هذا العام، كما في كل سنة، احتفلت مدينة هامبورغ الألمانية على مدى عشرة أيام بعرض مئة فيلم، اختيرت من بين أكثر من خمسمئة فيلم تقدمت للمشاركة في المهرجان. ميزة مهرجان هامبورغ، هي المحافظة على التقليد الذي بدأ به المهرجان منذ بداياته: تكون حصة أفلام "الانتاج الضئيل"، أو ما يُطلق عليها "أفلام الأندرغراوند" حصة الأسد تقترب من الثمانين في المئة، وهي أفلام شبان وشابات يقفون خلف الكاميرا لإدارة العمل للمرة الأولى، أما الحصة المتبقية فهي من نصيب أفلام لمخرجين لهم باع طويل في السينما، رغم ذلك فإنهم لم يغادروا المجال التجريبي في السينما مثل الأميركي سبيك لي الذي اشترك هذه المرة بفيلم "فاز باللعبة"، والاسباني كارلوس ساورا الذي اشترك بفيلم "الطائر الصغير"، واليوناني تيو انغيلوبولولوس الذي اشترك بفيلم "الأبدية" و"يوم واحد"، واليوغوسلافي أميركو ستوريكا الذي اشترك بفيلم "قطة سوداء، قط أبيض". على هذا الأساس يركز المهرجان في معظم أفلامه المختارة على الموهبة التجريبية المطعمة بشيء من الدفع التجاري. ولمجرد التذكير، ان مخرجين مثل الأميركي جيم جارموش صاحب "القطار الغامض" والمخرج الاسباني بيدرو المودوفير صاحب "ما الذي صنعته لكي أنال ذلك" و""قانون الرغبة"، عرضا أول افلامهما في هامبورغ. في هذه السنة نرى في قائمة البلدان التي تشترك عادة بصورة تقليدية كل سنة ربما لصناعة السينما المتقدمة فيها، أسماء لمخرجين شباب ينتمون لعوائل المهاجرين لتلك البلدان، والذين لا تخلو أفلام بعضهم من التركيز على مشاكل الجيل الثاني والثالث من المهاجرين، وتلك الميزة تشترك فيها الأفلام المقبلة من الولاياتالمتحدة الأميركية أو فرنسا أو بريطانيا أو البلد المضيف المانيا: هذا ما نجده في فيلم "كارما لوكال" لدارشان باجات أميركي من أصل باكستاني، وفيلم "هودس" لمارك ميلونه أميركي من أصل ايطالي، وفيلم "رصاصات الرجال الصارخة" لتامارا هيرنانديس أميركية من أصل مكسيكي، وفيلم "لاني لوا" لشيروود كسويهوا أميركي من أصل صيني، أو في فيلم "لوهلة وبدون ألم" لفاتح أكين الماني من أصل تركي، وفيلم "أطفال ابريل" ليوكسيل يافوز الماني من أصل كردي، وفيلم "أنا المدير وأنت حذاء من الاسفنج" لهوسي كوتلوكان الماني من أصل تركي، وغيرهم. إنها لظاهرة تلفت النظر، ان تنتبه الأنظار بالذات هذه السنة وتكتب الصحافة ويركز التلفزيون على أفلام هؤلاء الشباب الذين لم يتجاوز عمر بعضهم الأربعة والعشرين عاماً. رغم تواضع صناعة السينما في بعض البلدان التي اشتركت أفلام منها في هذا المهرجان، مقارنة مع صناعة السينما في بلدان متقدمة مثل أميركا وفرنسا وايطاليا، إلا أن الأفلام التي رأيناها لمخرجيها الشباب لا تسمح لنا بالشك بقدرات هؤلاء الشباب وبالسينما التي سيطوروها، إذا أصبحت هذه الصناعة في متناول أيديهم. هكذا هي حال الأفلام المقبلة من البرتغال والمكسيك وكوبا والأرجنتين وغيرها، وصولاً إلى تركياوإيران. إيران كانت ضيفة هذا المهرجان بصورة خاصة، فقد اشتركت بخمسة أفلام: "رقصة العطش" للمخرج أبو الفضل جلالي، و"ليلى" للمخرج درويش ميهروجي، و"نانه لالا وأطفالها" للمخرج كامبوزيا بارتوفي، و"المرآة" لجعفر باناهي، و"شجرة الاجاص" لدرويش ميهرجوي. وتتفاوت المواضيع التي تعالجها الأفلام الخمسة، رغم ان الهم الاجتماعي والصراعات اليومية هي المسيطرة على ثيمة الأفلام الخمسة. فمن موضوعة عمال المناجم ومشاكلهم الاجتماعية في "رقصة العطش"، مروراً بمشكلة شابين يتزوجان عن حب، ويواجهان مشكلة أن الزوجة لا تنجب، فتقع في صراع مع عائلة زوجها الذي يحبها، وإذ تريد عائلته تزويجه من امرأة ثانية كما في فيلم "ليلى" ومشكلة كبار السن الذين يواجهون العسف الاجتماعي لوحدهم، حيث لا يتضامن أحد معهم غير الأطفال كما في فيلم "نانه لالا وأطفالها"، أو عالم المثقف الذي نستكشفه من خلال رحلة بالفلاش باك لحياته وهو صبي في الحادية عشرة من عمره، وانتهاء بالطفلة التي تكتشف العالم وهي صغيرة، كما في فيلم "المرآة"، الذي اعتبره النقاد أهم الأفلام الإيرانية المعروضة.