يقال ان دفاتر اليوميات وجدت منذ القرن العاشر الميلادي في اليابان حيث كانت خليلات الامبراطور يسجلن في هذه الدفاتر حوادث حياتهن اليومية. اما اليوم فيبلغ عدد مواقع الانترنت التي تُعنى باليوميات ثمانية ملايين موقع. ويشكل العدد هذا المؤشر الأكثر دلالة على الحيز الذي تحتله كتابة اليوميات وتسجيلها في المجتمعات المعاصرة. إن جمهور هذه المواقع متنوع. اذ ان بعض المواقع تتوجه الى الصغيرات من المراهقات، وتطلب من كل منهن الكتابة عن لعبتها المفضلة على صفحة الشاشة الزهرية اللون. وذلك بينما يدعو بعضها الآخر الطلاب الجامعيين الى رواية يومياتهم في الحرم الجامعي منذ تركهم لمنزل الأسرة. وتمنح مواقع اخرى لمن يزورها من السيدات حق اختيار مواضيع اليوميات واقتراحها. فتطلب الواحدة من زميلاتها على الشبكة ان يساهمن في الكتابة عن الشعور الذي يعتري كلاً منهن عندما تنظر الى جسدها في المرآة، او عن التغيير الذي طرأ على مشاعر التقدير التي تكنها لذاتها. وكذلك قد يطلب منهن ان يسجلن روايتهن عن المرة الاولى التي اشترت الواحدة منهن فيها حمالات الصدر، او التي تبادلت فيها القبل مع الصديق. والى جانب اقتراح مواضيع الكتابة يتوافر لمتصفح مواقع اليوميات هذه مراجع تساعده على تجديد اسلوب كتابته وعلى اغناء صفحات يومياته بواسطة المؤثرات البصرية. غالباً ما يكون الحب من بواعث كتابة اليوميات في وسط الصبايا اللواتي تتراوح اعمارهن بين الخامسة عشرة والثلاثين. ذلك ان الحب يضفي على تفاصيل الحياة، التي يشارك الحبيب في حصولها، الاهمية. وكذلك يمنح الحب المرء المرأة حياة خاصة تميز وجوده وتسم اوقاته اذ تخرجها من الرتابة والتشابه. تقول لينا 26 سنة، معلمة في احدى الثانويات البيروتية: "أنا اكتب عندما اكون عاشقة". فأهم شيء بالنسبة اليها هو كون تواريخ عشقها محددة في الزمن، وتضيف هذه الاخيرة: "عندما يغازلني حبيبي اسجل الجمل التي قالها لي لأستمد منها الثقة بالنفس ولئلا تضيع في الزمن". لم تسمح لينا بأن يمس حبر الاقلام دفتر اليوميات الجميل، والذي اهدتها اياه والدتها يوم كانت في السابعة عشرة من العمر، إلا بعدما دخل حبيبها الى حياتها. بينما سارت ديما 15 سنة، تلميذة الى افتتاح يومياتها بافضاء اخبار شوقها الى صفحات الدفتر الزهري الذي قدمه لها صديقها. في صفحة من يوميات ديما شكوى من جفاء صديقها ومن اعتباره ان الكلام عن المشاعر سخيف. وتتجاور الشكوى هذه الى جانب شكوى من غياب ثقة والدة ديما بابنتها. أما لقاء مهندسة الديكور لمى 29 سنة ب"توأم روحها" فنجم عنه يوميات خطتها لمى بريشة الألوان والرسم. فهي تعتبر ان لوحاتها الصغيرة "اصدق إنباء" من الكلمات. ويبدو ان كثرة من الامهات على دراية بالمكانة التي توليها ابنة كل منهن لدفتر يومياتها. فتعترف ندى 43 سنة وهي مدرّسة وأم لثلاثة اولاد انها تلصصت مرة على يوميات ابنتها ليندا البالغة الواحدة والعشرين من العمر. وهي تبرر تلصصها هذا بقلقها من الحزن البادي على وجه ليندا. وتقول: "علمت انها تحب زميلاً لها في الجامعة، وان الزميل هذا لا يرغب ببدء علاقة معها لأنها ليندا من خارج طائفته الدينية. ارتحت بعدما علمت ما يشغل بال ابنتي وحرصت ألا تعرف بتطفلي على حياتها الخاصة". وليس التطفل على يوميات الغير من اختصاص الوالدات فقط. فتلميذة المدرسة آية 12 سنة لم تتوان عن قراءة يوميات صديقتها. وهي تبرر تلصصها هذا بقولها: "رأيت ان صديقتي تكتب كل ما يخطر على بالها وانها تحتار مثلي وتتردد. شعرت بالراحة لأن غيري يشبهني". ليس الحب في جميع الحالات الباعث الأوحد على كتابة اليوميات. إذ ان الانتقال من مرحلة الدراسة المدرسية الى المرحلة الجامعية يشكل مدخلاً الى عالم جديد من العلاقات الاجتماعية والى وتيرة حياة مختلفة. ففي سنتها الجامعية الاولى بدأت دالين بكتابة يومياتها. وتزامنت الكتابة هذه مع بدء إلمامها بعلم النفس. فهي تقول: "ادركت ان حل المشكلات التي اواجهها قد يأتي من طريق الكتابة... رحت اصيغ مشكلاتي وأضعها على الورق". وعلى خلاف الشابات الآنفات الذكر، تستعمل دالين ضمير الغائب "هي" عند الكلام عن نفسها. فكأن دالين الراوية والملاحظة شخص منفصل عن تلك التي تعيش حوادث حياتها اليومية. اختلفت الاسماء التي نسبتها دالين الى صاحبة الضمير الغائب هي في خلال الاربع سنوات التي انصرمت منذ خطت اول صفحة في يومياتها. ففي الوقت الاول يعود الضمير "هي" الى شابة غارقة في الخيال تدعى احلام. وأحلام هذه تكتب "بقلم الرصاص" لأنه قابل للامحاء. بينما تكتب دالين الواقعية والقاسية على نفسها بقلم الحبر الجاف. ودالين الواقعية هذه تكره احلام، اي الشخص الذي كانت عليه. واليوم امست دالين على صفحات اليوميات "دالينا". وهي شخص يحاول الدمج بين الشخصيتين التي كانت عليهما. لا تقتصر كتابة اليوميات على فئة الصبايا العاشقات والجامعيات. اذ ان بعض الآنسات الصغيرات يقدمن على كتابة اليوميات على اثر حصولهن على "دايري" دفتر يوميات هدية نجاح او قدوم من السفر. فعلى سبيل المثال تودع إلسا 11 سنة اخبار يومها في الدفتر الذي اهدتها اياه قريبة آتية من فرنسا. وهي اذا تشاجرت مع احد يكون "التعصيب" من نصيب الدفتر. وغالباً ما يكون هذا التعصيب ناتجاً عن خلاف هذه الآنسة الصغيرة مع والدتها على اختيار الثياب. وهي تسجل فرحها عندما تعلم من والدتها انهما ستسافران للسياحة. اما مزاج إلسا فهي تعبر عنه بواسطة ألوان الاقلام التي تستعملها الأحمر والزهر للتعبير عن الفرح، والأسود والرمادي للتعبير عن الحزن. تختزن اليوميات الصور التي كانت عليها الذات في وقت ماضٍ وتستدعي رأي من كتبها عند قراءتها بعد فترة. فإلسا "تضحك على نفسها" عندما تعيد قراءة ما كتبته في السابق. وفي بعض الاحيان تسجل رأيها الحالي في ما سبق لها كتابته. أما آية 12 سنة فقد طلبت من امها ان تشتري لها دفتر يوميات بعدما عرفت ان صديقتها تملك دفتراً تودعه افكارها. وهي كتبت على غلاف يومياتها الخارجي عبارتي خاص ولا يفتح باللغة الانكليزية. لا تذكر آية اسماء من تكتب عنهم بل تكتفي بالاشارة اليهم بواسطة الاحرف، وتعمد الى "شقلبة" الكلمات. ويحظى مظهر آية الخارجي بحصة من يومياتها. فهي تكتب احياناً ان "شكلها غير ظابط" غير راضية عن مظهرها او ان "على وجهها حبة تجعلها قبيحة". وهي "تخرطش" على دفتر يومياتها وترسم وجوهاً خرافية أو تنسخ مقاطع من روايات اعجبتها.