تعتبر اليوميات الهزلية للشخصيتين المتخيلتين "بريجيت جونز" و"أدريان مول" من أكثر قصص النجاح غرابة في عالم النشر الحديث في بريطانيا. فقد حققت تلك اليوميات مبيعات هائلة وأصبح "أدريان" و"بريجيت" من أشهر الشخصيات في الأدب الروائي المعاصر. يوميات أدريان مول ألفتها سو تاونسند التي تعيش، مثل بطل روايتها أدريان، في مدينة ليستر في منطقة الميدلانز الكئيبة وسط انكلترا. وكان أول ظهور لهذه الشخصية في 1982 مع صدور "اليوميات السرية لأدريان مول - له من العمر 13 سنة وثلاثة أرباع السنة" The Secret Diary of Adrian Mole aged 13 and three quarters، وحظيت بشعبية واسعة حتى أنها أُنتجت في مسلسل تلفزيوني. كان أدريان آنذاك وقع في حب فتاة جميلة في مدرسته، باندورا برايتويت، وظلم معشوقته على امتداد يومياته اللاحقة. ثم صدرت "آلام نضوج أدريان مول" The Growing Pains of Adrian Mole في 1984، وأعقبتها "الاعترافات الصادقة لأدريان ألبرت مول" The True Confessions of Adrian Albert Mole عام 1989، ثم "أدريان مول: سنوات العزلة" Adrian Mole: the Wilderness في 1993. أما يوميات بريجيت جونز فهي من تأليف هيلين فيلدينغ التي بدأت كتابتها على حلقات لصحيفة "إندبندنت" اليومية في 1995. وافترض قراء كثيرون أن بريجيت جونز شخصية حقيقية، إذ تصدرت الحلقات المنشورة في "إندبندنت" صورة فوتوغرافية لفتاة شعرها أسود تمسك بسيجارة. كانت الصورة في الحقيقة لسكرتيرة تعمل في الصحيفة آنذاك. ونشرت اليوميات في كتاب في 1996، وبيع منها أكثر من 3 ملايين نسخة في 30 بلداً. وصدر آخر نتاج من يوميات الشخصيتين، "أدريان مول: سنوات الكابتشينو" Adrian Mole: The Cappuccino Years و"بريجيت جونز: حافة العقل" Bridget Jones: TheEdge of Reason في نهاية 1999، وحقق كلاهما مبيعات هائلة. وحسب لائحة بالروايات العشر الأكثر شعبية نشرت في صحيفة "أوبزرفز" في نهاية شباط فبراير الماضي، بيع من "حافة العقل" أكثر من ربع مليون نسخة خلال 13 أسبوعاً، ومن "سنوات الكابتشينو" 179 ألفاً و723 نسخة خلال 18 أسبوعاً. وتعتبر هذه المبيعات إنجازاً مدهشاً، خصوصاً بالنسبة الى الكتب المجلدة. فبالمقارنة مع ذلك، بيع من رواية "الزواج من الخليلة"Marrying the Mistress، آخر عمل للكاتبة ذات الشعبية الواسعة جوانا ترولوب، 18 ألفاً و289 نسخة خلال أربعة أسابيع. لا يحقق سوى قلة قليلة من الكتّاب الروائيين في بريطانيا مردوداً مالياً من أعمالهم، لكن يوميات أدريان مول وبريجيت جونز حققتا لتاونسند وفيلدينغ ثروة ضخمة. وحاول كتّاب روائيون جدد كثيرون أن يحاكوا تجربتهما الناجحة، ونشرت في السنتين أو الثلاث سنوات الماضية روايات هزلية عدة تخوض فيها البطلة الشابة مغامرات متنوعة في مسعاها للعثور على "الرجل المناسب"، فيما هي منشغلة دائماً بمظهرها الخارجي وبوزنها. ويبدي القراء البريطانيون منذ وقت بعيد ولعاً باليوميات، سواء كانت حقيقية أو خيالية. ومن بين أشهر اليوميات في الأدب الإنكليزي تلك التي كتبها صموئيل بيبس في القرن السابع عشر، و"يوميات كاهن في الريف" التي كتبها في القرن الثامن عشر جيمس وودفورد. ومن اليوميات الخيالية الشهيرة "يوميات نكرة" التي ألفها جورج ويدون غروسميث في 1892. وكاتب اليوميات المتخيل هو تشارلز بوتر الذي يصف حياته كرجل من الطبقة الوسطى يعيش مع زوجته في منزل يقع ضمن سلسلة منازل متلاصقة في إحدى ضواحي لندن. يحاول بوتر أن يكون جدياً، إلا أنه يبدو مضحكاً الى حد ما، ولا يدرك تماماً ما تكشف يومياته للقارئ عن شخصيته. وبعد مرور أكثر من 100 سنة، لا يختلف أدريان مول عن تشارلز بوتر، فأدريان يعتقد أنه أقوم أخلاقاً من الآخرين، وهو يفتقر الى روح الدعابة ومضحك في سذاجته. ففي اليوم الذي يقول فيه بيل كلينتون عن مونيكا لوينسكي "لم تكن لدي علاقة جنسية مع هذه المرأة"، يكتب أدريان في دفتر يومياته "أنا أصدقه تماماً". ويدرك القارئ، في الوقت الذي لا يلحظ فيه أدريان، أن إليانور فلود الموظفة الاجتماعية التي تزوره وولديه أسبوعياً أصبحت مهووسة به جنسياً. وتوّج هوس إليانور وغيرتها في نهاية اليوميات بإحراق منزل أدريان وممتلكاته. توجد أوجه تماثل بين بريجيت وأدريان. فكلاهما في الثلاثينات من عمرهما، وكلاهما يسجل بتفصيل دقيق ملاحظاته عن بيئته الاجتماعية وإحساسه بالقلق. وأصبح اسم "بريجيت جونز" مرادفاً لامرأة في الثلاثينات من العمر تنصت لساعتها البيولوجية، وتستميت لاجتذاب رجل والاحتفاظ به، لكنها تجد الرجال مترددين في الالتزام بعلاقة طويلة المدى. وتبدي بريجيت جونز هوساً بوزنها وبآخر صرعات الموضة والتصميم، وتعجز عن الإقلاع عن التدخين وتتردد على حانات النبيذ والمطاعم في منطقة نوتينغ هيل العصرية في غرب لندن برفقة صديقاتها اللاتي يعملن في وسائل الإعلام ولا تكف هواتفهن النقالة عن الرنين. بعض النساء يكرهن نموذج المرأة الذي تمثله بريجيت ويزعمن أنها دفعت الى الوراء عقوداً عدة ما كانت الحركة الأنثوية حققته من تقدم بتشجيع النساء على أن يكنّ قويات ومستقلات. وفي الوقت الذي أصبح فيه لبريجيت صديق هو مارك دارسي في رواية "حافة العقل"، ينفصل أدريان في "سنوات الكابتشينو" عن زوجته النيجيرية جوجو التي تسعى الى الطلاق. ويتحمل أدريان رعاية ولدهما الصغير ويليام. ويكتشف للمرة الأولى أن لديه أيضاً ابناً مراهقاً اسمه غلين، كان ثمرة علاقة غرامية عابرة مع فتاة عندما كان في المدرسة. ويأتي غلين ليعيش مع أدريان وويليام. تعكس يوميات أدريان وبريجيت مدى هيمنة وسائل الإعلام وعبادة المشاهير على الثقافة الشعبية في بريطانيا، وتظهر في اليوميات شخصيات حقيقية الى جانب شخصيات متخيلة. وفي اعتراف أدريان بنظيرته الأنثى، يصف قدوم بريجيت جونز الى المطعم الذي يعمل فيه كطاه: "دفعت شرائح الكبد حول طبقها مع نظرة اشمئزاز ثم غادرت المكان". ويروي أدريان في يومياته كيف قرأ يوميات بريجيت في "إندبندنت". "هذه المرأة مهووسة بنفسها! إنها تكتب كما لو كانت الشخص الوحيد في العالم الذي يعاني مشاكل". ينطبق هذا الوصف، بالطبع، على أدريان ذاته. بل إنه يكتب الى بريجيت طالباً منها مشورة حول كيفية نشر يومياته، ويشرع بتقليد الطريقة التي تبدأ بها كل عمود في يومياتها بتسجيل وزنها والسعرات الحرارية التي أُحرقت والسجائر وأقداح النبيذ التي استهلكتها. باستثناء أن أدريان ليس ضعيف المقاومة تجاه السجائر أو الكحول، بل تجاه حلوى "أوبال فروتس" التي يلتهمها باستمرار. وتدور أحداث آخر كتابين من يوميات بريجيت وأدريان في الفترة القريبة من الانتخابات العامة في 1997، وتشمل وفاة الأميرة ديانا في 31 آب أغسطس من تلك السنة. وتفكر بريجيت بتأمل عندما تقوم بزيارة ليلاً الى كنسينغتون غاردنز حيث وضع الناس الورد وأضاؤوا الشموع إحياء لذكرى ديانا: "آمل أن تكون أدركت الآن، بعد كل ما كان ينتابها من مخاوف بأنها غير نافعة بدرجة كافية، المشاعر التي يكنّها لها الجميع. ينبغي أن يكون هذا حقاً رسالة الى النساء اللاتي يساورهن القلق بشأن مظهرهن ووضعهن البائس ونزعة التطلب المفرط إزاء أنفسهن، بألاّ يقلقن الى هذا الحد". ويقول أدريان إن "هذه الأسرة ذرفت دموعاً تكفي لملء أنهار عدة وقناة وبحيرات عدة. والدتي لا تكف عن القول "هؤلاء الأولاد" الأميران ويليام وهاري ثم تجهش بالبكاء". بعد ذلك بيومين تتوجه عائلة مول الى كنسينغتون غاردنز وتعلق بواسطة شريط لاصق على جذع شجرة قصيدة تبدأ بهذه الكلمات: "آه ديانا! آه ديانا! كانت أغنية، تتردد عندما كانت أمي في شبابها. غنّاها بول أنكا، الذي كان صغير الجسم وأبيض الأسنان". يذكر أن المغني الأميركي بول أنكا من أصل لبناني من منطقة البقاع الغربي - المحرر. في الانتخابات العامة فازت الفاتنة باندورا بمقعد في البرلمان كنائبة عمالية، وكانت واحدة من ضمن مجموعة كبيرة من النائبات الجدد اللاتي دخلن الى مجلس العموم وعُرفن ب"صبايا بلير". كانت باندورا آنذاك مطلّقة ولديها عشيق متزوج ثلاث مرات وله 10 أطفال من نساء عدة. ومما أدخل الفزع في نفس أدريان أن علاقة عاطفية نشأت بين أمه ووالد باندورا عقب الانتخابات العامة، وأصبح منزل العائلة مطوقاً بحشد من المصورين والصحافيين. وبعد ذلك بوقت قصير، تنشأ أيضاً علاقة بين والد أدريان ووالدة باندورا. تبدي بريجيت وأدريان على السواء ملاحظات حادة بشأن والديهما. وعندما يُضطر أدريان لأسباب مالية الى مغادرة لندن والعودة الى منزل العائلة، يصاب بصدمة عندما يجد أن "والدتي تطلب مني أن أدفع 40 جنيهاً استرلينياً في الأسبوع عن أجور المنام والطعام". يتزايد في بريطانيا أكثر من السابق عدد الشبان الذين يبقون في منزل العائلة مع أهلهم، وفي الغالب لأسباب مالية. وتشكل والدة بريجيت مصدر إحراج مستمر لها. وعندما تسافر الأم مع إحدى صديقاتها في عطلة إلى كينيا، تعودان الى إنكلترا برفقة شابين محاربين كينيين. وتتناول يوميات أدريان وبريجيت بسخرية لاذعة جوانب كثيرة من الثقافة البريطانية المعاصرة. أصبح أدريان "طاهياً مشهوراً" في مطعم في منطقة سوهو اسمه "هوي بولوي" يقدم وجبات طعام انكليزية مثيرة للاشمئزاز، مثل حساء الطماطم من صنف "هاينز" مع قطع خبز أبيض "عائمة"، وشرائح لحم الخروف مع الكرنب المسلوق لمدة لا تقل عن نصف ساعة، ومهلبية تعد من مسحوق الكسترد من نوع "بيردز" المعلّب القشرة الطافية على الكسترد تكلف 6 جنيهات استرلينية إضافية. ويكتسب المطعم شهرة عندما تنشر عنه مقالة نقدية سيئة جداً بقلم ناقد المطاعم أي.أي.غيل. يقول أدريان إن "المطعم محجوز مقدماً ستة أسابيع. ورفض البواب السماح لميشيل أميرة كنت بالدخول الليلة الماضية، وكانت مكروبة". وكان بين الزبائن الآخرين بيتر ماندلسون الذي أصبح الآن وزير الدولة لشؤون إيرلندا الشمالية. ويتحول أدريان لفترة وجيزة الى طاه في حلقات تلفزيونية عن طبخ فضلات الذبيحة، لكن شريكه الهندي الوسيم الذي يتمتع بجاذبية أكبر أصبح الاسيويون الشبان يحظون بشعبية كبيرة في التلفزيون البريطاني يسرق الأضواء منه. ويُفترض أن يؤلف أدريان الكتاب الخاص بحلقات الطبخ، لكنه يستمر بتأجيل البدء به ويزداد الناشر ضيقاً لدرجة أن أمه تتولى إعداده سراً وتقدمه للناشر. وفي كتاب "حافة العقل"، تبدو بريجيت منشغلة بالحرص على عدم فقدان صديقها مارك دارسي. وواضح أن اسمه مشتق من اسم السيد دارسي في رواية جين أوستن "الكبرياء والتحامل" Pride and Prejudice، وأدى دوره في المسلسل التلفزيوني المستوحى من الرواية كولن فيرث الممثل المفضل لدى بريجيت وصديقاتها. بالإضافة الى ذلك، وكجزء من عملها كصحافية، تجري بريجيت في "حافة العقل" مقابلة مع كولن فيرث. وتسجل اليوميات بعناء المساعي التي تبذلها بريجيت للحؤول دون اطلاع دارسي على مخاوفها من فقدانه، فهي تدرك أن هذا لن يؤدي إلاّ إلى إبعاده عنها. وفي مناسبات عدة، عندما يخفق في الاتصال بها هاتفياً بعدما يكون وعد بذلك، تصاب بذعر متزايد وهستيريا، وتحاول أن تتوصل الى الأسباب المحتملة التي حالت دون أن يتصل. ومن بين ما تستهدفه كتابة هيلين فيلدينغ الساخرة في "حافة العقل" هو صناعة "كتب النصائح" المزدهرة. فمارك دارسي يضحك عندما يجد أن بريجيت تحتفظ بكثرة من هذه الكتب، ومن ضمنها عناوين مثل "ما يريده الرجال" و"كيف تحصل على شريكك المثالي خلال 30 يوماً". ومع ذلك، تكتشف بريجيت قرب نهاية اليوميات، بعدما افترقت هي ومارك ثم عادا فاجتمعا، مجموعة من الكتب بجوار سريره تحمل عناوين مثل "كيف تستعيد المرأة التي تحبها"، و"ما تريده النساء" و"كيف تحب وتخسر ولكن تحافظ على احترام الذات" و"مارس وفينوس في موعد لقاء". وفي أعقاب نشر أحدث أجزاء من اليوميات، يعزز بريجيت وأدريان مكانتهما باطراد. فقد أصبح لدى أدريان مول الآن عمود في ملحق السبت الأدبي في صحيفة "غارديان"، عنوانه "اليوميات السرية لرجل من مدينة صغيرة - أدريان مول الذي له من العمر 32 سنة وثلاثة أرباع السنة". وهو يسجل في دفتر يومياته وقائع حياته بعد احتراق منزله على يد إليانور فلود. غادرت هيلين فيلدينغ بريطانيا أخيراً لتعيش في لوس انجلوس حيث سينتج فيلم مستوحى من يوميات بريجيت جونز. وصدرت احتجاجات وسط النساء البريطانيات عندما أُعلن، بعد بحث استمر 18 شهراً للعثور على ممثلة، أن دور بريجيت جونز لم يعط لممثلة بريطانية بل أُعطي لريني زلويغر من تكساس، وهي ممثلة طويلة القامة وشقراء يبلغ عمرها 29 عاماً، أي أنها أصغر سناً بضع سنوات من بريجيت حسب اليوميات. وليس من المستبعد أن يؤدي كولن فيرث، الممثل المفضل لدى بريجيت، دور مارك دارسي. * كاتبة بريطانية.