انتشر ما يعرف ب"الموسيقى الغجرية" في شكل كبير خلال الأعوام الأخيرة، وبدأت تلفت الانتباه في شتى انحاء العالم، وتصدرت فرقها - وجلها من اوروبا الوسطى - قوائم الفرق المطلوبة في المسارح والصالات في عدد كبير من الدول الأوروبية الغربية تحديداً. وبعض الفرق أقامت أكثر من مئة حفلة في العالم خارج بلادها. ولم يقتصر الأمر على ذلك وحسب إذ يتجه منتجو الأفلام الى تضمين هذه الموسيقى، شأن ما فعل المخرج اليوغوسلافي اميركو ستوريكا صاحب "الأندرغراوند". وإلى ذلك يعقد النقاد مقارنة بين بداية ظهور هذه الموسيقى وبداية ذيوع موسيقى الجاز في الولاياتالمتحدة في فترة العشرينات من القرن المنصرم. مجلة "التايم" الأميركية نقلت انه في كنيسة "يونيون تشابل" في احد الأحياء اللندنية التي تؤجر قاعتها في فصل الصيف لعقد الاحتفالات الموسيقية لم يكن الجمهور الحاضر تلك الليلة غريباً بملابسه الفاخرة والباهظة الثمن. إلا ان الغريب كان الفرقة الموسيقية المعروفة باسم "قطاع الطرق" وهي فرقة رومانية فقيرة الحال "بورجوازية" الموسيقى، في معنى من المعاني. فآلاتها الموسيقية في حال رثة حزينة، ولكنها اثناء العزف لها قدرة، من خلال عازفيها، على إثارة "السميعة" ووضعهم في سفر رائع على اجنحة الموسيقى. "قطاع الطرق" بدأت تحظى بشهرة واسعة في اوروبا وفي خارجها لدرجة ان مصمم الأزياء الياباني ياماموتو استخدم بعض العاملين فيها لعرض بعض تصميماته الجديدة. وتجدر الإشارة الى ان جميع افراد هذه الفرقة، نشأوا في قرية رومانية صغيرة وكلهم ينتمون الى اسر تعمل في مجال الموسيقى "أباً عن جد". ويوضح النقاد ان قدرات العازفين الغجر "نوعية" وهي التي تثير اعجاب المستمعين. ويشير البعض الآخر الى استخدام الآلات الموسيقية التقليدية في زمن معدات الأصوات الرقمية". ويعتبر غوران بريغوفيتش اليوم من أبرز مؤلفي البلقان الموسيقيين الذين يؤلفون "الموسيقى الغجرية" على رغم انه لا ينتمي الى الغجر، فقد ألّف موسيقى فيلم "زمن الغجر" لكوستوريكا، وصدر له اخيراً كاسيت بعنوان "عقد القران والجنارة" وهذا اسم فرقته التي يتجول معها في انحاء اوروبا. والحق ان بريغوفيتش من خلال موسيقاه يعبّر عن الروح السلافية المبهمة والمعقدة. فهو المولود في سراييفو عام 1950 لأب كرواتي وأم صربية، وطنه كان مزيجاً من أعراق وأنماط مختلفة ومتنوعة، وكذلك موسيقاه التي تجمع انماط موسيقى الجذور البلقانية الغجرية وغيرها مع انفتاحه على التيارات الموسيقية المتنوعة والمؤثرات التكنولوجية والتانغو والروك مع نفحة شرقية. نذكر ان مقطوعاته الموسيقية في فيلم "اندرغراوند" اعطته شهرة عالمية وهو كان التقى كوستاريكا حين كان هذا الأخير عازفاً للباص - غيتار - في فرقة "بانك". وكانت باكورة التعاون بين بريغوفيتش وكوستاريكا موسيقى فيلم "زمن الغجر" حيث التأليف الأوركسترالي مع وجود اساسي لآلات النفخ البلقانية النحاسية. والنافل ان كوستوريكا في افلامه غالباً ما يريد للموسيقى دوراً محركاً للفيلم وشخصياته. يسأل البعض ما سر شعبية "الموسيقى الغجرية"؟ يعتقد بريغوفيتش في مقابلة مع مجلة "تايم" ان سر نجاح هذه الموسيقى "يرجع الى الشكل إضافة الى المضمون في غجر اوروبا الشرقية الذين يبدون مثل رعاة البقر بالنسبة الى أوروبا". إن الموسيقيين الغجر بريغوفيتش وسابان بزراموفيتش ربما يساهمون في الحفاظ على الخصوصية البلقانية. لكن من المفارقات انه في الوقت الذي تنتشر موسيقى الغجر في دول اوروبا الغربية، فإن وضعها في بلادها لا يزال محدوداً بسبب الظروف المادية من جانب، والاضطهاد الذي يتعرض له الغجر من جانب آخر. والسؤال الذي يطرحه البعض، هل هناك من شيء يمكن اعتباره موسيقى غجرية اصيلة حقاً؟! في كتابه "صناعة الثقافة السوداء" يقول الكاتب ليس كاشمور انه في الوقت الذي تم تحويل الثقافة السوداء الى سلعة من السلع وضعت فكرة الثقافة السوداء الأصيلة موضع شك. وهذا ما يقال عن الموسيقى الغجرية حالياً، وموسيقى بريغوفيتش خير مثال. محمد الحجيري