توصل المعارضون العراقيون إلى اتفاق سياسي كانوا في أمسّ الحاجة إليه لإنجاح مؤتمرهم في لندن، وحققوا هدفين: برنامج سياسي انتقالي للتغيير، وهيئة قيادية أوسع تمثيلاً من أي قيادة سابقة. من جهة اخرى اعتبر وزير الخارجية الاميركي كولن باول امس ان التحليلات الاولية للاعلان العراقي عن الاسلحة تثير "الارتياب" في نيات بغداد، وقال: "منذ البداية موقفنا هو الارتياب، والمعلومات التي تلقيناها حتى الآن تؤكد ان هذا الارتياب في محله". أما الناطق باسم البيت الأبيض آري فلايشر فكان أعلن أن تقرير العراق عن برامجه العسكرية كان "فرصته الأخيرة للتقيد بالقرارات الدولية، ولن يمنح فرصة أخرى إذا أراد إضافة أو تغيير أي شيء فيه". وتتسلم الدول المنتخبة العشرة الأعضاء في مجلس الأمن اليوم نسخاً منقّّحة من الاعلانات العراقية عن برامج الأسلحة المحظورة السابقة. ويبحث مجلس الأمن غداً الأربعاء ملف الأسرى والمفقودين والممتلكات الكويتية بعدما وجهت السلطات العراقية دعوة الى المنسق رفيع المستوى، يولي فورنتسوف، لزيارة بغداد للمرة الأولى. وتتطلع الأسرة الدولية الى بعد غد الخميس، موعد تقدم الرئيس التنفيذي للجنة الرصد والتحقق انموفيك الدكتور هانز بليكس والمدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية الدكتور محمد البرادعي الى مجلس الأمن بأول تقويم للاعلانات العراقية، اضافة الى عرض لمجرى عمليات التفتيش في العراق. وصدر تقرير للأمين العام كوفي انان عن "امتثال العراق لالتزاماته في ما يتعلق بإعادة أو عودة جميع الكويتيين ورعايا البلدان الثالثة، واعادة جميع الممتلكات الكويتية التي استولى عليها العراق". وعرض ما استجد في هذه المسألة "نظراً الى أن السلطات العراقية صدرت عنها بوادر مشجعة في شأن الاتصالات مع يولي فورنتسوف، المنسق الرفيع المستوى، منها ما يتصل بمسألة اعادة أو عودة الرعايا المفقودين". وكان العراق "رفض مراراً وتكراراً الاجتماع مع فورنتسوف للبحث في مسألة الاشخاص المفقودين"، حتى الاسبوع الماضي، عندما وجه وزير الخارجية العراقي ناجي صبري، رسالة ترحب بزيارة فورنتسوف الى بغداد. وأعرب انان في التقرير الذي قدمه امس الى مجلس الأمن عن الأمل بأن تكون التطورات في الموقف العراقي "بداية عملية حقيقية تتيح لي في نهاية المطاف الإفادة عن إحراز تقدم اكثر أهمية في المستقبل القريب". وقال في خصوص اعادة الرعايا الكويتيين انه "لم يتحقق سوى تقدم محدود على رغم بعض العناصر الايجابية الجديدة". وتابع ان المسؤولين العراقيين يعقدون حالياً اجتماعات مع فورنتسوف "وقد ابلغ العراق جامعة الدول العربية أخيراً عزمه استئناف مشاركته في اللجنة الفرعية الفنية التابعة للجنة الثلاثية". مؤتمر لندن وكانت الأعمال تواصلت طوال ليل الاحد - الاثنين من دون التوصل إلى توافق شامل على رغم تدخلات مكثفة أدارها المبعوث الأميركي زلماي خليل زاد، واضيفت إليها مساعي مبعوث آخر هو مساعد وزير الدفاع الأميركي بيل لوتي، الذي وصل إلى قاعة فندق "متروبول" حيث يعقد المؤتمر في ساعة مبكرة من صباح أمس. وكشف مصدر مطلع ان هدف زيارة الوفد العسكري الاميركي للندن هو التنسيق مع المعارضة لتدريب عشرة آلاف عنصر، واوضح ان الدورات ستبدأ خلال اسابيع قليلة في بعض دول اوروبا الشرقية السابقة وتركيا وكردستان العراق، مشيراً الى ان مدتها تراوح حسب تشكيل الكتائب ومهماتها. وبلغ الجدل بين زعماء المعارضة العراقية ذروته حين هدد الزعيمان الكرديان جلال الطالباني ومسعود البارزاني بالانسحاب ما لم يتم تجاوز العقبات التقنية والمخاوف التي عبر عنها "المجلس الأعلى للثورة الإسلامية" بشأن تركيبة ومهمات "هيئة المتابعة والتنسيق" التي يعد تشكيلها أبرز نتائج المؤتمر. وعلمت "الحياة" أن أولى مهمات الهيئة القيادية تلبية دعوة عاجلة لزيارة العاصمة الأميركية لرسم ملامح الشراكة التي عرضتها واشنطن مع المعارضين قبل ثلاثة أشهر. ويعتبر نجاح المؤتمر تعزيزاً للجناح المعتدل في الإدارة الأميركية الذي يمثله كولن باول. ووفقاً للتعهدات السابقة للإدارة، يتعين أن تعلن إدارة الرئيس جورج بوش تبنيها المشروع السياسي الذي أقّره المؤتمر بوصفه مشروعاً مستقلاً وضعه المعارضون ولم يتدخل الجانب الأميركي في تفاصيله. كما أن وجود هيئة قيادية ذات تمثيل مقبول وتحظى بدعم غالبية الأحزاب والحركات المعارضة سيغطي الجانب السياسي للشراكة الأميركية مع المعارضة. انتصار المستقلين وعلمت "الحياة" ان عدد أعضاء الهيئة سيكونون 51 شخصية مقسمة وفقاً للنسب التي اتبعت في مؤتمر صلاح الدين بتخصيص 60 في المئة للعرب من كل الانتماءات الدينية و40 في المئة للأكراد وبقية القوميات. وتضم الهيئة أيضاً 10 شخصيات مستقلة تمثل الأطياف النشطة والشخصيات ذات الحضور السياسي. وبسبب بروز خلاف على تسمية الأعضاء المرشحين جرى تأجيل الإعلان عن هويتهم إلى صباح اليوم. وتتجاوز نتائج مؤتمر المعارضة الدور "التنسيقي" الدي كان مرسوماً قبل ثلاثة أشهر، اذ أقرّت برنامجاً سياسياً لتحرك المعارضة ورسمت توافقاً على ملامح المرحلة الانتقالية، وعلى اختيار هيئة قيادية فاعلة بتمثيل واسع. ومن هذه الزاوية يتفهم المعارضون العراقيون تقلص دور "المؤتمر الوطني" في المرحلة اللاحقة، لا سيما أن جناح الدكتور أحمد الجلبي أسهم بنشاط في أعمال مؤتمر لندن ووافق عليها بحماس. لكن النتائج عكست عموماً نجاح المستقلين في رفع نسبة تمثيلهم، فقد يكون عشرة منهم في الهيئة التي تُرك أمر إعلان أسمائها الى مؤتمر صحافي يعقد اليوم في لندن. وكان الخلاف انفجر بعد اصرار "المجلس الاعلى" على تحديد تمثيل الشيعة المستقلين.