدى حساب الآثار الاقتصادية ونسبة مشاركة أي من الحلفاء في تحمل جزء من الأعباء المالية. الدوحة، عمّان، لندن، سنغافورة، طوكيو، باريس، اسطنبول - "الحياة"، أ ف ب، رويترز - أ ب - قال بيل هاريسون الناطق باسم القيادة المركزية الأميركية، من قاعدة الصالحية العسكرية في قطر لوكالة "فرانس برس": "استكملت المخيمات المتحركة ونحضر تدريباتنا". ويشارك ألف من العسكريين الأميركيين، بينهم قائد القيادة المركزية الجنرال تومي فرانكس وقادة جيوش الجو والبر والبحر في المنطقة، في مناورات اطلق عليها "نظرة من الداخل". وقال هاريسون إن حوالى 600 من عناصر القيادة المركزية سيشاركون. وارسلت إلى قطر التجهيزات التي اختبرت في فلوريدا حيث قاعدة القيادة المركزية، وذلك لإجراء المناورات التي تستمر عشرة أيام. ويوجد الآن حوالى 60 ألف عسكري أميركي في منطقة الخليج قرب العراق، وفق مصادر عسكرية أميركية، ونشر أكثر من أربعة آلاف منهم في قاعدة العديد الجوية في قطر، فيما تلوح واشنطن بغزو العراق إذا لم يستجب التزاماته في نزع أسلحته المحظورة. وكان مسؤول عسكري أميركي أعلن أول من أمس أن الولاياتالمتحدة أقامت في قطر مركز قيادة ومراقبة متطوراً جداً يمكن استعماله، إذا اقتضى الأمر، في تنظيم تدخل عسكري واسع في الخليج. وقال الناطق باسم القيادة المركزية الأميركية التي تغطي الشرق الأوسط نك باليس لوكالة "فرانس برس": "يوجد نحو 28 مخبأ وكل تجهيزات المراقبة والقيادة لإقامة مقر عام متقدم" في قطر. أعباء الحرب وحصة الحلفاء إلى ذلك، جاء في تقديرات غير رسمية للكونغرس ومراكز بحوث في واشنطن، أن الكلفة المباشرة للحرب المحتملة على العراق، إضافة الى مرحلة من الاحتلال، تتراوح بين 100 بليون و200 بليون دولار. وأفادت صحيفة "واشنطن بوست" ان غالبية الاقتصاديين تتفق على ان الكلفة غير المباشرة، خصوصاً إذا دمر العراق حقول النفط، قد تكون أكثر بكثير، وأن تداعياتها قد تؤثر على الاقتصاد الأميركي سنوات طويلة. ونقلت الصحيفة عن النائب جون سبرات، رئيس الأقلية الديموقراطية في لجنة الموازنة في مجلس النواب الأميركي، قوله: "علينا هذه المرة أن نتحمل القسم الأكبر من التمويل"، في اشارة إلى حرب الخليج، التي كلّفت 80 بليون دولار، لم يتحمل دافع الضرائب الأميركي منها سوى سبعة بلايين دولار، فيما ساهم الحلفاء في القسط الأكبر من العبء. مع ذلك، ساهمت تلك الحرب في ادخال الاقتصاد الأميركي في مرحلة انكماش، ما أدى الى فشل الرئيس جورج بوش الأب في معركة التجديد لولايته. وقدّر الخبير في الاقتصاد العسكري مايكل أوهانلون من معهد بروكنغز، معتمداً على تجربة البوسنة وكوسوفو، أن حصة أميركا في تمويل قوة دولية لحفظ الاستقرار ستتراوح بين 15 بليوناً و20 بليون دولار سنوياً. واعتبر ان الكلفة النهائية على دافع الضرائب الأميركي ستكون بين 50 بليون و100 بليون دولار. لكن تقديرات هانلون افترضت تحمل حلفاء واشنطن ثلثي العبء، في وقت يشكك مراقبون في صحة الافتراض. والجانب الأشد غموضاً في هذا المجال هو تأثير الحرب على الاقتصاد الأميركي. واعتبر البروفسور وليام نوردهاوس من جامعة ييل أن الكلفة الكاملة لحرب 1991 كانت 500 بليون دولار، أي أكثر من خمسة أضعاف كلفتها العسكرية البحتة. أما الحرب المحتملة فيصعب التكهن بتأثيرها على الاقتصاد، لكنه قد يصل الى تريليون دولار. ووصلت إلى سنغافورة أمس حاملة الطائرات الأميركية "كونستليشن" وخمس سفن حربية تقل حوالى سبعة آلاف بحار، في ما قد يكون محطتها الأخيرة قبل التوجه إلى الشرق الأوسط، في إطار الإعداد لحرب على العراق. وتتألف مجموعة "كونستليشن" من حاملة الطائرات و72 طائرة وطرادين ومدمرتين بنظامي صواريخ موجهة، وفرقاطة مزودة نظام صواريخ موجهة. وانفصلت سفينة امدادات لانجاز مهمة أخرى، بعدما كانت ضمن المجموعة في هونغ كونغ. وقال تشاك بيل، الناطق باسم البحرية الأميركية، إن السفينة "تتوجه لانجاز مهمات مقررة تشمل عمليات في منطقة غرب المحيط الهادئ والمحيط الهندي وجنوب شرقي آسيا". وجاء وصول مجموعة "كونستليشن" وسط مخاوف من مزيد من الهجمات في جنوب شرقي آسيا بعد التفجيرات في جزيرة بالي الأندونيسية والهجمات على كينيا الخميس الماضي. وكذلك بعدما شددت شرطة سنغافورة اجراءات الأمن في عدد من الملاهي الليلية التي يتردد عليها الغربيون والسياح. ويعد الرصيف في شانغي أحد أكبر رصيفين في المنطقة يمكنهما استيعاب حاملة طائرات، والرصيف الآخر في بورت كلانغ في ماليزيا. وتستخدم حاملات الطائرات الأميركية وغيرها من السفن الحربية شانغي في سنغافورة لإعادة التزود بالوقود والإمدادات، منذ بدء تشغيل هذا الرصيف البحري الجديد في آذار مارس 2001. وفي طوكيو أفادت صحيفة "يوميوري شيمبون" أمس أن اليابان قد ترسل إحدى مدمراتها المزودة نظام رادار "أجيس" المتطور لدعم العمليات العسكرية الأميركية في أفغانستان، في وقت لاحق هذا الشهر، بعد مناقشات استمرت أكثر من سنة. وقد تساعد هذه الخطوة في شكل غير مباشر هجوماً محتملاً على العراق، من خلال المساعدة في اخلاء سبيل بعض أفراد القوات الأميركية المتمركزة في المحيط الهندي. وقد يواجه هذا القرار معارضة في اليابان، حيث يقول كثيرون إن ارسال سفينة مزودة نظام "اجيس" سيمثل انتهاكاً لدستور البلاد السلمي. وأشارت الصحيفة إلى أن الحكومة اليابانية تعتزم ابلاغ الولاياتالمتحدة القرار خلال اجتماع يعقد في واشنطن لوزراء الدفاع والخارجية في 16 كانون الأول ديسمبر الجاري. وقررت الحكومة قبل نحو أسبوعين تمديد دعمها الجهود العسكرية الأميركية لفترة ثالثة تستمر ستة شهور. وحرصت اليابان على تجنب تكرار الاحراج الذي واجهته في 1991، عندما امتنعت عن ارسال قوات إلى حرب الخليج، ولذلك أجازت قانوناً يمكنها تقديم دعم في شكل إعادة تزويد بالوقود وإمدادات للقوات الأميركية في المنطقة، منذ نهاية العام الماضي، لكنها تجنبت ارسال معدات "اجيس" القادرة على اكتشاف واسقاط أكثر من عشرة أهداف في آن. وصرح ناطق باسم وكالة الدفاع اليابانية أمس بأن ليس لديه علم بأي قرار يتعلق بارسال السفينة. فرنسا ترفض "المجازفة" وكانت وزيرة الدفاع الفرنسية ميشال اليو - ماري أكدت لصحيفة "لو جورنال دو ديمانش" أن بلادها "تملك الوسائل لمواجهة أي وضع يفرض التدخل عسكرياً عن طريق البر والبحر والجو". ورداً على سؤال عن إمكان ارسال فرنسا قوات إلى العراق، فيما تنشر قوات في البوسنة وأفغانستان ولبنان وافريقيا، قالت اليو - ماري إن "فرنسا كدولة دائمة العضوية في مجلس الأمن ستتحمل مسؤولياتها. وكما ذكر الرئيس جاك شيراك الحرب لا يمكن أن تكون إلا الحل الأخير. وفي حال تبين أنها قرار أميركي منفرد، ستعتبر الحرب في العراق عدواناً من العالم الغربي على العالم العربي، وستؤجج الإرهاب". وختمت بأن باريس ترفض "المجازفة". بريطانيا: 8 الشهر أول اختبار حقيقي في عمّان، أعلن ناطق باسم الحكومة البريطانية أمس أن وزير الخارجية البريطاني جاك سترو سينشر اليوم تقريراً عن "انتهاكات حقوق الإنسان في العراق"، لتذكير العالم بأنه "لا يمكن الوثوق ببغداد". وقال مارك سيدويل في حديثه إلى صحافيين إن "من المهم بينما ننتقل إلى تلك المرحلة التي يختبر فيها مدى امتثال العراق لقرار مجلس الأمن 1441، أن نذكّر العالم بأن هذا النظام يجب ألا يمنح ميزة تفسير الشك لمصلحته". وشدد سيدويل على أن "القهر الذي يتعرض له الشعب العراقي يشكل انتهاكاً لقرارات مجلس الأمن". وكان عيّن الأسبوع الماضي ناطقاً رسمياً للحكومة البريطانية مقيماً في الأردن، في الوقت الذي بدأ تدفق ممثلي وسائل الإعلام الأجنبية إلى العراق عن طريق الأردن. وعلق سيدويل على تعيينه قائلاً: "شعرنا بأن من المهم في هذا التوقيت أن نسعى إلى ايصال وجهة نظرنا إلى المنطقة في شكل أكثر فعالية". وأضاف: "هناك انطباع قوي في الشرق الأوسط بأن بريطانيا تسعى إلى التحضير لعمل عسكري ضد العراق، لكن ذلك غير صحيح، فنحن نرغب في مخرج سلمي" للأزمة. وعمل سيدويل مفتشاً عن الأسلحة العراقية ضمن الطاقم الذي كان يرأسه سكوت ريتر في 1997. وأعرب عن أمله بأن يقدم العراق بحلول 8 كانون الأول الجاري قائمة تفصيلية بأسلحة الدمار الشامل الذي ما زال يمتلكها. وتابع: "هذا التاريخ مهم، لأنه سيمثل أول اختبار حقيقي للنيات العراقية" ازاء القرار 1441. وختم بأن "صدور إعلان عراقي تفصيلي من 400 صفحة مثلاً، سينظر إليه كمحاولة شرعية لتنفيذ القرار، وسيختلف عن وثيقة من صفحتين يقول فيها العراق إن ليس لديه شيء" من الأسلحة المحظورة. مسيرة حاشدة وأمس شهدت اسطنبول تظاهرة حاشدة ضمت آلاف الأشخاص احتجاجاً على مشاركة تركية في هجوم أميركي محتمل على العراق. وتجمع المتظاهرون في ساحة تشالايان في القسم الأوروبي من المدينة، وسط اجراءات أمنية مشددة تلبية لدعوة أحزاب ونقابات ومنظمات غير حكومية. وأفادت محطة "ان تي في" ان المتظاهرين رفعوا لافتات كتب عليها "لا للحرب" و"السلام الآن" و"لتعش الاخوة بين الشعوب". وقدر عدد المتظاهرين بحوالى خمسة آلاف شخص. وطلب بيان تلي للجماهير، من الحكومة التركية عدم المشاركة في عمل عسكري ضد العراق، وعدم وضع قواعدها في تصرف الولاياتالمتحدة. وأعلنت وكالة أنباء الاناضول أن نحو 140 منظمة غير حكومية وأحزاباً يسارية صغيرة شاركت في التظاهرة. وتعارض تركيا، الحليفة الاستراتيجية للولايات المتحدة والدولة المسلمة الوحيدة العضو في حلف الأطلسي، أي هجوم على العراق. وتخشى أن يؤدي انهيار نظامه إلى فتح المجال لانشاء دولة كردية في شماله، ما "يهدد بزعزعة الاستقرار في المنطقة". وتستخدم قوات أميركية وبريطانية قاعدة انجرليك التركية، لفرض منطقة الحظر الجوي في شمال العراق منذ 1991. ويتوقع أن يزور نائب وزير الدفاع الأميركي بول ولفوفيتز ومساعد وزير الخارجية الأميركي للشؤون السياسية مارك غروسمان أنقرة غداً لكسب دعمها لتدخل عسكري في العراق.