على سرير أبيض، في مستشفى الملك فيصل في الرياض، أغمض المصور والصحافي السعودي صالح العزاز 43 سنة عينيه على عالم الدنيا، منتقلاً الى العالم الآخر، بعد معاناة طويلة مع مرض "السرطان". لكن العزاز حين اغمض عينيه للمرة الاخيرة كان يبصر وحده سماء زرقاء وبحراً ازرق، هو عاشق الزرقة والمستحيل. استطاع صالح العزاز عبر رؤية شفافة وخاصة، أن يوجد لذاته مكاناً مميزاً، كونه تمكن، بعدسته الزجاج، أن يعبر عن هذا العالم ويبرزه للمتلقي كما يراه هو، مجسداً حالات إنسانية وطبيعية، كانت في نظر كُثر من الناس عادية ومهمشة ومتروكة، يمرون عليها من دون أن يمنحوها بالاً. وكان هو يلتقطها بشفافية الإنسان، وروح المبدع، وببراعة المصور الماهر، لتكون عملاً إبداعياً لا يقل عن إبداع الواقع وحقيقته. صالح العزاز وبصفته "مصوراً فوتوغرافياً"، رحل بعدما قدم تجارب عدة، وهي على قصر مداها الزمني 1996-2001، إلا أنها كانت مقنعة جداً وتحمل في داخلها بذور بقائها، ومقدرتها على المنافسة. أول معرض شخصي له أقامه في العام 1996، ويشارك في العام التالي عبر معرض في الصين، ضمن مسابقة اتحاد المصورين العالميين، حاصداً الميدالية الفضية متبوئاً المرتبة الثانية. وهو الإنجاز الكبير الذي أنبأ عن مدى إمكاناته الإبداعية. كانت الصورة الفائزة عبارة عن لقطة لأطفال، جسد فيها إحساس الطفولة وبراءتها. وعلى رغم ما يدعوه هذا الفوز الى مزيد من الاعتزاز والفخر، إلا أنه وكما يقول محمد الرشيدي عندما التقى الراحل في بهو فندق "شيراتون" للحديث عن هذا الإنجاز العالمي الذي حققه بين كم المحترفين: "لم يتفلسف رحمه الله ولم يتحدث عن نفسه كثيراً، وإنما كان يتحدث عن أجواء المدينةالصينية التي أقيم فيها الحدث، وكيفية التنافس، وأيضاً عن أمله في أن تطبق هذه الفكرة لدينا في المملكة". "بلا حدود"، كان هو آخر معرض أقامه العزاز في الرياض عام 2001، وفيه حضر الكثير من صوره الحافلة بأجواء الصحراء ونقائها، والسماء وزرقتها الممتدة، في علاقة جدلية بين الصفرة الناصعة كالذهب لرمال الصحراء، والزرقة السماوية، وما بينهما من مساحة وامتداد، وفي ما يشكلانه ويدلان اليه من صفاء وسعة في هذا الكون. وفي المعرض ذاته حاول أن يعبر عن تلك الحال من التغير، أو لنقل الخراب الذي سببه العمران الحديث في تلك البيوت الطينية القديمة، وعن علاقة الحديث بالقديم، الطين بالإسمنت. وإضافة الى ذلك أصدر العزاز كتباً عدة، فكان الكتاب الأول "الجنادرية الحدث" بالاشتراك مع المصور حمد العبدلي. وتبعه إصدار آخر، "العودة إلى الأرض"، يوثق فيه تجربة البناء بالطين لمشروع مزرعة العذيبات، أما آخر أعماله، فكان "المستحيل الأزرق"، بالاشتراك مع الشاعر البحريني قاسم حداد، وفيه تتجاور الصورة الفوتوغرافية مع النص الشعري. فكانت للعزاز "الصورة" ولقاسم "الشعر". في "المستحيل الأزرق"، لا يمكن تفكيك العمل وعزله بعضه عن بعض. ولا تمكن قراءة النص الشعري بمعزل عن النص "البصري/ الصورة". وزاول العزاز العمل الصحافي في صحف سعودية منها: "اليوم"، "الرياض"، "الجزيرة"، "الشرق الأوسط". لم يستسلم العزاز الى المرض الذي ألمَّ به، وظل "محكوماً بالأمل"، كما كانت وصية الراحل سعدالله ونوس، بل جعله المرض ينظر الى الأشياء في شكل مختلف ورؤية مختلفة، معتبراً المرض موضوعة من الموضوعات الجديدة والتجارب التي ينبغي عليه أن يحسن التعامل معها والافادة منها تماماً مثلاً يتعامل مع اللقطات الفوتوغرافية بعدسته. يقول العزاز: "قصة المرض، هذه مجرد معركة صغيرة، تحدث على هامش الحياة. أريد أن أخرج منها وأنساها" لكن الموت كان أقوى فخطف المصور الفنان. هنا شهادات. المبتسم دائماً صالح العزاز المبتسم دائماً فنان الصورة الناطقة، والكلمة المصورة وشاعر الكاميرا. كان مدرسة جديدة سرعان ما قدمت للساحة اعداداً من التلامذة والمقلدين الذين حاولوا محاكاته. وكان سعيداً بهم، وموجهاً لهم. اجتمعت فيه صفة الصحافي الفنان، فحمل همه طيلة مسيرته والابتسامة لا تفارقه، تلك الابتسامة التي تصاحبه من مجلسه الى مكتبه وفي رحلاته الصحراوية بحثاً عن مادة لصوره التي استوعبت الكثير من المناظر الصحراوية المؤطرة بالجمال والدقة والاتقان في أبعادها. كانت صوره تجسده انساناً وهب نفسه لفنه الذي تكبد من أجله الكثير، ولكنه كان سعيداً بتعبه ومعاناته، لأنه وجد ذاته فيه فكان الحب المتبادل. في كلماته كما في صوره يجسد الواقع بحالته، ولا ينسى أن يضيف ما يؤكد الكمال للعمل، لأنه يرى أنه يقدم العمل الكامل المقنع. وترك غيابه فراغاً كبيراً في الساحة الثقافية/ الفنية ولكن آثاره باقية ودالة على مكانته، ومصورة آماله التي كانت تشغله وهو في شدة المرض. قال قبل اجراء الجراحة الأخيرة له: "في اللحظات الصعبة جداً تلك التي تعصف بالإنسان ويبلغ فيها الضعف الإنساني تلك الدرجة العالية من الحساسية التي لم تجرب من قبل، ويدركنا ذلك الإحساس الغريب في اللحظة الفاصلة بين الموت والحياة. تلك اللحظة التي زاغ فيها البصر... تتعاظم الأشياء وبإحساس غريب يجرب لأول مرة، أيضاً ندرك للمرة الأولى أن تلك الأشياء أكثر أهمية في حياتنا". نظرة في فسحة الأمل الملازم أبداً للإنسان الرائع المؤمن بإنسانيته ومداه في مساحته الحياتية بداية/ نهاية فتكون الابتسامة دائماً واجهة يقابل بها الآخر علامة عمق المحبة وشهوة الإصلاح العريضة لهذا الكون. وهكذا... الخالدون أبداً في سباق مع الوعي لمشاعر الآخر. سعيد الحميدين فلسفة الصورة برحيل صالح العزاز يخسر الفن الفوتوغرافي أحد عباقرته في ساحتنا المحلية. وهو خسارة فادحة للمثقفين إذ أسس العزاز ثقافة الصورة في حين كانت مهملة وغير معترف بها كفن. يأتي العزاء ليحول الصورة الى لوحة شاعرية تمنح المشاهد بعداً اضافياً لواقع تلك الصورة، فهو يقدم مشهداً حياً قائماً على لغة فلسفية عميقة. كنت أقف أمام صوره فأشعر بالعمق الفلسفي للصورة إذ يمنحها منجزاً حضارياً من ثقافته. والصورة عنده ليست اعتباطية أو باحثة عن متّكأ لكي تسترخي فيه وتموت... صالح العزاز يلتقط الصورة لكي تعيش مرة أخرى. مع رحيله ليس بوسعنا سوى ان نودّعه بالدعاء وان يغفر الله له ويدخله فسيح جناته. حسن النعمي لن يغيب بسهولة كان صالح العزاز يلتقط لنا الحياة الميتة ويعيدها لوحة تجسد حياة مهملة في أعيننا. كان يحمل تلك الآلة الصماء ويجلس خلفها لصوغ طيور البهجة، يجلس لاقتناص لحظة نسيها الزمن فسرقها صالح وأعاد إليها الرقصة الأولى. التصوير عند صالح لم يكن هواية عابرة، كان يرى أن الكاميرا سلاحه الوحيد ضد القبح والابتذال. فحين أخرجته اللغة من قواميس الشعراء لم ينتشِ كثيراً، فتّش في أدوات العصر ووجد أن الكاميرا يمكن ان تكون لغة جديدة تدخله الى الفن والروعة. فدخل بها الى قلب المدينة وأحشائها، الى وجه طفل، وأعمدة بيت متداعٍ، وساحل نسي الناس فيه حزنهم. دخل الى الصحراء وصوب سلاحه لاقتناص فريسة من كثبان رملية، وجلس يداعب عشبة برية وحيدة نسيها ماء السماء... ظل ينتظرها حتى ترتعش فرقاً ثم يقدمها لنا ليقول: هذه هي الحياة. صالح العزاز منح الحياة المهملة ثوباً شفافاً مكننا من رؤية ما لا يرى. صالح العزاز لم يكن يرى الصورة لقطة جاءت بضغطة زر، بل هو يتعامل مع الكاميرا كما يتعامل الشاعر مع الكلمة، تقوم اللقطة عنده على طقوس واحتفالية ومحاكاة... رحل صالح وأبقى كثيراً من الروعة بيننا. عبده خال مصور الموت الجميل . تعودنا على صالح العزاز كثيراً قبل ان نتمكن من الوصول الى حقيقة سواحلنا، وإن كانت الصور الكثيرة التي عشنا في داخلها من وسط جماليات التوقف، فإننا امام رهبة الموت نجد انفسنا وقد تكومنا محتارين كيف نتطلع حولنا. قبل يومين تركنا صالح العزاز وكأنه ينظر إلينا من منتصف الصورة، يرانا بحرفية عالية جعلتنا لا نفرق بين الاثنين. قاوم العزاز المرض بشرف بل أنه صوّر الموت من داخل المرض، ولكنه تنحى قليلاً، فقد خذله جسده وأصبحت روحه الآن محلقة في السماء تتطلع الى الجسد بحزن وحرية اكبر. ربما ارتحت يا صالح وربما اجتهدت للحصول على هذه الراحة إنما نهاية الأمر تركتنا في هذه الحياة بحسرة كبيرة ستطول كثيراً. إنّا لله وإنّا إليه لراجعون عبدالله التعزي الصورة شعراً تعرفتُ على تجربة صالح العزاز عبر عمله المشترك مع الشاعر البحريني قاسم حداد "المستحيل الأزرق"، ولكوني مشتغلاً بالشعر ومعنياً بالجماليات عموماً توقفت كثيراً أمام هذه التجربة. في "المستحيل الأزرق"، لا يمكن إلا أن تعتبر "صور" العزاز نصوصاً شعرية، لا تقل شاعرية عما كتبه قاسم، بل ربما تكون مارست نوعاً من الاستفزاز والتحدي لنص قاسم ذاته. ولا أظن قاسم حال كتابته النص إلا وهو أمام عمل شاق وصعب للغاية. أن تعبر شعراً عن شيء حسي، وعن صورة ماثلة أمامك هو تحد كبير. الصورة ناطقة، ومجسدة، ومعبرة، بل شاعرة لدى العزاز، وهو ما يزيدها خصوصية. الصورة لدى صالح "في المستحيل الأزرق"، ليست لقطة أُعجب بها المصور فالتقطها وكانت كما هي في نسختها النهائية، وليست نوعاً من المتعة والهواية واللذة، بل هي مزيج من اللذة، والشعرية، والرؤية الشخصية والعمل التقني الحرفي، وهي بعبارة مختصرة عمل متكامل، أتى نص قاسم ليكون موازياً له ومتشابكاً معه في الوقت نفسه. "المستحيل الأزرق"، هو في سعة هذه الزرقة، في سعة السماء وامتدادها. نصوص قاسم وصور العزاز كانت مفتوحة، لا نهائية، لا خاتمة لها، بل تأخذك الى عالم روحي أكثر سعة من ضيق العبارة، ومحدودية الصورة، يأخذك الى سعة الرؤية، لتتضاءل عندها العبارة، فإذا "اتسعت الرؤية ضاقت العبارة"، كما يقول النفري. هو الآن في زرقته، مع الرؤية المتسعة، التي وصلت سعتها حد صمت العبارة، هي الرؤية تتجاور فيها ثنائية العزاز الصورة، والعزاز الجسد، العزاز الروح المجردة نحو الزرقة، والعزاز الجسد نحو التراب، زرقة حلم بها كثيراً، واصفر ترابٍ ظل ملهماً له سنوات، فبورك الاثنان الزرقة الممتدة، والصفرة المشعة. محمد الماجد شاعر الصورة لم يكن صالح العزاز يحتاج الى ان يكتب القصائد ليكون شاعراً، كانت صوره التي التقطها طوال سنوات، هي أقرب إلى القصائد، في غنائيتها العذبة وجماليتها والمعاني التي تختزنها. كان اللون الأزرق أشبه بالهاجس الذي ألحّ عليه، فجعله خلفية لصور كثيرة، ومدى يستأثر بالعين وينقلها الى حالٍ من الصفاء التامّ. ولعلّ هذا الهاجس هو الذي حدا به الى ان يسمّي الكتاب المشترك الذي أنجزه مع الشاعر البحريني قاسم حداد ب"المستحيل الأزرق" وفيه بدت الصورة طاغية طغيان القصيدة نفسها، تكمّلها حيناً عندما يصطدم الكلام بجدار "المستحيل"، وتتوحّد حيناً معها لتكونا لوحة فنّية تفسّر واحدتهما الأخرى. وحين صدر هذا الكتاب قبل عامين كان أقرب الى الحدث الفنّي والشعريّ وبات القارئ حياله في حالٍ من الحيرة: ترى من أين يطلع الشعر، من صور صالح العزاز أم من قصائد قاسم حداد التي كتبها في ما يشبه التعليق الشعري على الصور؟ وإن كان يصعب الفصل بين الصور والقصائد في الكتاب الفنّي الجميل، فإن الصور قادرة على بناء عالمها الخاص، المشبع بالألوان والظلال، والحافل باللقطات التي تذوب رقّة ولطافة. في أحيان يبدو جمال الصورة كما لو كان "مرسوماً" لنفسه، كجمال اللقاء العفوي بين السماء والبحر، أو كجمال الرمل متموّجاً صفحةً من ضوء... وفي أحيان أخرى تبدو كاميرا الفنان وكأنها تصطاد لقطاتها عبر عين مرهفة كلّ الارهاف. إلاّ ان كاميرا العزاز التي أمعنت في استنطاق المشاهد الطبيعية وفي إحيائها كمادّة لونية أو كأشكال مبتدعة، لم تكن لتكتفي بهذا الجزء الصامت، الصاخب في صمته، من العالم، فدخلت حياة الناس حيثما كانوا في الصحراء، أم على شاطئ البحر، في المدينة أم في الطبيعة. لكنّ المصوّر ظلّ أبداً ذلك الشاعر الذي ينظر الى العالم نظرة وجدانية، ملؤها الشغف باللون والظلّ. هكذا صوّر العزاز مشاهد عدّة من الحياة الحرفية في الخليج، ومن الحياة الفولكلورية رقصاً وغناء، ومن الحياة اليومية التي تحفل باللحظات العفوية والساحرة: وجوه أطفال، رجال يستندون الى جدار عتيق، درّاجة هوائية مستريحة الى حائط قديم، قنديل معلّق تحت نافذة صغيرة، قلاع وأسوار، أبواب وبيوت وسطوح، ظلال لأجساد، يمام وجمال وقوافل وجياد وشجر وغيوم... أما أهمية صورة العزاز فتكمن أكثر ما تكمن، في لقطتها الحيّة، في عفويّتها التي تخفي الكثير من الحذاقة والخبرة، بل في تلقائيتها التي لم تثقلها براعة المصوّر والملمّ بأسرار الفنّ الفوتوغرافي. فالصورة تنطق بنفسها وبمشهديتها، بعيداً من أي افتعال أو صنعة أو حذلقة تقنية. واللون لدى العزاز طبيعيّ جداً، وكذلك المشهد وعناصر اللقطة. لكنّ المصوّر يتحيّن طبعاً اللحظة لينقلها الى الصورة ولكن من غير ان يجمّدها. عندما تحين تلك اللحظة يلتقطها محافظاً على وقعها الداخلي وعلى الأثر الذي تتركاه في روحه والمخيّلة. في هذا المعنى لا تبدو صور العزاز، حتى الوثائقية منها، "تجميداً" للحظة الزمنية مقدار ما تغدو تحليقاً خارج سطوة الزمن والمكان. فاللامرئي من الصورة يضاهي المرئيّ منها، واللامحدود يولد من المحدود نفسه، واللامتناهي ينبثق من المادة المتناهية. الشجرة الوحيدة أو المستوحدة التي صورها العزاز مثلاً لم تعد مجرّد شجرة وسط الأرض والسماء. إنها أقرب الى "الكائن" الوحيد المتجذّر في اللامكان الذي هو الأرض والسماء. هذه "الشجرة" كتب قاسم حداد معلّقاً عليها: "طفلة خضراء، تخرج من الطين وحدها، فتضيع في فضّة الطريق، تطلق صرختها في الزرقة الهاربة، تطلق الصرخة وتسمعها، والطين يمتدّ في الأفق، مثل السوار". أما الكرسي المكسور على شاطئ البحر في إحدى الصور فيوحي بأن ثمّة من جلس عليه هنا وغادر أو ثمة من يجلس الآن هنا محدّقاً في زرقة البحر والسماء، ولكن لا أحد يراه. أما قافلة الجمال التي تحتل جزءاً يسيراً من احدى الصور، فتبدو تحت السماء الزرقاء التي تملأ المدى، كأنها متجهة الى اللامكان... وفي صورة أخرى يبدو ظلّ أحد الاشخاص تائهاً يبحث عن صاحبه ولا يجد سوى فراغ الرمل في الصحراء... مثلما كان صالح العزاز مصوّر "المستحيل الأزرق" كان أيضاً مصوّر "الممكن الصحراوي". فالمستحيل هو الوجه الآخر للممكن لديه، والعكس صحيح أيضاً. ولعلّ "المستحيل الأزرق" هو "المستحيل" نفسه الذي يقلق الشعراء والكتّاب عندما ينظرون الى "بياض" أوراقهم. فبياض الورقة يشبه "أزرق" المشهد الذي تلتقطه كاميرا العزاز بشفافية وتظلّ تشعر بظمأ شديد نحوه، هو ظمأ روح الفنان الى المزيد من الابداع والشفافية. هكذا يشعر المشاهد ان صورة العزاز لا تنتهي، وان فضاءها لا يحدّه الاطار، وان مادتها الخفية تفوق المادة المرئية. صالح العزاز شاعر الصورة، لم يكن يحتاج الا الى تلك "الكاميرا" ليجعل منها أداة فنية بامتياز. كانت "الكاميرا" بين يديه هي جواز سفره الوحيد، بين عالم محدود وعالم غير محدود، بين الشيء وظلّه، بين السماء وزرقتها، بين الصحراء وسرابها. عبده وازن