ثمة قلق حقيقي ومشروع في الأوساط السياسية العربية من أن يكون الاستهداف الأميركي للعراق خطوة أولى نحو استهداف دول أخرى في المنطقة، مع احتمال توجه واشنطن الى اطاحة أنظمة حاكمة، أو احداث تغييرات جذرية فيها، في مرحلة ما بعد السيطرة على العراق. إلا ان الحكومات العربية القلقة، التي تحذر من ان اميركا تسعى الى السيطرة على منابع النفط في المنطقة، لا تنكر في الوقت ذاته انها مستعدة للتعاون مع واشنطن لضمان مصالحها الاقليمية الحيوية، من دون الحاجة الى حرب أو تغيير أنظمة. فلماذا تصر الادارة الاميركية اذاً على اقامة "شرق أوسط جديد"؟ من الواضح ان السيطرة على الثروة النفطية ليست بحاجة الى الذهاب أبعد من اطاحة النظام العراقي، والضغط على دول المنطقة لتقوم بدورها في احتواء القوى المناوئة للمصالح الأميركية. وفي هذا السياق، يبدو الحديث عن احداث تغييرات في أنظمة الحكم في المنطقة غير منطقي، وربما يؤدي الى تعقيد مهمة واشنطن في الحصول على أكبر قدر من التعاون لتحقيق هدفها الاستراتيجي الأول، وهو النفط. وربما تكون واشنطن استدركت عندما قررت ارجاء، وربما الغاء، الخطاب الذي كان من المقرر ان يلقيه وزير الخارجية كولن باول الاسبوع الحالي، والذي كان سيعرض فيه "رؤية" اميركا لمستقبل المنطقة وخطتها لدمقرطتها. ويبدو، مجدداً، ان مسألة الديموقراطية لا بد أن تؤجل الى ما بعد فرض اميركا سيطرتها على العراق ونفطه، ومن ثم دفع دول المنطقة الى لعب دور أساسي في دعم تسوية سلمية مع اسرائيل تزيل أحد أهم أسباب العداء العربي لأميركا. إذ ان أية ديموقراطية عربية، من دون تسوية سلمية مقبولة للصراع مع اسرائيل، ستفضي الى مزيد من العداء للخطط الأميركية، وتحول دون تحقيق الأهداف الاستراتيجية من اطاحة النظام الحاكم في بغداد. لهذا، فالأرجح هو أن الضغط على الدول العربية، في مرحلة ما بعد التغيير في العراق، سيتركز على اقناع تلك الدول بدعم تسوية مع اسرائيل وفق الخطوط العريضة للمبادرة السعودية، والتي تتلخص بإبرام معاهدات سلام عربية مع اسرائيل، تشارك فيها بغداد، في مقابل انسحاب اسرائيل من الأراضي العربية المحتلة، واقامة دولة فلسطينية بحلول العام 2005. ويفترض هذا السيناريو ان تسير الخطط الأميركية على ما يرام، الأمر الذي لا يستطيع أحد أن يضمنه. إلا أن نتائج الفشل الأميركي في دفع هذه الأجندة الاقليمية، قد تكون اسوأ بكثير من النجاح. فهل يمكن تخيل نتائج انهيار الحملة الأميركية ضد النظام العراقي؟ تبدو دول المنطقة اليوم في وضع شبيه لوضع الدول الأوروبية عشية حرب كوسوفو، مع فارق اننا لسنا في أوروبا!