في مثل هذه الأيام قبل ثماني سنوات، كانت الولاياتالمتحدة وحلفاؤها على أهبة الاستعداد لبدء الحرب على العراق واحتلاله، أو كما يحلو للإدارة الأميركية تسميتها «عملية تحرير العراق». فبعد إنتاج عمليات 11 من سبتمبر وتنفيذها، بدأت الإدارة الأميركية تتصرّف كالرجل الذي ضُرب ويريد أن ينتقم من الجميع، فشمّر العم سام عن ساعديه، وزوّر وثائق تشمل أدلّة مزعومة عن امتلاك العراق أسلحة الدمار الشامل - مع التذكير بأن أميركا ثاني أكبر دولة تمتلك أسلحة الدمار الشامل - وأكمل مشواره في التحريض الإعلامي على العراق ليبرّر حملة بوش «الصليبية»، وزعم أن ثمة صلة كانت بين الرئيس العراقي الراحل صدام حسين وأسامة بن لادن. بعد فترة قصيرة جدًا من بدء الحرب على العراق، انكشفت الأكاذيب الأميركية على ألسنة القادة الأميركيين أنفسهم، وبدأت تتضح غايات الغزو الأميركي للعراق، وعلى رأسها سرقة أكبر مخزون نفط في العالم، ومن ضمنها إسقاط بلد عربي إسلامي قوي لا ينبطح لأميركا وإسرائيل، فيه عاصمة كانت لفترات طويلة عاصمة الحضارة الإسلامية العربية، حتى خلال العصر الإسلامي الذهبي في الأندلس، بغداد. بدأت عملية «التحرير»، وبدأ القصف العنيف للعاصمة العراقية العريقة، وبدأ «الدمار الشامل» يمارس بحق أهل العراق؛ الإحصاءات الحديثة تتحدث عمّا يزيد عن مليون ونصف المليون قتيل، وملايين الجرحى واللاجئين. والذين بقوا على قيد الحياة يفتقدون أبسط مقوّماتها، من المياه والكهرباء. ناهيك عن الأمراض المزمنة التي يعاني منها نسبة غير قليلة من مواليد العراق، إلى جانب التشوّهات نتيجة استخدام الاحتلال أسلحة يورانيومية وكيماوية. إلى جانب عملية «التحرير»، كان لا بدّ من عملية «دَمقرطة» للعراق؛ فجيء بأعداء النظام السابق على ظهور دبابات المحتل، وبدأت عملية «دَمقرطة العراق» من خلال هؤلاء، الذين أظهروا بعمالتهم للمحتل ودفاعهم عن جرائمه، بل بقيادة بعضهم «فرق الموت» التي ذبحت مئات آلاف العراقيين إلى جانب شركة «بلاك ووتر» وأخواتها، أنهم أسوأ بأضعاف مضاعفة من النظام السابق، الذي لم يكن نظامًا ورديًا وكان مستبدًّا بلا شك، ولكنه على الأقل أعطى العراقيين حقوقهم الأساسية وشهد العراق في عهده تطورًا علميًا وتكنولوجيًا افتقدته غالبية الدول العربية، ولم يحلم به عراق ما بعد الاحتلال الأميركي - الغربي. عملية «الدَمقرطة» الأمريكية تلك ظهرت من خلال الانتخابات الشكلية التي تمّت في العراق بعد الغزو، وبدأت عملية الترويج لما خطّط له المحتلون قبل احتلال العراق، وهو مشروع تقسيم العراق إلى ثلاث دول، سنية وشيعية وكردية. لذا ولغيره، يثور العراق اليوم على بقايا الاحتلال وعملائه، كما يثور العرب والمسلمون في الأراضي العربية الإسلامية، وقد رأينا كيف تتعامل ديموقراطية أميركا في العراق مع المتظاهرين، وتقتل وتجرح وتعتقل المئات، وتمنع الصحافيين من تغطية الثورة، في الوقت نفسه الذي يبدي فيه الأميركيون والغربيون عموماً دعمهم وتأييدهم للمتظاهرين في بلدان أخرى. خلاصة الكلام، هي أن الديموقراطية الأميركية - الغربية تحطّمت على أسوار بغداد وغرقت في نهري دِجلة والفرات، وعلى نموذجي «الدَمقرطة» و «التحرير» الأميركيّين-الغربيّين في العراق أن يظلاّ في أذهان كل الثوّار العرب والمسلمين. وإن زيارة أي مسؤول غربي يداه ملطّختان بدماء العراقيين، لبلد عربي إسلامي ثائر، تشكّل تدنيسًا وتنجيسًا للثورة، وتشويهاً لسمعة البلد. وحتى تتحوّل العلاقات الإسلامية - العربية - الغربية علاقات طبيعية ولا تطبيعية، على الغرب أن يرفع أيديه عن الشعوب الثائرة، ويدعها تقوم بمشروعها بحرّية من دون أي تدخّل أو وصاية أو فرض بالقوّة. فالديموقراطية تعني «حكم الشعب» بلسان عربي مبين، وبما أنّ شعوبنا ليست مثل شعوبهم، ومفاهيمنا للحريّة والعدالة ليست مثل مفاهيمهم، «حكمنا الشعبي» ليس مثل ديموقراطيتهم.