ليس وارداً ان يشهد المغرب ازمة حكومية، وبالمقدار نفسه ليس وارداً ان يتجاوز بسهولة ضغوط الخارطة السياسية لما بعد الاقتراع في ايلول سبتمبر الماضي. ذلك انه خلف الاسبقيات الاقتصادية والاجتماعية المطروحة رهان سياسي اكبر، اقله التعاطي والظاهرة الاسلامية بحذر. ومع افتراض ان البلاد افادت من تنظيم الانتخابات الاشتراعية قبل المحلية لناحية اكتشاف قوة التيار الاسلامي ممثلاً في "العدالة والتنمية" قبل فوات الاوان، فإن الزمن الفاصل الى صيف العام القادم، موعد الانتخابات المحلية، ليس كافياً لاستيعاب الاسلاميين الذين يميلون الى خطاب الاعتدال لنزع المخاوف. فقد تحولوا الى معادلة لافتة في المشهد السياسي: بقاؤهم في المعارضة ليس مطلوباً ومشاركتهم في الحكومة لن تكون بلا تداعيات، اقربها ان الاتحاد الاشتراكي الذي يتزعمه رئيس الوزراء السابق عبد الرحمن اليوسفي يواجه صعوبات في التعايش معهم. وعلى رغم ان تعيين التكنوقراطي ادريس جطو رئيس وزراء افسح في المجال امام حلحلة الموقف، ما اعتبر ارضاءً للاستقلال الذي سارع الى التحالف مع العدالة والتنمية، إلا أن صيغة الذهاب الى ائتلاف حكومي موسع تظل اقرب الى قطبية الغالبية الحاكمة والاقلية المعارضة. لكن الجمع بين الاشتراكي والاستقلال تحت مظلة واحدة زاد تعقيداً في ضوء انضمام العدالة والتنمية طرفاً ثالثاً. في حين ان البعد الاستراتيجي في اشراك احزاب الحركات الشعبية ذات الهوية الامازيغية يفرض نفسه ايضاً من منطلق تلاقي اسبقيات عدة دفعة واحدة، التعاطي والظاهرة الاسلامية والانفتاح على الهوية الامازيغية وترتيب الوضع الاقتصادي والاجتماعي. وحده رئيس الوزراء السابق بدا غير خجول ازاء حصيلة حكومته، فالاستقلال الذي وضع عينه على رئاسة الحكومة افترق وحليفه السابق منتقداً اداء الحكومة، بينما زاد تصاعد النفوذ الاسلامي في التضييق على الاشتراكيين، في مقابل انفرادهم بحسابات سياسية عززت موقعهم لكنها لم تبلغ درجة حيازة الغالبية. لكن تعيين ملك البلاد رئيس وزراء من خارج الاحزاب قلب المعادلات كافة. ثمة من يراهن على ان الظروف الاقتصادية والاجتماعية المتدهورة في البلاد لا تحتمل الانحياز الى السياسي على حساب الاقتصادي، وان كانت تجربة التناوب أضفت على صورة الهاجس الديموقراطي ابعاداً ايجابية. وثمة من يراهن على ان الاوضاع الاقليمية والدولية بحساب تداعيات الازمة المغربية -الاسبانية والمحور الصاعد بين الجزائر ومدريد، وكذلك انتظار مآل التهديدات الاميركية بضرب العراق دفعت في اتجاه اسناد رئاسة الوزراء الى تكنوقراطي في مهمات وفاقية تحول من جهة دون تصدع الجبهة الداخلية على خلفية المعارك الحزبية وضرورة استيعاب التيار الاسلامي. وتفيد من جهة ثانية من الانتظارات الاقليمية والدولية. ولم يكن مفاجئاً ان رئيس الوزراء الاسباني خوسي ماريا اثنار كان في مقدم المرحبين برئيس الورزاء المعين ادريس جطو. لكن الطبعة التي ستخرج بها مشاوراته لتشكيل الحكومة ستجيب عن مناطق الظل في الانتظارية الراهنة.