كان واضحاً في موضوع جرّ لبنان كمية من مياه نبع الوزاني الى عدد من القرى الجنوبية وما رافقه من أخذ وردّ وتهديدات اسرائىلية ووساطات غربية ودولية، إصراره على ممارسة سيادته على موارده، متخطياً الضغوط التي مورست عليه لدفعه الى تأجيل عملية التدشين. وتقول مصادر وزارية متابعة للموضوع ان نجاح لبنان في معركة المياه يعود في شكل أساسي الى ان الدولة أحسنت اختيار التوقيت والمناخ السياسيين المناسبين، اللذين أتاحا لها المضي في تنفيذ قرار تدشين المشروع في الوقت المحدد له. ومن العوامل التي أخذت في الاعتبار، بحسب مصادر وزارية، ما هو آني، وما هو لاحق، اضافة الى تقدير الحكومة ان الادارة الأميركية لا ترغب بالتفريط بالانجاز الذي حققه وزير الخارجية كولن باول في زيارته في نيسان ابريل الماضي للمنطقة والذي تجلّى بالحفاظ على حدّ أدنى من الهدوء على الحدود بين لبنان واسرائيل. وأكدت المصادر ان الاصرار اللبناني وعدم الرضوخ لكل أشكال الترهيب والترغيب فرضا على المجتمع الدولي ان يعيد النظر في دعوته الى صرف النظر عن تدشين المشروع بذريعة ان تل أبيب لن تبقى مكتوفة الأيدي، مشيرة الى ان الحكومة أوجدت نمطاً جديداً من التعاون مع الأممالمتحدة والدول الكبرى. وأوضحت المصادر العوامل الآنية بالقول ان لبنان استفاد الى أقصى الحدود من التأييد الداخلي على المستويين الشعبي والسياسي لجرّ المياه، على رغم العلاقة المتوترة بين المعارضة والحكم والحكومة. كما أنه استخدم استضافته للقمة الفرنكوفونية لتأمين حماية دولية واقليمية للمشروع، بينما اعتقدت اسرائيل وبعض الاطراف الخارجية ان الحرص اللبناني على إنجاح هذه القمة سيدفع بالحكومة الى تقديم تنازلات ستضطر بموجبها الى مراعاة اسرائيل، حتى ولو كان ثمنها طيّ صفحة استخدام مياه الوزاني. أما بالنسبة الى العوامل اللاحقة، تضيف المصادر، انه كان لدى الحكومة اللبنانية شعور بأن الادارة الأميركية لا تتحمّل وهي تعدّ العدّة العسكرية والسياسية لشنّ حرب على العراق، حصول تطورات دراماتيكية بين لبنان واسرائيل يمكن ان تسبب أضراراً لحملتها، خصوصاً ان لدى لبنان من الحجج ما يكفي لاقناع العالم بصوابية موقفه وقراره. ويضاف الى كل ذلك التحرّك الديبلوماسي غير المعلن الذي قامت به الحكومة مدعومة من أركان الدولة، واستطاعت من خلاله تجنّب صدور موقف أميركي معترض على المشروع وحصره في حدود طلب تأجيله من باب استرضاء اسرائيل، خصوصاً ان التدشين تزامن مع بدء محادثات رئيس الوزراء الاسرائىلي آرييل شارون في واشنطن، التي استقبلته ب"جائزة ترضية" اقتصرت على غيابها عن احتفال التدشين على رغم أنها كانت وعدت، ونقلاً عن مساعد وزير الخارجية ديفيد ساترفيلد، بحضوره. الى ذلك، رأى وزير الدفاع خليل الهراوي ان في ردّ الفعل الاسرائىلي على جرّ لبنان مياهاً من نبع الوزاني "كثيراً من المبالغة ونيات عدوانية أبعد من المشروع". وقال: "ان لبنان أحبط بتمسّكه بالمشروع وبالتزامه القوانين الدولية، الذرائع الاسرائىلية".