كتب ادوارد سعيد، أستاذ الانكليزية والأدب المقارن في جامعة كولومبيا "الحياة" في 14 و15 تشرين الأول أكتوبر مقالاً بعنوان "اسرائيل، العراقوالولاياتالمتحدة". ذكرني أسلوب المقال بمقالات الكتاب الذين يغلب على كتاباتهم الهجاء الايديولوجي، وتفتقر التحليل المنطقي المستند الى حقائق الواقع. ويتبنى المقال "نظرية المؤامرة" وهي تفترض ان الغرب مشغول بتدبير المؤامرات ضد العرب والمسلمين: وكأن العالم يسكنه هذان الطرفان وحدهما. والمؤامرة تتطلب السرية في حبك خيوطها. ونفوذ الإعلام يجعل من الصعب على أي دولة أو منظمة أن تقوم بعمل أو خطوة ما من غير افتضاح أمرها، ونشر تفاصيلها. وهذه النظرية تفترض بالطرف المتآمر عليه الغفلة التامة، عما يجرى حوله. وهذا أمر من العسير تصديقه. وربط القضية الفلسطينية بالقضية العراقية، والنقد الموجه للمجتمع الدولي الذي يكيل بمكيالين، ومعاقبة النظام العراقي لأنه يمثل التهديد الوحيد لإسرائيل، وطمع الولاياتالمتحدة الأميركية في السيطرة على ثروة العراق النفطية التي تمثل ثاني احتياط في العالم - كل هذه المقولات روج لها الإعلام الذي يدعمه نظام صدام حسين. ان القول إن النظام العراقي يشكل خطراً على اسرائيل كذبة كبرى. فالنظام العراقي أضر بالقضية الفلسطينية أكثر مما أفادها، وكانت علاقة النظام بالمنظمات الفلسطينية علاقة انتهازية تخريبية، لعبت دوراً في انشقاق كثير من التنظيمات، وتصفية كثير من القيادات الفلسطينية، وكان السبب الحقيقي وراء الحرب على ايران اجهاض الثورة الإسلامية، ومنع امتداد تأثيرها الى خارج حدود ايران. وهذه الثورة، لمن لا يتذكر، طردت السفير الاسرائيلي، وحولت السفارة الاسرائيلية في طهران الى سفارة لمنظمة التحرير الفلسطينية. والنظام العراقي الذي دمرت اسرائيل، سنة 1981، مفاعله النووي تموز، لم يوجه اسلحته نحو اسرائيل الا سنة 1991، في حرب الخليج الثانية. وكانت لعبة اراد بها تمزيق التحالف الدولي، وجر اسرائيل الى الحرب، وخلط الأوراق. وهذه الحرب أضرت بالقضية الفلسطينية، بسبب شقها الصف العربي، وسحب الدعم المادي لمنظمة التحرير الفلسطينية، وطرد آلاف الفلسطينيين. والدعم المادي الذي يقدمه النظام لعوائل "الانتحاريين" 25 ألف دولار، ويقتطع من أفواه العراقيين الجياع، يضر بقضية الشعب الفلسطيني. ويشتري النظام العراقي بها وقوداً يلقيه في نار الانتفاضة، ونار القمع الاسرائيلي، عرقلة للضربة الأميركية، ليس إلا. أما كون النظام البعثي، نظاماً علمانياً، وانه لا يمكن ان يوفر الملاذ والتدريب لتنظيم "القاعدة"، الثيوقراطي المتطرف، فكلام تنقصه الدقة، ومعرفة النظام العراقي. فحزب البعث الحاكم تحول الى عصابة تستند الى علاقة الدم. وأخذت هذه الصيغة، بمرور الوقت، تتركز، وتضيق الحلقة التي يثق فيها الديكتاتور. وصدام كف عن ترديد شعار الحزب في بداية خطاباته وختمها بعبارة "وتحقيق أهداف أمتنا بالوحدة والحرية الاشتراكية". فحول صدام حسين الحزب الى جهاز قمعي، الى الأجهزة القمعية الكثيرة. أما ان صدام لا يملك الوسائل التي تجعله خطراً على جيرانه، وعلى الولايات لمتحدة، فهذا يتناقض مع القول ان أحد سببي الضربة الأميركية القادمة للعراق هو كونه يشكل خطراً على اسرائيل. وأما طمع الولاياتالمتحدة الأميركية بنفط العراق، الذي يمثل ثاني أكبر احتياط في العالم فهو سبب غير دقيق. فصدام حسين قال للقائم برعاية مصالح الولاياتالمتحدة الأميركية في العراق، في أثناء احتلال الكويت "لماذا تريد أميركا ان تحاربنا، إذا كان السبب هو النفط فأنا أضمن لكم بأن يصل لكم النفط العراقيوالكويتي بكل سلاسة ويسر". ونسبة كبيرة من النفط العراقي تباع الآن في الأسواق الأميركية. فصدام يعطي نفط العراق مجاناً لمن يضمن له البقاء في السلطة. والولاياتالمتحدة الأميركية هي القادر الوحيد على ذلك. ان الشعب العراقي، كما يبدو من المقال، هو الغائب الأكبر. فليست الإدارة الأميركية وحدها من يغيب الشعب العراقي، بل كل من يتكلم باسم ذلك الشعب، ونيابة عنه. وهم لا يعرفون ما يعانيه، وما يريده هذا الشعب. ان الشعب العراقي الذي يعيش منذ أكثر من 34 سنة في سجن كبير، استعمل وقوداً لنيران الحروب التي اشعلها النظام، الداخلية أو الخارجية، وضرب بالأسلحة الكيماوية، ومات خيرة مناضليه بالإذابة في الحوامض، أو بالإعدامات، أو بالقتل بالسموم، والموت تحت التعذيب أو الاخفاء النهائي، أو الافتراس من الكلاب الجائعة، والتشرد في المنافي، هذا الشعب دمرت طبقته الوسطى، وبددت ثرواته في الحروب، وعلى شراء الأسلحة والذمم. لا أعرف السبب الذي يجعل الاستاذ ادوار سعيد يعتقد أن هذه المعارضة فقدت مصداقيتها. هل هو التعاون مع الولاياتالمتحدة لاسقاط النظام؟ اعتقد ان من الحكمة السياسية ان يتعاون طرفان عندما تتوافق مصالحهما. ان مصلحة الشعب العراقي في التخلص من الحكم الديكتاتوري، واقامة نظام ديموقراطي فيديرالي. والولاياتالمتحدة الأميركية هي القادرة الوحيدة على ذلك، لأسباب موضوعية وذاتية. فالقسوة التي يستعملها النظام ضد كل من يشتبه في معارضته جعل المعارضة دخل العراق أضعف من أن تستطيع انجاز مهمة التغيير. وعندما تلتقي مصلحة الولاياتالمتحدة الأميركية، المتمثلة في ازالة النظام في بغداد، مع مصلحة الشعب العراقي، وتمثله سياسياً المعارضة العراقية، فإن هذه المعارضة سوف تفقد مصداقيتها في نظر الشعب العراقي، وتتحمل مسؤولية تاريخية كبرى إذا ترددت في استغلال مثل هذه الفرصة. المانيا - محمد البهادلي منظمة الدفاع عن حقوق الإنسان في العراق