فجر السويدي اوكي سلستروم، مدير معهد الابحاث العسكرية الشاملة التابع لوزارة الدفاع السويدية، وخبير الاسلحة البيوكيماوية والمفتش السابق في لجنة التفتيش الدولية عن اسلحة الدمار الشامل في العراق، قنبلة سياسية اخذت صدى دولياً عندما خرج عن صمته اخيراً، وأكد لوسائل الاعلام ان لجنة التفتيش السابقة التي خدم في عدادها بين عامي 1994 و1998 كانت تضم عناصر تابعة لاستخبارات اجنبية عملت على مراقبة تحركات الرئيس صدام حسين وعدد من المسؤولين العراقيين. وأكد سلستروم في حديث الى "الحياة" في استوكهولم، ان المعلومات التي كان المفتشون يحصلون عليها في اليوم الأول، "كانت تظهر في اليوم التالي في تل ابيب". وقال ان المفتشين الحاليين وقعوا تعهداً بعدم العمل لأجهزة استخبارات، تحت طائلة التعرض لملاحقات قانونية. وأضاف "ان مهمة اللجنة الحالية تحديد اسماء وعناوين نحو 3000 عالم عراقي يعتقد انهم خدموا في مشروع تطوير اسلحة العراق". وعبّر عن سعادته "لموافقة العراق على السماح بعودة المفتشين، فهذا يعني انه خال من اسلحة الدمار الشامل وان لجنة التفتيش الحالية برئاسة السويدي هانس بليكس ستقدم الى مجلس الامن تقريراً عن ذلك وستكمل برفع الحصار المفروض على العراق". ووصف بليكس بأنه "رجل قانون مخضرم وهو حريص على سمعته الطيبة في العالم وليس مثل سلفه الأسترالي ريتشارد بتلر الذي خرب العلاقة مع العراق بسبب صلته القوية بواشنطن. بليكس شخص شريف وفي حال لم يتمكن من حل النزاع بين العراقوالاممالمتحدة فأستبعد ان يتمكن شخص آخر من بعده ان يفعل ذلك". واعتبر سلستروم ان هناك "فارقاً كبيراً" بين لجنة التفتيش السابقة والحالية. "فالاولى كان اعضاؤها مستعارين من حكومات دول مختلفة، فيما كل اعضاء اللجنة الحالية موظفون دوليون، ووقّعوا عقود عمل مع الاممالمتحدة تعهدوا فيها العمل فقط لمصلحة المنظمة الدولية وليس لجهات اخرى، كما انه ممنوع عليهم اعطاء اي معلومات لأجهزة استخبارات او لوسائل الاعلام. وفي حال تبين ان احد المفتشين خرق العقد فان عقوبات قانونية تتخذ في حقه ويفصل على الفور". وأضاف ان اعضاء اللجنة السابقة كانوا يعملون لمنظمات مختلفة ولمصلحة حكوماتهم في الوقت نفسه، "وكنت من الاشخاص الذين استعارتهم الاممالمتحدة من السويد للقيام بمهمة التفتيش في العراق، وبما انني كنت موظفاً عند الدولة السويدية، كنت في طبيعة الحال كلما اعود الى السويد اكتب تقريراً الى الجهة الرسمية التي اعمل لها واعلمها بالمهمات التي قمنا بها والمعلومات التي حصلنا عليها. وهذا ما كان يفعله كل المفتشين في اللجنة السابقة". وأوضح: "عندما كنا في العراق كشفت السلطات للجنة التفتيش عن وجود 20 صاروخ سكود و150 صاروخاً مزودة مواد بيولوجية اضافة الى كميات من الاسلحة الكيماوية. زودت السويد بهذه المعلومات، ولكن كان هناك مفتشون استخدموا تلك المعلومات بطريقة سيئة عبر تسريبها الى اجهزة استخبارات، ولا اريد ان ادخل في اسماء". واستغرب "كيف كانت المعلومات نفسها التي نتوصل اليها في اليوم الاول تظهر في الثاني في تل ابيب". وقال سلستروم ان العراق تكتم لخمس سنوات عن امتلاكه اسلحة بيولوجية وغاز الاعصاب "في اكس" ولم يعلن تمكنه من تصنيع صواريخ "الحسين" محلياً. "الاشياء التي كنا على علم ان العراق اخفاها عنا كنا نجبر بغداد على تقديم معلومات في شأنها. وبفضل معلومات استخباراتية تمكنا من التوصل الى ان العراق اشترى 53 طناً من المواد الخام لتصنيع الاسلحة البيولوجية من بريطانياوسويسرا في الثمانينات، وكان متقدماً في صناعة الاسلحة لذا تمكن من بناء مصانع ضخمة من بينها مصنع في سامراء مساحته 16 كيلومتراً مربعاً وكان يعمل فيه نحو أربعة آلاف موظف وحوله نحو 13 مصنعاً صغيراً لانتاج الاسلحة الكيماوية تم تدميرها كلها". وأضاف ان اجهزة استخبارات اجنبية عدة ساعدت الاممالمتحدة من بينها الاستخبارات "الاسرائيلية والاميركية والبريطانية والفرنسية والروسية التي زودتنا معلومات عن اسلحة الدمار الشامل العراقية. لكن المساعدة الاكبر اتت من الاستخبارات الاسرائيلية. اسرائيل ارادت منذ البداية تزويد الاممالمتحدة المعلومات الموجودة لديها لاسباب معروفة وهي ضمان امنها من العراق". لكن سلستروم استبعد ان تكون الاستخبارات الاسرائيلية نجحت في اختراق اجهزة الدولة العراقية وانما "حصّلت معلوماتها من خلال استخدامها اجهزة تنصت بعيدة المدى، فهي ترصد كل الاشارات الالكترونية المتعلقة بأجهزة التخابر والفاكس وما شابه. ولكن لا استبعد ان تكون هناك عناصر تابعة للاستخبارات الاسرائيلية ترسل الى داخل العراق للتجسس. لا املك معلومات عن ذلك ولكن في حال ثبت فلن استغربه ابداً". وأوضح ان الاستخبارات الاسرائيلية كانت سباقة في تزويد الاممالمتحدة بالمعلومات الاستخباراتية في ما يتعلق ببرنامج العراق للتسلح البيولوجي، والهدف كان اختبار قدرة الاممالمتحدة على انتزاع تلك الاسلحة من العراق. وهذا فتح الطريق لأجهزة استخبارات اخرى زودت الاممالمتحدة معلومات عن اسلحة العراق. وذكّر سلستروم ان في امكان الاممالمتحدة تلقي معلومات استخباراتية من الدول الاعضاء فيما يمنع عليها تزويد اجهزة الاستخبارات معلومات تملكها. ولكن في فترة عمل اللجنة السابقة في العراق حصل العكس اذ "من المؤسف ان بعض الافراد خرقوا ذلك، وزودوا استخبارات اجنبية بمعلومات عن العراق، ولا اريد ان اقول من هم هؤلاء". وأوضح انه كان شاهداً مرات عدة على بعض المفتشين الذين ترددوا الى سفاراتهم في بغداد في منتصف الليل "واعتقد انهم كانوا يمدون سفاراتهم بتقارير عما تم اكتشافه، ولم يكونوا هناك لشرب الشاي". وعما اذا كان هؤلاء أميركيين، قال: "لا توجد سفارة اميركية في بغداد. الذين قاموا بذلك ينتمون الى دول عارضت اخيراً الحرب ضد العراق ولها مواقف معارضة للأميركيين والبريطانيين، وفي بعض الاحيان ظهرت على انها صديقة للعراق. ويمكن معرفة من هي الدول التي توجد عندها سفارات مفتوحة حتى الآن في العراق. قلنا لهم انه ممنوع ان يقوموا بذلك الا انهم ردوا علينا ببسمة". واعتبر سلستروم ان اللجنة الجديدة بقيادة هانس بليكس "أكثر عقلانية من التي سبقتها. بليكس شخص ذكي ومتزن، وهناك اختلاف واسع بين المراقبين السابقين والحاليين. اللجنة السابقة كان يتسرب منها بسهولة معلومات حساسة تتعلق بالعراق. اللجنة الجديدة اتخذت كل الاحتياطات لعدم تكرار اخطاء ما حصل في الأعوام الماضية، وانا كنت من الذين نظموا اللجنة الجديدة وساعدت بليكس لفترة ثلاثة اشهر في نيويورك على اختيار الاعضاء. بليكس كان واضحاً مع الجميع انه ممنوع على اي مراقب ان يسرب معلومات الى جهات اخرى غير لجنة التفتيش، لكنه لم يقفل الباب على المساعدات الاستخباراتية الى الاممالمتحدة على ان تكون من دون مقابل. أعتقد ان بليكس سيستمر في هذا النهج واعرفه انساناً نظامياً للغاية. عند تشكيل لجنة التفتيش السابقة كانت الاممالمتحدة ترسل الى الدول الاعضاء لسؤالها ما اذا كان عندها خبراء تريد ارسالهم للمشاركة. كانت الاممالمتحدة آنذاك في حاجة الى مختصين في درس الخرائط وتشفير المعلومات واساليب التحقيق، وهؤلاء يوجدون عادة في اجهزة الاستخبارات، لذا كانت الاممالمتحدة مجبرة على الاستعانة بهم. وبين المفتشين من كان يتلقى راتبين أحدهما من الاممالمتحدة والآخر من جهاز الاستخبارات ولم يكن الامر سرياً اذ عندما كان عناصر الاستخبارات يغادرون العراق الى بلادهم كانوا يعودون الى عملهم الاصلي. وتمت الاستعانة بعناصر استخباراتية من الدول المعروفة مثل بريطانيا وفرنسا وروسيا والولاياتالمتحدة". لكن سلستروم أكد ان تشكيل اللجنة الحالية يختلف في شكل كبير، "فالباب فتح امام الجميع للتقدم بطلب توظيف رسمي الى لجنة التفتيش. وتم اختيار المفتشين انطلاقاً من خبراتهم، كما ان بليكس كان حريصاً على ألا يكون اي مفتش يعمل لمصلحة جهة استخباراتية". وأضاف ان المفتشين الجدد خضعوا لدورة دراسية استمرت خمسة اسابيع تمحورت حول تاريخ العراق السياسي والثقافي والعادات والتقاليد والاديان. كما درسوا عن اسلحة العراق البيولوجية والكيماوية ومنهم من تدرب على طرق مراقبة الاشارة وفك الشيفرة. واختار بليكس السويدي توركل شرنلوف مساعداً ومستشاراً، وهو ديبلوماسي مخضرم يتقن اللغة العربية قراءة وكتابة. وأبدى سلستروم تفاؤلاً كبيراً تجاه التطورات الاخيرة بعد موافقة بغداد على عودة المفتشين لأن "العراق لا يمتلك اسلحة دمار شامل وهذا ما توقعته منذ البداية. المهمة الاساسية للجنة التفتيش الآن خلق ثقة متبادلة بينها وبين النظام لتقديم تقرير خلال 30 يوماً الى الاممالمتحدة تؤكد فيه ان العراق يتعاون معها. ولو حصلت الاممالمتحدة على تقرير كهذا سيكون ذلك مؤشراً ايجابياً لحل المشكلة ورفع الحصار. ولكن اذا كان التقرير سلبياً فان الحرب قد تقع بسرعة". وقال: "من الطبيعي ان تحصل مشاكل صغيرة بين المفتشين والعراق لكن هذا لن يؤثر في مضمون التقرير. قد تحصل صعوبات مع المفتشين اثناء عملهم مثل صعوبة في فتح باب لمخزن او مصنع على سبيل المثال. لذا فان بناء الثقة مهم للغاية لأنه في حال كانت هناك ثقة متبادلة فهذا سيسمح بأخطاء او مصاعب صغيرة، ولكن اذا فقدت الثقة فلن تتساهل لجنة التفتيش حتى مع الاستفزازات الصغيرة. الثقة تساهم في زيادة التسامح والتغاضي عن بعض الاخطاء والمشاكل". وتوقع سلستروم ان تعاود لجنة التفتيش الحالية الكشف عن نحو 300 موقع زارتها اللجان السابقة. والمواقع التي ستكون مهمة للمفتشين هي مصانع الكترونية ومخازن اسلحة كبيرة ومواقع للاستخبارات العراقية وبعض القصور الرئاسية". وقال: "لا أعتقد ان النظام العراقي غبي الى درجة انه يخفي اسلحة او وثائق في تلك الاماكن الحساسة، لكن هذه الاماكن ستكون هدفاً للمفتشين فقط لانها اهداف رمزية ومن اجل اختبار صدقية تعاون العراق". وأضاف: "هدف اللجنة الاساسي ليس البحث عن اسلحة الدمار الشامل بل الوصول الى الخبرات الموجودة في العراق. وانا اعني الخبراء الذين طوروا الأسلحة في العراق. فبحسب قرار مجلس الامن الجديد 1441 ينبغي على العراق ان يزود الاممالمتحدة لوائح اسماء الخبراء. نعتقد ان لدى العراق نحو 3000 عالم في هذا المجال والاممالمتحدة تريد الوصول الى المفاتيح بينهم لاخراجهم من العراق والتحقيق معهم. نعرف ان هذه قضية حساسة بالنسبة للعراق خصوصاً ان هؤلاء سيكونون معرضين لعمليات تجنيد او شراء من قبل الولاياتالمتحدة لابقائهم خارج العراق. واذا كانت الاممالمتحدة تحقق مع عالم بيولوجي عراقي في سويسرا او دولة اخرى سيكون من الصعب على الولاياتالمتحدة ألا تقدم على الاتصال به ومحاولة تجنيده".