قدم المخرج اللبناني مروان الرحباني في العاصمة البحرينيةالمنامة، احتفالية مسرحية بعنوان "رايات العودة"، في خيمة ضخمة أقيمت خصيصاً لهذا الغرض. والعرض، بحسب مخرجه، بانوراما ممسرحة، تقوم على النشيد العالي والتعبير الجسدي والإنساني والموسيقى والإضاءة والرمز. و"تقف بثبات مع الحق العربي والفلسطيني، في الأرض والكرامة والحرية والاستقلال"، كما جاء في مقدمة كتيب الاستعراض. تتألّف "رايات العودة" من 18 لوحة راقصة، أدتها فرقة أورنينا بالاشتراك مع أربعين طفلاً من البحرين، وبمشاركة الفنان غسان صليبا الذي قام بدور "الراوي"... وتقوم باسترجاع الرموز المستقاة من الذاكرة الجماعيّة، أمثال: عز الدين القسام وعبدالقادر الحسيني. وهذا الاسترجاع لم يأخذ طابعاً جنائزيّاً، يتباكى فيه الراقصون على الماضي السعيد. بل ان الرحباني شحن عمله بصور الفرح والبهجة والأمل الذي يملأ القلوب. بدأ العرض بمقدمة احتفالية استخدمت فيها أشعّة الليزر، وعزفت فيها الأوركسترا كاملة. وتلتها لوحات غير مترابطة إلا من حيث مضمون العرض بينما تنوعت في الأفكار والأسلوب. في اللوحة الأولى، يأتي صوت الراوي ليتحدث عن الأرض، وعن تآلف الأديان، يصاحبه صوت الأذان ممزوجاً بأجراس الكنائس. ويتزامن كلّ ذلك مع عرض لصور ولقطات حية من فلسطين: كيف كانت، وكيف تم احتلالها. اللوحة الثانية تتمحور حول أغنية فيروز "سيف فليشهر"، يغنيها غسان صليبا، تتلوها "أجراس العودة". وكان لصوت صليبا دوره في إيصال الخطاب الفكري للعمل الداعي إلى إشهار سيف الحقّ. وهنا يأتي دور اللوحة الراقصة في التعبير عن العزيمة الفلسطينية إذ كانت راقصة تصعد بكل ثقة وقوة وهي تسير على إجساد بقية الراقصين. اللوحة الثالثة، بدأت بالموال الفلسطيني الشهير "ضرب الخناجر ولا حكم النذل فيّا". أما اللوحة الرابعة، فكان يسمع فيها صوت قصف الطائرات والدبابات فيما الأطفال يلعبون في الساحة، في الوقت الذي يدخل الإسرائيلي مرتدياً لباساً أسود، فينقض على الطفل الفلسطيني ضارباً إياه بالسوط... ما يجعل الأطفال يلتمون على بعضهم بعضاً ليدخل في هذه الأثناء طفل فلسطيني يحمل علماً يرعب به الإسرائيلي الذي يفر منه. وتليها اللوحة الخامسة لتشخّص جنازة الطفل الشهيد. ما يميز هذه اللوحة أنها لا ترزح تحت عبء الحزن والبكاء. فالراقصون يتمايلون وكأنهم ملائكة يتهيأون لاستقبال روح الطفل الطاهرة. بعد ذلك تتوالى اللوحات المتنوّعة، فنجد أطفالاً يلعبون تحت السماء الزرقاء وأماً تحتضن حقيبة ابنها، في مشهد يمثل اللوعة على موت الابن، فيما النساء يواسينها، بعيداً من أي نحيب. وفي اللوحة الثالثة عشرة تؤدّي الفرقة قصيدة لمحمد الفيتوري بنوع من الإنشاد المتوزع على أعضائها. وفي اللوحة الختامية، تأتي أغنية فيروز "جسر العودة"، لتبثّ روح الأمل، فيما الراقصون يجسدون حالات الفرح والتفاؤل بالمستقبل. ولم تخف على الجمهور المعاني السياسية لهذه البانوراما التي تحث استرجاع الحق عبر "المقاومة"، واستمرار "النضال"، من دون الوقوع في الفخ الخطابي السطحي، أو التنازل عن المستوى الفنّي، من خلال اتقان العناصر الاحتفاليّة: السينوغرافيا والإضاءة والصوت والكوريغرافيا والإكسسوارات والأداء وتتابع اللوحات. باستثناء لوحة واحدة بدت أطول مما يجب، وكان بالإمكان اختصارها. أما ديكور المسرح فكان مجموعة من البيوت المهدمة، إلى يمين المسرح ويساره مع عمق فارغ، استخدم كفضاء لأداء الرقصات والعروض البصريّة، استخدم في أكثر من لوحة في شكل عفوي وتلقائي. كما اختيرت المشاهد بعناية، ما أسبغ مزيداً من الجمالية على العرض: ملابس الراقصين جاءت مستوحاة من اللباس الفلسطيني التقليدي، خصوصاً الألوان الزاهية لملابس النساء، وثياب غسان صليبا. يشار إلى أن الموسيقى التصويرية كانت من إعداد أسامة الرحباني... والتوزيع لغدي الرحباني الذي قاد الأوركسترا، وصمم الأزياء كابي أبي راشد، أما الديكور فحمل توقيع روجيه جلخ.