للحصان مكانة مميزة في تاريخ الحضارة العربية والإسلامية وامتداد في الحضارة الغربية، اختار معهد العالم العربي في باريس ابرازهما عبر أول معرض من نوعه يقام في الغرب، عنوانه "الفروسية العربية في فنون الشرق والغرب"، ويستمر حتى 30 آذار مارس المقبل. فللفروسية تقاليد راسخة ومتنوعة خصصت لها كتب عدة، تتضمن قواعد ينبغي على الفرسان اتباعها في المناسبات المختلفة، ومنها العروض والصيد والحروب. ويشير اتقان هذه القواعد في الممارسة الى مكانة عالية للفارس، كما يشكل رمزاً لرقيه بمقدار سيطرته على مطيته. ويظهر المعرض عبر قطع اثرية رائعة جمعت من أهم المتاحف العالمية، تداخل تقاليد مختلفة أدت الى بلورة مفهوم "الفروسية" بعلم الخيل ومعداته وفنون ركوبه. كما يقدم عرضاً تاريخياً لهذه التقاليد العائدة الى ما قبل الاسلام من خلال نقوش آشورية ولجامات برونزية تركية تعود الى القرن السابع قبل الميلاد. ويلقي المعرض الضوء على ارث متعدد ولد مع هذه التقاليد، وجذوره تركية ومغولية وبدوية، عبر قطع من شبه الجزيرة العربية وأخرى من العصر البيزنطي مع جداريات من آسيا الصغرى وغيرها. كما يضم العديد من القطع المتعلقة بالحصان وزينته من سروج وأردية وصولاً الى الحلي، ومعدات استخدمها الفرسان بعد ظهور الاسلام من خوذ وسيوف ورماح. فكبار الرجال في التاريخ العربي سواء كانوا امراء أم شعراء هم قبل كل شيء فرسان، والقاهرة في عهد السلطان المملوكي الناصر محمد، كانت تضم حوالى 800 ملعب خيل تنظم فيها سباقات الفروسية بمشاركة السلطان نفسه الذي انشأ ادارة مختصة بتسجيل نَسَب كل حصان يولد وكل حصان جديد ينضم الى أحصنته. ويعبر المعرض عن مدى انبهار الغرب بالحصان العربي وبالتقاليد العربية الاسلامية المرتبطة به. ويقال ان مهارة العرب في الفروسية ولّدت ما يمكن وصفه بالصدمة الثقافية خلال الحروب الصليبية. فخلال تلك الحروب انبهر الصليبيون بالمهارة الفائقة التي أبداها الفرسان العرب في مواجهتهم. وهذه الصدمة جعلت الأمراء الصليبيين يتعلقون بخيول الشرق، الصغيرة الحجم والأنيقة المظهر، وعاد العديد منهم بنماذج منها الى أوروبا. لكن التعلق الغربي بالحصان العربي بلغ أوجه بعد معركة الأهرام التي خاضها الامبراطور نابوليون بونابرت ضد الجيش المملوكي الذي كان يمتطي أحصنة فخمة السروج. وفي المعرض سراج لحصان مملوكي أهداه جنود نابوليون اليه بعد المعركة، اذ قرر ألا يركب الا الأحصنة العربية، فأرسل أعداداً منها الى فرنسا مما أدى الى ارتفاع نسبة الدماء العربية في الاسطبلات الفرنسية. ولم تقتصر آثار الانبهار الغربي بالحصان العربي وبالتقاليد المرتبطة به، بل ظهرت ايضاً عبر أعمال كبار الرسامين والنحاتين من أمثال غوستاف مورو وتيودور جيريكو واوجين لاكروا.