تنشر الصحف والمجلات الغربية تقارير خاصة عن "مستقبل" العالم العربي في مرحلة ما بعد اطاحة النظام العراقي واقامة نظام متحالف مع اميركا. ويرسم المحللون سيناريوات عدة لطبيعة النظام العراقي الجديد الذي سيلعب دوراً في صوغ النظام الاقليمي، بدعم من واشنطن، لجهة تحقيق أهداف استراتيجية ليس أقلها أهمية فرض سيطرة شبه كاملة على احدى أهم المناطق الحيوية في العالم. ويرجح المحللون ان تنشأ في العراق فيديرالية تديرها حكومة مركزية في بغداد تسيطر على شؤون النفط والدفاع والسياسة الخارجية، فيما تسمح بإقامة حكومات محلية في الشمال والجنوب مع مجالس تمثيلية منتخبة تتمتع بدرجة من الاستقلال. غير ان ذلك لا يعني أن احداً يتوقع، أقله في المرحلة الانتقالية التي قد تمتد سنوات، اقامة نظام ديموقراطي على نسق الديموقراطيات الغربية. ويشير تقرير في مجلة "نيوزويك" نشر هذا الاسبوع الى ان واشنطن لن تجتاح العراق في حال سقوط النظام العراقي من تلقاء نفسه، اي عبر تحرك داخلي. ويشدد كاتب التقرير على ان ذلك يعد مؤشراً قوياً الى ان التحول الديموقراطي في العراق ليس بالضرورة من أهداف الحملة العسكرية الاميركية. لكن ذلك لا يعني أن واشنطن لا تريد تغييراً جذرياً في التركيبة الجيوسياسية في المنطقة. فمن وجهة نظر التيار المسيطر على الادارة الاميركية في هذه المرحلة، لا بد من اجراء تحولات تؤدي في نهاية المطاف الى تعاون دول المنطقة مع الغرب، خصوصاً اميركا، لوضع حد للعوامل التي تدفع الى التطرف السياسي بغض النظر عن دوافعه، دينية كانت أم علمانية. ويرى منظرو الإدارة الاميركية ان من أهم اسباب التطرف في المنطقة هو غياب الديموقراطية وقمع الحريات، معطوفاً على قناعة شعوب المنطقة بأن اميركا والغرب عموماً، يدعمان الأنظمة الديكتاتورية القائمة. وتسعى ادارة بوش في هذا السياق، الى اقناع الشعوب العربية والاسلامية بأنها قررت التخلي عن سياساتها السابقة، وكذلك عن الأنظمة القمعية التي كانت تدعمها في السابق، مستشهدة بخططها للعراق وفلسطين. الحال هي ان قلة من أهل المنطقة تصدق واشنطن أو تطمئن الى نياتها، خصوصاً في ضوء استمرار دعمها للسياسات الاسرائيلية الفاشية في فلسطين. ولعل العقدة الفلسطينية، ستظل، بعد التغيير في العراق، أكبر عامل يحد من قدرة أميركا على اعادة فرض نفوذها في المنطقة. وهكذا يتواصل التحالف ما بين التطرف الاسرائيلي المدعوم اميركياً، والتطرف العربي بشقيه الديني والعلماني، والذي تسعى اميركا للقضاء عليه، للحؤول دون تنفيذ الأجندة الاميركية على المستوى الاقليمي. الدرس الأهم الذي لم تعترف به واشنطن اثر احداث ايلول سبتمبر حتى الآن، هو ان الإجابة عن سؤال "لماذا يكرهوننا" تكمن في دعم اميركا دولة مارقة احتلت أراضي شعب تسعى الى سحقه، ودعمها أنظمة ديكتاتورية تسحق شعوبها في الوقت ذاته. ليس هناك عربي يكره اميركا لأسباب ايديولوجية.