تتعدد صور الزوجة اللبنانية، فهي تارة طفلة تمتنع عن هجر المنزل الزوجي بسبب خوفها "من كلاب باحة المنزل هذا"، وتارة أخرى تطلب الطلاق لأن زوجها يستشير أمه في الشاردة والواردة. في العقود الثلاثة الفائتة ارتفع متوسط العمر لدى الزواج الأول في لبنان. فبلغ 5،27 سنة بعد ان كان 7،23 سنة عام 1970 بيانات مسح المعطيات الاحصائية للسكان والمساكن، وزارة الشؤون الاجتماعية، 1996، ومسح القوى العاملة في لبنان للعام 1970، مديرية الاحصاء المركزي. ولا يشمل المتوسط المذكور هذا كل شرائح المتزوجين. فعلى سبيل المثال: تمّ عقد قران شيرين ومنى ولمى عندما كنّ في السادسة عشرة من العمر. وهن بذلك ينتمين الى 6،2 في المئة من النساء اللبنانيات المتزوجات في الفئة العمرية 15-19. شيرين في السادسة والعشرين من عمرها وهي اليوم مطلقة وأم لطفلين يبلغان على التوالي تسعة أعوام وثمانية اعوام. ولقد دام زواجها ستة أعوام تركت في أثنائها البيت الزوجي لمدة عامين بسبب كثرة الشجار وتوتر زوجها من كثرة الديون التي ترتبت على شراء بيت الزوجية. وفي اثناء السنتين التي هجرت فيهما البيت الزوجي دخلت شيرين في علاقة مع صديق لها. وشكل الصديق هذا سنداً لها عندما قررت حضور محاضرات في المحاسبة واللغة الانكليزية، إذ أنه أعانها في دفع تكاليف هذه الدروس التي تخولها ايجاد عمل. الى جانب المنبت البيروتي والمنشأ تشترك شيرين ومنى بالصدور عن والدين أميين. وتقول منى ان أمها تعتبر الفتاة عانساً ما لم تتزوج في الخامسة عشرة من عمرها. اما والدي لمى فقد تابع كل منهما تعليماً جامعياً. عارضت والدة لمى بشدة فكرة ارتباط إبنتها في سن مبكر، بشاب من محافظة الجنوب سبق له ان حمل السلاح ايام القتال. فنقلت ابنتها من المدرسة القريبة من منزل الشاب الى مدرسة في منطقة اخرى، كذلك منعتها من الخروج بمفردها، وصادرت منها مفتاح منزل الأسرة بعد ان تخوفت الأم من دعوة ابنتها حبيبها الى البيت في غيابها. لم تثمر كل محاولات المنع التي أقدمت عليها الأم فرضخت ووافقت على هذا الزواج على مضض وذلك للحؤول دون تدخل أشقاء زوجها المتوفى في شؤون بناتها الثلاث المتبقيات. وفي حين ظهر حمل شيرين ولمى في الشهر الذي أعقب زواج كل منهما، لم تحمل منى "لحسن الحظ" على ما تقول. فهذه الاخيرة خالعت زوجها قبل مرور عام على زواجها وبعد ان تبين لها انه يعاشر غيرها من "النساء المشبوهات". والزوج المخلوع هذا والذي يكبر منى بست سنوات كان إبن الجيران. ولكن تجاور السكن هذا لم يؤد الى معرفة بينهما. إذ ان والدها كان يرفض ان تجالس منى أخاها فكيف بإبن الجيران. تجد شيرين صعوبة في تذكر تفاصيل سنة زواجها الأولى بعد مرور عشر سنوات عليها. ويضحك هذه الاخيرة عدم معرفتها بعمل زوجها ونوع دراسته وسنّه يوم قبلت الزواج به. فهو تقدم لخطبتها بعد ان شاهدتها أخته في كشافة المدرسة، ويوم زار أسرتها في المنزل مع والدته سخرت وشقيقتها من قبحه وطريقة لبسه. وهي اليوم نسيت ما دفعها الى الارتباط به، لكنها ترجح ان حبها للسفر أو "تجريب ركوب الطائرة" هو الذي حثها على الارتباط هذا. بعد حفلة الزفاف نزلت شيرين وزوجها الذي يكبرها بسبعة أعوام في "الأوتيل" لمدة أربعة ايام وسافرت بصحبته الى لندن حيث عمله ودراسته. في لندن كانت شيرين تبكي يومياً وتطالب زوجها بالعودة الى البيت. وتقول شيرين: "كنا نتشاجر كثيراً لأنني لم أكن على معرفة به، وهو لم يكن يعرف كيف يعامل زوجته الطفلة والحامل ... وبعد مضي اشهر على زواجي قررت ان أترك البيت ولكنني بقيت واقفة على الدرج لأنني خفت من الكلاب الموجودة في باحة المنزل. وعلى رغم كل مشاكلنا لم أرغب في الطلاق خوفاً من كلام الناس من جهة ولعدم قدرتي على الانفاق على ابنتي وعلى نفسي فأنا لم أنهِ مرحلة التعليم الثانوي". أما لمى فحاولت العمل حاضنة للأطفال بعد مرور أشهر على زواجها ولكن عوارض الوحام "القاسية" سرعان ما ظهرت عليها فتركت العمل نهائياً. بدأت مشكلات لمى الزوجية في الظهور يوم ترك زوج هذه الاخيرة، والذي يكبرها بأربع سنوات، عمله كي ينتظر وصول "فيزا" الهجرة من الولاياتالمتحدة. لم أعد أرغب بمزيد من الاولاد فإبنتي قد شارفت دخول المدرسة ونحن لا نملك المصاريف اللازمة لدراستها ... أمي تساعدني في شراء الملابس لي ولابنتي وفي بعض الاحيان تساعدني بابتياع الحليب والحفاضات ... حالياً لا استعمل وسيلة لمنع الحمل فزوجي لا يخالطني في المساء". تبلغ ناديا وسامية اليوم الأربعين سنة. وقد مضى على زواج كل منهما عقدين من الزمن. تعرفت ناديا إبنة التسعة عشر ربيعاً على زوجها عند ارتيادها نادي القرية الشوف - لبنان، أعجبها الشاب الذي تقدم لخطبتها فهو كان قد أنهى دراسة جامعية ويعمل في مصرف ويكبرها بتسع سنوات. ولكن ما دفعها الى القبول لم يكن الحب بل رغبتها في البقاء في قريتها عند زواجها كي تقوم برعاية والدها وشقيقاتها اللواتي يصغرنها بأعوام قليلة. فهي أرادت ألا تشعر شقيقاتها بالوحدة بعد وفاة والدتها وزواج والدها من أخرى. بعد مرور ثلاثة أشهر على زواجها استغنت ناديا عن وسائل منع الحمل بعد تأنيب قريباتها المسنات لها على مجازفتها بفقدان خصوبتها. فحملت لمرتين على التوالي، ورزقت بطفلين. وكانت تفعل كل شيء لتحصل على تقدير زوجها لها، من زيارات عائلية واستقبال لأشقائه وزوجاتهم على مائدتها والاعتناء بصحة الولدين ودراستهما. ولكن زوجها كان يعتبر ان كل ما تقوم به يشكل واجبات كل زوجة. "لم يكن يعتبر أنني شخص له كيانه ... كانت مشاكلنا منذ زواجنا تقوم على مخالفتي له بالرأي والذوق، وجدت صعوبة في التأقلم مع الحياة الزوجية فأنا كنت أخجل من جسمي وأخفي رغباته ... بعد عشر سنوات من الزواج تخلصت من خجلي وأصبحت أبادر زوجي بممارسة الجنس، ودخلت الى الجامعة بعد انتهاء أولادي من مرحلة الدراسة الابتدائية. لم يقبل زوجي دخولي الجامعة إلا بعد ان اشترط عليّ عدم التقصير بواجباتي العائلية. تشاجرت معه كثيراً قبل ان أنتزع منه قبوله هذا. أحاول اليوم وأنا في الاربعين من العمر ان أحقق استقلالي بواسطة العمل لأنني لا أريد ان أكون عالة على أولادي". وعلى خلاف ناديا فإن دافع سامية الى الزواج كان الحب. فهي التقت شريك حياتها في منزل زوجين من الاصدقاء. وبعد زواجها اكتشفت ان سامي الزوج يستشير أمه في الشاردة والواردة، "فإن أردت ان اشتري طاولة رافقتني أمه وأخته، وكأن لا أهمية لرأيي. كان زوجي في الثانية والعشرين من العمر عندما استقرينا ولم يكن مستعداً لتحمل المسؤولية. فكان لا يرافقني عند عودتي من الجامعة في السادسة مساء، وذلك على رغم عدم خلو الطريق بين بيروت والجبل من الخاطر في ايام الحرب". لا ينحصر المسلك الطفولي بالفتيات المبكرات في الزواج. فزوج سامية الذي تفصله سبع سنوات من متوسط سن زواج الذكور بلغ المتوسط الآنف الذكر 29 سنة عام 1970 لا يملك أمر تصريف شؤونه. فإن ظهرت على سامية عوارض إجهاض لم يحرك ساكناً لأن والدته طمأنته بأن الدم هو من بقايا بكارة الزواج. كادت سامية ان تفقد حياتها لو لم ينقلها الجيران الى المستشفى بعدما سمعوا صراخها. وهذه الحادثة هي التي جعلت سامية تحزم قرارها بطلب الخلع من زوجها بعد ثلاثة اشهر من الزواج. دام الخلع هذا عشر سنوات تخللها زواج سامية بآخر. ولكن هذه الاخيرة، وبعد حصولها على الطلاق، ما لبثت ان عادت للزواج من عريسها الاول وأنجبت له ولدين. واليوم تكاد حياة هذين الزوجين تخلو من المشكلات بعد ان "فُصلت" الحماة من منصبها كمستشارة رسمية لابنها. إن تأجيل الزواج قد يكون من العوامل التي تسمح للشابة التعرف أكثر على الشاب الذي اختاره قلبها شريكاً مستقبلياً لها. فنجوى، وهي مهندسة معمارية نزحت مع اسرتها الى بيروت من الجنوب بعدما أنهت دراستها الثانوية، تزوجت في التاسعة والعشرين من العمر، بعد ان مضى على معرفتها بزميلها في الجامعة ثلاثة اعوام. وفي السنوات السابقة لعقد قرانها رافقت نجوى عامر زوجها المستقبلي الى السينما وجالسته في المقاهي وتعرفت على والديه البيروتيين. وتنسب نجوى غياب المشكلات بينها وبين زوجها الى الإلفة بينهما والى مساعدته لها في الشؤون المنزلية وفي الاهتمام بالطفلة التي كانت ثمرة سنة زواجهما الأولى من جهة، والى إنشغالها في العمل. فهي تقول: "العمل يطرد الملل من حياتي ويشكل الوقت الذي أفتقد فيه زوجي. عند العودة من العمل أكون وزوجي في حاجة الى الكلام والى الفضفضة عما يتعبنا". في كثير من الحالات يصعب على المرء تلمس أثر الدراسة الجامعية والعمل. في حياة الفتاة التي أجلت الظروف زواجها الى حين بلوغها التاسعة والعشرين. فطبيبة الاسنان لبنى أجازت لأمها التدخل في حياتها الشخصية. فعندما لم يظهر الحمل عليها بعد أشهر قليلة من الزواج بدأت الأم تصرخ بالزوج وتتهمه بالعجز الجنسي وتطالبه بتطليق إبنتها لأنه ليس رجلاً مثلما أفهمتها الشيخة. وعندما علمت بمواجهة ابنتها مشكلات في الرحم منعت لبنى من اللجوء الى طبيب مسيحي وحثتها على الذهاب للعلاج عند قابلة قانونية. ولو لم ينصح الاصدقاء لبنى وزوجها الذي يكبرها بسنتين بالتريث وعدم السماح لوالدتها بالتدخل لكان الطلاق بعد شهر واحد من الزواج نصيب كل منهما.