قرار العراق قبول العودة غير المشروطة لمفتشي الاسلحة الدوليين، بعد غياب دام اربع سنوات، كان ضربة بارعة. ومن الواضح انه أربك خطة الادارة الاميركية لشن حرب في الشرق الاوسط وحرف انتباه العالم واميركا عن قضايا اخرى اكثر خطورة توقع البعض ان تؤثر في انتخابات الكونغرس المقبلة وقد تفسد ولاية الرئيس جورج بوش. لكن ينبغي للرئيس بوش ان يشعر بارتياح لأن استجابته للضغوط الدولية والمحلية بالسعي للحصول على تأييد الاممالمتحدة لأي تحرك، عسكري او غيره، ضد الرئيس العراقي صدام حسين هو الموقف الاكثر حكمة. ولا بد ان الصقور في ادارته، وبشكل أساسي نائبه ديك تشيني ومستشارة الأمن القومي كوندوليزا رايس ووزير الدفاع دونالد رامسفيلد، يتميزون غضباً الآن. فقد تمكن الرئيس العراقي من سحب البساط من تحت اقدامهم. من جهة اخرى، لقي الخطاب القوي الذي القاه الرئيس بوش في الاممالمتحدة إشادة في اوساط كثيرة، داخل الولاياتالمتحدة وخارجها، لتأكيده على المسائل الجوهرية في النزاع غير المحسوم مع العراق، وتحديداً انتهاك قرارات الاممالمتحدة. وهي قضية تُركت معلقة على نحو مثير للاستغراب طيلة سنوات عدة ولم تحتل مركز الاهتمام. لم يكن لدى العراق أي خيار في هذا الشأن سوى ان يذعن لارادة اعضاء كثيرين، وبشكل خاص الحكومات العربية التي حضّت نظام بغداد على السماح بعودة مفتشي الاسلحة الدوليين. وسيتعيّن عليه ان يفتح حدوده مجدداً للمفتشين الدوليين كي ينقذ نفسه من غضب قوة عظمى بدا انها ضلّت طريقها الاصلي، من حرب ضد الارهاب حظيت بتأييد دولي بعد 11 ايلول الى مشاجرة مع نظام بغداد الذي يسعى، حسب الادعاءات، الى امتلاك قدرة نووية. ولا بد لبغداد من الآن فصاعداً ان تأخذ في الاعتبار مصلحة شعبها العراقي المنحوس الذي عانى طويلاً وبلا معنى من نظام العقوبات المفروض من قبل الاممالمتحدة. كما يجب ان تتذكر بان القضية الاولى للعالم العربي ما تزال النزاع مع اسرائيل على اراضٍ عربية محتلة وإخضاعها لشعب مفقر وبائس يخوض صراعاً غير متكافيء مع هذا العدو الوحشي، المدجج بالسلاح، الذي لا يبدي أحد استعدادً للجمه، وبشكل خاص ادارة بوش. كان واضحاً ان كوفي أنان الامين العام للامم المتحدة، الذي سبق بوش في التحدث من منصة الجمعية العامة، لم يتأثر بحجج الاميركيين وادرج النزاع العربي الاسرائيلي باعتباره التهديد رقم واحد الذي يواجه المجتمع الدولي وليس التهمة غير المثبتة بان العراق يسعى للحصول على اسلحة نووية. وتحتاج ادارة بوش الى إعادة ترتيب اولوياتها والسعي مرة اخرى الى حل القضية الفلسطينية الاسرائيلية كما فعلت في المبادرة التي اطلقتها في حزيران يونيو الماضي. وتستحق حربها على الارهاب الدولي، التي تلقت دفعة قوية باعتقال خاطف الطائرات ال20 في باكستان، المزيد من الاستثمار، مالياً وبشرياً، على مستوى يماثل التزامها في البوسنة قبل ان تحقق أي نتائج ملموسة. لقد وبّخ بوش في خطابه امام الاممالمتحدة النظام العراقي لأنه تحدى قرارات المنظمة الدولية طيلة 10 سنوات، لكنه تغاضى عن حقيقة ان اسرائيل كانت اكثر فظاظة. فقد دأبت على إزدراء المجتمع الدولي على امتداد 35 عاماً برفضها تنفيذ قرارات مجلس الأمن التي طالبتها بالانسحاب من الاراضي العربية التي احتلتها في حرب 1967. واستطاعت ان تنجو من أي عواقب جدية بفضل حماية اميركا. على سبيل المثال، يواصل رئيس الوزراء الاسرائيلي ارييل شارون، بتشجيع من فريق مؤيديه داخل ادارة بوش، تجاهل كل مساعي الفلسطينيين الشجاعة اخيراً لترتيب اوضاع بيتهم. ويتجلى تحديه في رفضه وقف التوسع الاستيطاني. وكشفت منظمات مدافعة عن السلام اسرائيلية اخيراً عن بناء عشر مستوطنات جديدة، ولم تصدر كلمة تأنيب واحدة من ادارة بوش. انها لحظة مؤاتية لأن تعيد ادارة بوش تقويم سياستها الخارجية المتعثرة. ينبغي الاّ تبقى المعضلة العراقية من دون حل. والآن، بعدما سُمح بعودة المفتشين، ينبغي ان يكون هدفهم واضحاً وينجز بسرعة. وحالما يُنجز ذلك، ينبغي ان تُرفع العقوبات ويُسمح للعراق بالعودة الى المجتمع الدولي. اما مستقبل الرئيس العراقي فهي قضية من الافضل ان تُترك للشعب العراقي وليس لأي جهة اخرى. على نحو مماثل، تحتاج ادارة بوش الى التحرك لتنفيذ خططها المعلنة بشأن تسوية عربية اسرائيلية، ومن ضمنها اجراء انتخابات جديدة واقامة دولة فلسطينية. والمهمة الاكثر إلحاحاً هي تقديم مساعدات مالية عاجلة وكبيرة للسكان الفلسطينيين لانعاش الاقتصاد المفلس الذي عانى سنتين من الركود والنزاع والاحتلال. شكل قرار العراق فرصة ذهبية لا ينبغي التعامل معها باستخفاف كما كان بعض ردود الولاياتالمتحدة في السابق. وكلما جرى الاسراع بمعالجة هذه المظالم كلما تخلصنا في وقت أبكر من البيئة المؤاتية للارهاب في المنطقة وشعرنا بأمان اكبر. كاتب فلسطيني، واشنطن.