يتوجه الناخبون البوسنيون إلى صناديق الاقتراع اليوم، لاختيار ممثلي الاعراق لكل المناصب القيادية في السلطات المركزية والكيانين: الصربي المسلم والكرواتي، للسنوات الأربع المقبلة. وتتميز هذه الانتخابات، عن مثيلاتها الثلاث التي أجريت بعد إبرام اتفاق "دايتون" للسلام أواخر 1995، بشدة المنافسة التي يشترك فيها أكثر من 50 حزبًا وائتلافًا سياسيًا، تملك اتجاهات وأهدافًا متباينة. وتوقعت استطلاعات الرأي احتفاظ القوميين الصرب الذين يقودهم "الحزب الديموقراطي الصربي" الذي لا يزال يدين بكثير من الولاء لقائده السابق خلال الحرب البوسنية رادوفان كاراجيتش، بغالبية المناصب الرئاسية والبرلمانية الخاصة بالصرب، ويكاد يكون مؤكدًا إعادة انتخاب القيادي في هذا الحزب ميركو شاروفيتش لرئاسة الجمهورية الصربية كيان صرب البوسنة. وتبدو الصورة مماثلة في القسم الكرواتي من الاتحاد الفيديرالي البوسني الكيان المسلم الكرواتي، إذ يحتل الصدارة في الاستطلاعات، حزب "الاتحاد الديموقراطي الكرواتي" الذي يمثل فرعًا لحزب عرقي بالاسم نفسه في جمهورية كرواتيا كان أسسه الرئيس الراحل فرانيو تودجمان، على رغم ضغوط المسؤولين الدوليين في البوسنة التي تعرض لها هذا الحزب بسبب رفضه بند اتفاق دايتون الخاص بمشاركة الكروات للمسلمين البوسنيين في كيان واحد. لكن الوضع مختلف في مناطق المسلمين البوسنيين، إذ تحتدم منافسة شديدة بين ثلاثة اتجاهات سياسية: الأول يتزعمه "الحزب الاشتراكي الديموقراطي" بقيادة رئيس الحكومة المركزية زلاتكو لاغومجيا الموالي للغرب ويتصدر قائمته الانتخابية رئيس حكومة كيان الاتحاد الفيديرالي علي يهمان المرشح لتمثيل المسلمين في هيئة الرئاسة البوسنية رئاسة جمهورية مشتركة من ثلاثة رؤساء مسلم وصربي وكرواتي، يتناوبون رئاسة الهيئة كل ثمانية أشهر. والاتجاه الثاني، يمثله "حزب العمل الديموقراطي الاسلامي" الذي أسسه الرئيس البوسني السابق علي عزت بيغوفيتش، ويعتبر بكر بيغوفيتش نجل الرئيس السابق أحد أبرز مرشحي الحزب في هذه الانتخابات، ويشكل الحزب تجمعًا رئيسيًا للجماعات الدينية والمحافظة وقيادات المسلمين خلال الحرب البوسنية، ويحظى بدعم شعبي واسع لكنه يتعرض لضغوط المسؤولين الدوليين واتهاماتهم المتنوعة في محاولة لمنعه من استعادة مكانته القيادية السابقة. وبين هذين الاتجاهين، يقف "الحزب من أجل البوسنة الهرسك" بزعامة رئيس الوزراء السابق حارث سيلايجيتش، الذي يبدو الأوفر حظًا للفوز بمنصب ممثل المسلمين في هيئة الرئاسة، ويمثل هذا الحزب موقعًا متميزًا في الحياة السياسية في جمهورية البوسنة الهرسك، إذ يضم في صفوفه أعضاء من الاعراق كافة في مسعى لانهاء مخلفات الحرب المأسوية والحفاظ على وحدة البلاد بحدودها وأوضاعها المتوارثة. ودعت وسائل الاعلام البوسنية الناخبين إلى المشاركة في الاقتراع بكثافة، لأهمية هذه الانتخابات "التاريخية" التي قالت صحيفة "أوسلوبوجينيا" الصادرة في ساراييفو، إنه "يتوقف على نتائجها مستقبل جمهورية البوسنة الهرسك وسيادتها". واعتبرت الصحيفة التي تعبر عادة عن مواقف معتدلة للمسلمين، أن البوسنة تمر بمشكلات متشعبة وتحديات عنيفة محلية وخارجية "لذا ستكون السنوات الأربع المقبلة، وهي فترة تفويض الفائزين في هذه الانتخابات، حاسمة بالنسبة إلى انتصار الحريصين على بقاء البوسنة حرة، أو هيمنة الذين يهدفون إلى انهيارها وتشتيت أراضيها".