أكد مارتن إنديك مساعد وزير الخارجية الأميركي لشؤون الشرق الأوسط أمس ان الحملة العسكرية على العراق تستهدف احتواء قدراته العسكرية واضعافها تمهيداً لإطاحة النظام في المدى البعيد بالتعاون مع المقاومة الشيعية في الجنوب والكردية في الشمال، وبالتنسيق مع المعارضة في الخارج. وأوضح انديك في حديث هاتفي مع "الحياة" ان واشنطن لم تضع ضمن استراتيجيتها احتمال حدوث ثورة داخلية ضد النظام نتيجة للقصف الجوي، مشيراً إلى ان الحملة العسكرية "قد لا تؤدي إلى إطاحته مباشرة، لأن ذلك سيتطلب وقتاً، لكنها إذا أدت إلى ذلك، فهو أمر جيد". وأكد ان واشنطن "تعمل مع قوى معارضة في الداخل"، مشيراً إلى ان "صدام لا يسيطر على كل العراق". وشدد على أن واشنطن ستواصل حالياً سياسة الاحتواء على المدى القصير سواء بمواصلة تطبيق العقوبات الدولية وجهود مجلس الأمن أو باستخدام القوة. وامتنع عن تحديد موعد لوقف الحملة العسكرية، مؤكداً أنها ستتواصل إلى أن تحقق أهدافها باحتواء قدرات العراق العسكرية وإبطال مفعولها ومنعها من تهديد دول المنطقة. وقال إن الولاياتالمتحدة "ستلجأ إلى وسائل أخرى" لإجبار العراق على تنفيذ قرارات مجلس الأمن في حال قررت بغداد عدم السماح بعودة المفتشين الدوليين. وهنا نص الحديث: أعلنت واشنطن ان الهدف الأولي للضربة العسكرية ضد العراق هو اضعاف قدرته على انتاج الاسلحة وتهديد جيرانه والأمل بحكومة عراقية جديدة مما سيتطلب وقتاً وجهداً. هل هناك برنامج محدد وخطة مع جدول زمني لتحقيق هذا الهدف؟ - السياسة كما عبر عنها الرئيس كلينتون هي الاحتواء على مدى زمني وبذل جهد لمساعدة الشعب العراقي في ظهور حكومة اكثر تمثيلاً للشعب العراقي وقادرة على تحقيق التزاماته تجاه المجتمع الدولي. نقول احتواء لأننا ندرك ان تغيير النظام عملية قد تستغرق وقتاً وندرك انها عملية يجب ان تأتي من الشعب العراق بنفسه. لن نفرض تغيير القيادة لكننا سندعم اولئك الذين يسعون الى تغيير القيادة. وفي غضون ذلك، وطالما ما بقي صدام حسين ونظامه مكانهما فان الاحتواء امر ضروري بسبب التهديد الذي سيشكله من دونه. وهذا هو السبب في اننا على المدى القصير سنواصل احتواءه اما من خلال العقوبات وجهود مجلس الأمن أو عن طريق استخدام القوة اذا دعت الضرورة. العالم العربي يسوده عموماً شعور بأن الولاياتالمتحدة شنت هجومها الاخير فور فشل الرئيس كلينتون في اقناع الحكومة الاسرائيلية في تنفيذ اتفاق "واي ريفر". يبدو مرة اخرى ان الولاياتالمتحدة تطبق معياراً مزدوجاً تجاه العرب واسرائيل. - هذا هو سؤالي المفضّل. اسرائيل تتجاهل تطبيق قرارات عدة لمجلس الأمن احدهما يتعلق بجنوب لبنان والآخر هو القرار 242 المتعلق بالانسحاب من الجولان ومن الضفة الغربية واسرائيل ترفض الآن ايضاً تطبيق اتفاق "واي ريفر" الذي استثمر الرئيس كلينتون قدراً كبيراً من الوقت في التوصل اليه. لماذا لا يجري الضغط على اسرائيل لتنفيذ هذه القرارات والالتزامات؟ - اولاً شكراً على اشارتك الى ان الرئيس قد بذل جهداً كبيراً في الاشراف على تنفيذ قرارات الأممالمتحدة في ما يتعلق بتنفيذ عملية السلام العربية - الاسرائيلية واتفاق "واي ريفر" حيث كرس نفسه كلياً للتوصل الى اتفاق وكذلك رحلته الى اسرائيل وغزة كانت كلها من اجل رؤية تحقيق القرار 242 و338 ومبدأ الأرض مقابل السلام وهو المكرس في اتفاق "واي ريفر" لجهة انه ينص على مزيد من الانسحاب الاسرائيلي في الضفة الغربية مما سيعطي الفلسطينيين السيطرة على مزيد من الأراضي. انني متأكد ان الناس في العالم العربي شاهدوا الرئيس عندما تحدث الى المجلس الوطني الفلسطيني والتنظيمات الفلسطينية الاخرى وشاهدوا الاخلاص الذي تعاطى به مع التطلعات الفلسطينية المشروعة وشاهدوا التزامه الصادق عملية السلام واعتقدوا ان زيارته لغزة لقيت ترحيباً من الفلسطينيين بقلوب مفتوحة وأعتقد انهم ما زالوا يعيشون في ظل وقع زيارته وآمل بأن يعتبر هذا شهادة على التزام اميركا تحقيق سلام شامل في الشرق الأوسط. الآن في ما يتعلق باقناع اسرائيل بتنفيذ التزاماتها كان هذا الى حد كبير جزءاً من جهد الرئيس خلال رحلته مثلما كان جهده ايضاً لتنفيذ الالتزامات الفلسطينية. ولكن بعد مغادرته بوقت قصير نشأت أزمة في الحكومة الاسرائيلية ونحن ننتظر لنرى وسنعلم في غضون ايام ما سيحدث. لكننا نوضح ايضاً في تصريحاتنا العامة ان اتفاق "واي ريفر" وافقت عليه الحكومة الاسرائيلية وغالبية كبيرة في الكنيست الاسرائيلية. انه اتفاق وقّعت علىه الحكومة الاسرائيلية ونحتاج الى رؤية تنفيذه مثلما نحتاج الى رؤية تنفيذ الفلسطينيين التزاماتهم. وستظل هذه سياستنا وسنرى التنفيذ النشاط نفسه الذي بذلناه طوال الوقت. ونحن مصممون على رؤية تنفيذ القرار 242 مثلما نحن مصممون على تنفيذ صدام حسين التزاماته. لكني اعتقد ان من المهم فهم الفارق الأساسي بين هذه القرارات. 242 يتطلب مفاوضات على اساس المبادئ المبيّنة في هذا القرار وسوف نرى تطبيقه وسنرى الآن مفاوضات الوضع النهائي وهي تتحرك الى أمام. هناك مطبات على الطريق ومشكلات متعلقة بحكومة غير قادرة على العمل وننتظر حدوث تغييرات ونأمل الا تستغرق هذه العملية وقتاً طويلاً وسنواصل التنفيذ. نعود الى العراق، هل نفهم ان القصف سيستمر حتى في شهر رمضان المبارك ام ثمة تاريخ زمني نهائي لانهاء القصف؟ - لن أدخل في تفاصيل عمليات ولكننا حساسون تجاه رمضان وقد اخذنا هذا في حساباتنا ولا بد انكم سمعتم مسؤولين آخرين في الادارة يقولون ان هذا هو السبب الذي قررنا من اجله التصرف بسرعة. وأريد أن أوضح ايضاً اننا في تنفيذنا هذه الحملة العسكرية حساسون جداً تجاه كون الشعب العراقي غير مسؤول عن هذا الوضع ونحن نبذل كل ما في وسعنا لتجنب وقوع خسائر واصابات في صفوف المدنيين وأن نركز على نظام الحكم وعلى قدراته. وهذا يتضح من قلّة الاصابات وبصورة اكثر عندما يهدأ الغبار. في هذه الحملة ضد العراق هل هناك ما يوازيها من دعم من داخل المؤسسة العسكرية العراقية وجهود اخرى من الداخل يمكن ان تساعد في اثارة تمرد ضد الحكومة المركزية في بغداد؟ - لا بد انك تعلم جيداً ان قدرة صدام حسين على قمع المعارضة الداخلية لا تزال هائلة، وبناء على ذلك فاننا لن نضع في حساباتنا او استراتيجياتنا توقع ان يكون هناك تمرد. وهذا اذاً ليس جزءاً من استراتيجيتنا في هذه الحملة. هل تعتقد أن رئيساً على وشك ان تبدأ المداولات في الكونغرس لعزله يملك السلطة الاخلاقية لشن حرب؟ - لا بد انكم سمعتم بالقرار الذي اصدره الكونغرس امس وعندما يتعلق الأمر بشن حرب فان البلاد موحدة برغم الخلافات الحقيقية والانقسامات بين الجمهوريين والديموقراطيين والتي تظهر خلال مداولات العزل الجارية. اعتقد ان هناك مبدأ اساسياً وهو انه عندما تذهب الى البلاد الى حرب فان الجميع يكونون متحدين وراء القوات العسكرية وهذا تبيّن امس كما هو واضح ايضاً لدى الرأي العام. ولكن من الواضح ان ثمة مشكلة عندما يواجه الرئيس مثل هذا في الداخل. ولكنه ما يزال مصمماً على عزل المسألتين احداهما عن الاخرى وأنا متأكد ان لديه قدرة على صنع السلام او صنع الحرب بينما هو يواجه هذه التحديات الداخلية وهذا لم يمنعه من محاولة تحقيق السلام من خلال اتفاق "واي ريفر" ولم يمنعه من القيام بجهد لمحاسبة صدام حسين. هذه رابع حملة عسكرية ضد العراق والعراق تحت نظام العقوبات منذ ثماني سنوات. في 1991 قررت الولاياتالمتحدة ان لا تمضي الى آخر الشوط نحو اطاحة النظام العراقي بسبب اعتبارات معينة. هل ما زالت الولاياتالمتحدة تأخذ هذه الاعتبارات نفسها في حساباتها ام حدث تغير ما بين 1991 والآن في ما يتعلق باطاحة النظام؟ - اعتقد ان ثمة فرقين اساسيين هنا، اولهما اننا اوضحنا اننا سنعمل نحو اليوم الذي يمكن للشعب العراقي ان تكون له حكومة اكثر تمثيلاً لتطلعاته لكننا اوضحنا ايضاً اننا لا نرى ان هذه الحملة ستؤدي على الفور الى اطاحته اذ ان هذا سيستغرق وقتاً. وإذا ساعدت هذه الحملة في تلك العملية فهذا سيكون مكافأة لكن الأهداف هي اضعاف قدرته على انتاج اسلحة الدمار الشامل والتعامل مع تهديده لجيرانه... الرئيس قال ان الامر يتطلب وقتاً وجهداً، مما يعني ان الأمر لن يساعد الشعب العراقي. تقولون انكم تنوون مساعدة الشعب العراقي بجلب حكومة جديدة اكثر تمثيلاً للشعب. هل التمثيل هو الأولوية العليا للشعب العراقي وللعراقيين العاديين ام ان اولويتهم تتعلق بحياتهم وبالبنية التحتية في بلادهم وبمستشفياتهم وتعليمهم الخ... وعندما تقول ان الامر سيستغرق وقتاً وانكم ستعتمدون على المعارضة العراقية فان هذا يمكن ان يستمر حتى سنة 2050. - سيستغرق الأمر وقتاً وآمل ان لا يستغرق كل تلك المدة ولكن اذا كنت تتساءل عما سيحدث للشعب العراقي في غضون ذلك فاننا ندرك الامر ونرى في اتفاق النفط مقابل الغذاء آلية لمساعدة الشعب العراقي. هل سيستمر اتفاق النفط مقابل الغذاء اذا رفض العراق عودة المفتشين اليه؟ - نعم لأننا كما ذكرت معنيون بأن لا يدفع العراقيون ثمن خطيئة نظامهم. ولكن ما الذي تغير في استراتيجية اميركا ما بين 1991 والآن في ما يتعلق باطاحة النظام؟ - ما زال الهدف هو الاحتواء، والاحتواء يشمل منع صدام حسين من اعادة بناء اسلحة الدمار الشامل وتهديد جيرانه. ثمة نظام عقوبات مفروض من اجل تحقيق ذلك وخصوصاً لنزع اسلحة الدمار الشامل العراقية. هذا النظام لم يعمل لأن صدام حسين يرفض التعاون معه وهكذا اضطررنا الى اللجوء للقوة من اجل تحقيق ما لم تستطع قرارات مجلس الامن تحقيقه. ومن المستحيل حل هذه المشكلة بالقوة، ولذا فانه سيكون على مجلس الأمن من خلال "اونسكوم" المضي في عملية نزع الاسلحة، اما في ما يتعلق بالاستراتيجية العامة فان الاحتواء ما زال هناك في قلب استراتيجيتنا، ونحن مهتمون بمساعدة المعارضة العراقية لتقديم اليوم الذي يمكن ان يكون فيه نظام حكم جديد. هل انت مقتنع بأن تغيير النظام في بغداد يمكن ان يتم بالقوة من الخارج ام يمكن ان تقول انه لا بد من جهد موازٍ من داخل العراق وجيشه؟ - التغيير لا بد ان يأتي من الداخل ولا يمكن تصور ان الحكومة العراقية يمكن قلبها نتيجة نشاط سياسي للمعارضة في لندن. مع ان هذا النشاط مهم لكن المعارضة الخارجية اذا وحّدت جهودها للعمل على ايجاد بديل للنظام العراقي فهذا مهم في ابلاغ الرأي العام العالمي بجرائم صدام ومهم لإدانة صدام كمجرم حرب. ولكن بالنظر الى طبيعة الحكم فان التغيير لا بد ان يأتي من الداخل واريد ان اوضح ان مقاربتنا تستند الى مبدأين مهمين: اولهما ان تغيير الحكومة العراقية يتوقف على الشعب العراقي وسنساعد العراقيين في ذلك، وثانياً في هذا الجهد نثبت دائماً ضرورة الحفاظ على وحدة الأراضي العراقية. أليس هناك تناقض بين قولكم ان التغيير يجب ان يأتي من الداخل وبين دعمكم جماعات المعارضة في الخارج في ضوء قمع النظام لشعبه. كيف سيمكن توفير التعاون بين من هم في الداخل ومن هم في الخارج؟ - هناك بعض الناس في الداخل ونحن نعمل معهم بالفعل. ليس كل العراقيين تحت سيطرة صدام حسين. ففي الشمال عندنا الحزب الديموقراطي الكردستاني والاتحاد الوطني الكردستاني وقد رتبنا مصالحة بينهما وهما جزء من المعارضة. وفي الجنوب توجد مقاومة شيعية لم يستطع صدام حسين قمعها خلال كل تلك السنين ونحن نتطلع الى العمل معهم. المسألة هي ما اذا كان هناك اشخاص آخرون في العراق على استعداد للوقوف والمقاومة، ونحن نتطلع الى دعم هؤلاء ايضاً مع مرور الوقت. اذا عرضت ايران المساعدة في اي مقاومة ضد صدام في الجنوب فهل ستكون الولاياتالمتحدة مرحّبة بهذا؟ - نتطلع الى عمل ما هو الاكثر فاعلية، وأعتقد ان الايرانيين لديهم عقدة تجاه الولاياتالمتحدة تتعلق بالصورة الاشمل للعلاقات بيننا وبين ايران ولكن اريد التركيز على الناس في الجنوب، على الشيعة، الذين اظهروا شجاعة هائلة وفعلوا ذلك لوقت طويل وهم يحصلون على دعم، بما في ذلك من ايران، وهم الناس الذين نعتقد انهم يحتاجون الى المساعدة ومن الواضح انهم ليسوا الوحيدين الذين يحتاجون للمساعدة، اذ ان كل الفئات المعارضة لها هدف مشترك هو رؤية حدوث تغيير في النظام