يخيم ظل بابلو بيكاسو 1881 - 1973 على تاريخ الفن المعاصر. كل عام تظهر عنه كتب جديدة، تثير معارضه الاستعادية الاهتمام، وتكشف ملامح غير معروفة من سيرته وحياته الإبداعية. المعرض الاسباني الذي افتتح أخيراً يؤرخ باللوحة والقصيدة لعلاقة الصداقة التي جمعت بيكاسو بمواطنه الشاعر رفائيل ألبرتي. قبل شهور افتتح معرض آخر يؤرخ للصداقة اللدودة بين بيكاسو وفنان آخر صاحب ظل عملاق هو هنري ماتيس 1869 - 1954. علاقة بيكاسو بألبرتي تختلف عن علاقة بيكاسو بماتيس. اعتبر بيكاسو ماتيس أباً روحياً ثم تمرد على أبوته. ألبرتي لم يشكل يوماً "تهديداً" منافساً لبيكاسو. كان رفائيل ألبرتي شخصية جذابة الى حد الغواية. كما كان نرجسياً الى حد بعيد. عندما طلب من صديقه بابلو بيكاسو، الذي كان يعشق اعماله، ان يصوره في بورتريه لم يتأخر بيكاسو عن تلبية طلبه. لكنه لباه لذلك الخبث الذي كان يميز شخصيته. بدلاً من ان يبدع عملاً يرضي نرجسية ألبرتي، رسم مجموعة من اربع لوحات، أقرب الى الكاريكاتور منها الى أعمال بيكاسو المعروفة. هذه اللوحات المؤرخة في السابع من ايار مايو 1970، يبدو وكأنها رسمت بعبث مقصود. لكي لا يعتقد احد انها "أعمال عظيمة". في الخلفية يوجد الإهداء لصديقه القادشي الذي يصفه بأنه افضل شاعر في عصره. كانت هذه اللوحات التي لم تعرض من قبل اعترافاً بالصداقة وأيضاً دعابة قاسية مع نرجسية ألبرتي... مئوية البرتي مع اقتراب موعد احياء الذكرى المئوية لميلاد رفائيل ألبرتي 16/12/1902 نظم معهد الفن الحديث في فالنسيا معرضاً في عنوان "بيكاسو - ألبرتي: المحاورة الأخيرة". يضم المعرض هذه اللوحات الأربع و11 لوحة زيتية لبيكاسو الى جانب القصائد التي ألهمته من شعر ألبرتي. اضافة الى ما يقرب من ستين صورة فوتوغرافية تجمع بين الفنانين الإسبانيين خصوصاً في الفترة التي شهدت اقوى مراحل صداقتهما، في الستينات والسبعينات. في تلك الفترة كانا ينظمان معاً "محاورات موجيه" في فرنسا ويتشاوران حول ابداعاتهما ويتبادلان إهداء الأعمال. كلاهما شيوعي، مؤمن بالجمهورية، اندلسي، وأيضاً جمعهما المنفى. عندما التقى رفائيل ألبرتي وبابلو بيكاسو للمرة الأولى عام 1933 في مسرح الأتيليه في باريس، لم تنقطع علاقتهما إلا برحيل الثاني. وكما يقول منسق المعرض، المصور الأرجنتيني "روبرتو اوتيرو" الذي حظي بحضور معظم المحاورات وسجلها بعدسته، في تصريحاته لجريدة البايس الإسبانية: "الصداقة التي جمعتهما استمرت طوال الحياة، ما جعل كل منهما يثق في الرأي النقدي للآخر حول عمله". لكن، مثل اي علاقة انسانية كانت هناك لحظات من التوتر وسوء الفهم. يقول "أوتيرو" الذي ألّف كتباً عدة حول بيكاسو انه حدث سوء تفاهم ما زال يثير البعض للحديث عن انقطاع في العلاقة او تباعد بين بيكاسو وألبرتي. حيث لم يكن الرسام في سنواته الأخيرة يستقبل ألبرتي بالحماسة والترحاب اللذين كان يبديهما عندما كان الأخير يسافر من روما الى جنوبفرنسا لزيارة صديقه. يقول أوتيرو: "كلنا كنا نراه قليلاً. اضافة الى عمره المتقدم فقد عرفنا الآن من خلال الكتاب الذي اصدره طبيب بيكاسو انه كان يعاني سرطاناً في المعدة. شعر ألبرتي بالغضب لعدم قدرته على رؤية صديقه، ووصل غضبه لدرجة انه كتب نصين يشكو فيهما، لكن لم يكن هناك اي نوع من التباعد. نصوص مكبرة وتظهر في المعرض نصوص ألبرتي مكبّرة لكي لا تطغى عليها اللوحات كما يحدث عادة في مثل هذه المعارض. في احد الأقسام تتم إعادة تقديم المعرضين الأخيرين لبيكاسو 1970 و1973 وكلاهما اعتمد بتقديم كتبه ألبرتي بطلب من الرسام. معظم اللوحات التي عرضت في هذين المعرضين يعاد تقديمها في هذا المعرض. وتمت استعارة بعض الأعمال من متحف بيكاسو في باريس وبعضها من مقتنيات خاصة لأشخاص ومن مكتبات متخصصة في الرسم.