تزدهر في أوساط الشباب السوري هوايات وألعاب كانت حتى مدة قريبة غير معروفة لدى معظمهم، بل ولا تزال أماكن ممارسة كثير من تلك الهوايات ضعيفة الانتشار ومحصورة بأحياء بعينها من المدن الكبرى كدمشق وحلب وحمص... وهذه الحال تعكسها بوضوح مقاهي الانترنت الحديثة المولد في سورية تبعاً لحداثة خدمة الانترنت بحدِّ ذاتها واقتصارها الى الآن على آلاف عدة من المشتركين في بلد يزيد تعداد سكانه على 18 مليون نسمة بحسب الاحصاءات. وفي المقابل يتنامى انتشار اماكن ممارسة الألعاب والهوايات التقليدية باضطراد حيث أضحت صالات البلياردو والسنوكر على سبيل المثال تغطي معظم الأحياء والمناطق المحيطة بدمشق لتعكس إقبالاً متزايداً من الشباب على هذه اللعبة المسلية والتي يعدها ممارسوها إحدى الرياضات المهمة. يقول أسعد طالب الهندسة الكهربائية بجامعة دمشق... إنني أقطع نحو 10 كيلومترات بين بلدتي الصغيرة صحنايا وحي الشعلان الدمشقي العريق في كل مرة أريد الدخول الى المواقع العلمية والتقنية على الشبكة... فيما يعترف أحمد خريج المعهد المتوسط للكومبيوتر الذي جلس على جهاز مجاور لجهاز أسعد... ان امكاناته المادية لا تساعده على الأكثر على الدخول الى كثير من المواقع التي يريد الدخول اليها، والمعاناة لا تختلف كثيراً لدى عفاف الموظفة في إحدى الشركات الخاصة والتي لا تجد لا الوقت ولا المال الكافيين لزيادة فترة مكوثها في مقهى الانترنت القريب من عملها. يشكل هؤلاء نماذج متباينة بين الشباب السوريين الذين باتوا يرتادون مقاهي الانترنت لملاحقة آخر الأخبار والمعلومات والأبحاث وربما مواد الترفيه التي يتجنب معظمهم الحديث عنها، وأضحى إنشاء تلك المقاهي يستهوي بعض العاملين في محلات بيع الحواسب أو صيانتها انسجاماً مع الإقبال الواسع على هذه التجربة على رغم رداءة الخدمة وصعوبتها في معظم الأحيان كما يوضح أسعد، مشيراً الى أنه يضطر الى تمضية وقت طويل حتى يفتح الخط وبالتالي الدخول للمواقع التي يريدها. مصدر الدخل إلا أنه وعلى رغم هذه المصاعب... فإن أسعد المتفوق في كليته وجد بارتياد مقاهي الانترنت رغبة لا تقاوم تتيح له الاطلاع على كل جديد في العالم، تساعده في ذلك لغته الانكليزية الجيدة ما مكنه من تطوير هذه الهواية أخيراً وتحويلها الى وسيلة لكسب الرزق من خلال الحصول على محاضرات ودراسات وترجمتها للعربية وبيعها لطلاب الهندسة الكهربائية في مختلف السنوات. ويضيف أسعد المنهمك بالبحث عن أحد المواقع ان الفكرة بدأت منذ مطلع العام الماضي إذ أدهشتني القيمة العلمية لبعض الأبحاث المنشورة على موقع احدى الشركات المتخصصة بتطوير منتجات أنصاف النواقل والترانستورات، وهي أبحاث تدخل في صلب المقررات التي ندرسها في الكلية، فقررت نسخ المزيد منها وترجمته الأمر الذي لاقى استحسان الطلاب.".. وتتشابه هذه التجربة مع هواية حسان 24 عاماً الذي يختص كما يقول بنسخ الألعاب المتميزة والجذابة عن المواقع المتخصصة بألعاب الكومبيوتر وتشمل العملية تطهير الألعاب من الفيروسات ثم نسخها على الأقراص وترويجها على بعض الأصدقاء والمعارف، وأخيراً على محلات بيع الأقراص مما أتاح لي مصدر دخل جديداً لم أكن أتوقعه عندما بدأت بالدخول الى الشبكة. ويوضح حسان أنه يجد متعة كبيرة في ممارسة هذه الهواية التي تأخذ منه ساعات طويلة لدى جلوسه في المقهى تصل أحياناً الى 4 ساعات في كل جلسة مؤكداً أن عدم استقراره بدمشق وضعف امكاناته المادية يمنعانه الآن من اقتناء الحاسب وبالتالي الاشتراك بخدمة الانترنت الأمر الذي يجعل من هذه المقاهي حاجة لا غنى عنها له بمعدل مرة واحدة اسبوعياً على الأقل. وبدوره يقول سامر 17 عاماً والذي يحضّر لتقديم امتحانات الثانوية العامة - الفرع العلمي هذا العام... ان عائلته تملك حاسباً واشتراكاً بالانترنت في المنزل إلا أن تشديد والده عليه من أجل الاهتمام بالدراسة يمنعنه من الدخول الى الشبكة الا في ساعات محددة من كل أيام الجمعة بحسب ما هو مسموح له. ويضيف سامر الذي جاء الى المقهى مرتدياً لباسه المدرسي... إنني غالباً ما أقصد المقهى بعد خروجي من المدرسة وبالتالي اضطر الى تقديم الأعذار والمبررات لوالدتي عن سبب تأخري، فاليوم المواصلات مزدحمة، وبالأمس ذهبت لزيارة صديقي المريض، وقبلها كان لدي درس إضافي... وعلى هذا المنوال - بنمشي الحال - ضاحكاً. مشكلة الوضع المادي... إلا أن هذه المشكلة التي يواجهها سامر ابن العائلة الميسورة تختلف عن كثيرين غيره. فأحمد 22 عاماً لا يستطيع امتلاك الحاسب ما دام في السكن الجامعي فيضطر للتوجه مرة في الاسبوع تقريباً الى صالة هاتف النصر للانترنت بحثاً عما يشبع هواياته في متابعة أحدث الاصدارات والأبحاث التي تقدمها المواقع العلمية الالكترونية... ويقول أحمد: أدفع نحو 120 ليرة سورية عن كل ساعة استخدام وأضطر للمكوث نحو 3 ساعات متواصلة في كل جلسة بالاشتراك مع أحد الزملاء الذي يتقاسم معي تكلفة الدخول مما يكلفني نحو 800 ليرة شهرياً، وهو رقم كبير بالنسبة إليّ ولا أستطيع دفع أكثر منه حالياً. وتعلق عفاف 24 عاماً خريجة معهد الحاسبات الالكترونية على كلام سابقيها بالقول: ان المشكلة واحدة عموماً وتتعلق معظم الأحيان بالوضع المادي وغلاء كلفة الدخول الى الشبكة في سورية مقارنة مع مستويات الدخل... وتضيف عفاف: انني أملك حاسباً في المنزل لكن حتى الآن لم نشترك بالانترنت مما يضطرني للدخول الى الشبكة من خلال أحد المقاهي القريبة من مكان عملي وبمعدل مرة واحدة اسبوعياً، فذلك يوفر علي فعلياً لو انني اشتركت بالانترنت حيث المصاريف كبيرة. وتوضح عفاف: انسخ عادة لدى دخولي الى المواقع المطلوبة ما أريد متابعته على ديسكات أطلع عليها في ما بعد في منزلي وهي على الغالب تتناول قضايا أهتم بها بدءاً بالألعاب والمجلات العربية والأجنبية المنوعة والأزياء، كما أنسخ أحياناً موضوعات وأبحاثاً صحية وطبية لصديقتي الطالبة في كلية الطب وموضوعات مالية لأخي الطالب في كلية الاقتصاد. وفي مقابل هذه الحالات يعترف سعيد 26 عاماً - موظف باهتمامات مختلفة على الشبكة إذ انه يقوم بمتابعة شتى المواقع، خصوصاً مواقع الترفيه، ويقول: في البداية حاولت الدخول في الدردشات التي كنت أقرأ عنها في الصحف والمجلات إلا أن صعوبة الاتصال على الشبكة في سورية والحاجة الى ساعات طويلة للبدء بالدردشات منعتاني من الاستمرار فتوجهت الى المواقع الرياضية والأغاني وكل ما هو متاح من مواقع لم يطاولها الحجب. صالات البلياردو ويقابل هذا الانتشار البطيء لمقاهي الانترنت الذي أرجعه الجميع الى وضع الشبكة... توسع مضطرد في أعداد صالات الألعاب الأخرى وفي مقدمها صالات البلياردو باعتبارها احد الاماكن الأكثر استقطاباً للشباب أيضاً. تنتشر تلك الصالات في مقرات الأندية الرياضية والأحياء السكنية المختلفة حيث أضحت مصدر رزق مهماً لأصحابها مع كثافة الاقبال عليها أيضاً. ويقول أبو إحسان المشرف على صالة الشباب إحدى أكبر الصالات في مخيم فلسطين: ان صالته تجتذب أعداداً متزايدة من الجنسين ومن مختلف الشرائح الاجتماعية، مصراً على أن رواد صالته يتألفون في شكل خاص من أطباء ومهندسين وطلاب جامعات ومعاهد خلافاً لبعض الصالات المنتشرة والتي يرتادها مراهقون وعاطلون من العمل... ويرفض أبو إحسان الذي يتخذ من غرفة صغيرة تطلُّ على طاولتي البلياردو المخصصتين للشباب الذكور تشبيه البلياردو بوسائل اللهو والترفيه فقط، بل هي رياضة مهمة يشرف عليها الاتحاد الرياضي العام ويقيم لها بطولاتها على مستوى القطر بأسره، وعاماً بعد آخر نلاحظ ازدياد انتشارها حيث وصل عدد الصالات في المخيم فقط الى نحو 15 صالة. من جهته يقول السيد رياض البغدادي 37 عاماً أحد رواد هذه اللعبة ومدير نادي كاربوف أحد الأندية الرئيسة لممارسة اللعبة في دمشق... ان النادي يجتذب نخبة من الشباب المثقف والأكاديميين والعاملين في قطاع الأعمال الذني يأتون لممارسة لعبتهم المفضلة في جو اجتماعي راقٍ فرضه المستوى الاجتماعي للاعبين أنفسهم الذين ينتمون غالباً الى الشرائح المثقفة العالية. ويضيف البغدادي عضو الاتحاد السوري للبلياردو: ان اللعبة سهلة وتحتاج الى تركيز فقط مما يمكن معظم الناس ما بين سن العاشرة وحتى السبعين عاماً من لعبها مع ملاحظة ان الشريحة العريضة التي تمارسها هي شريحة الشباب ما بين 18 - 40 عاماً. وبدورها ترفض سمر 21 عاماً طالبة الأدب الانكليزي في جامعة دمشق ان تكون البلياردو لعبة ذكورية فقط كما يعتقد البعض على رغم طغيان العنصر الذكوري على ممارسيها، مشيرة الى أن هذا الطغيان على اللعبة مردّه الى قلة عدد الصالات المخصصة للفتيات واتجاه أصحاب تلك الصالات لافتتاح صالات للذكور فقط باعتبارهم الأكثر ارتياداً لأماكن اللهو... وتضيف سمر: انني ألعب البلياردو منذ 3 أعوام تقريباً، واضطر في كل مرة أريد اللعب الى اصطحاب أخي أو زميلاتي معي بعد أن نقوم بحجز طاولة في احدى الصالات التي تتيح للفتيات اللعب وحدهن بعيداً من أعين الفضوليين من اللاعبين الشبان وهي صالات قليلة في الواقع. التعلق الكبير باللعبة نجده عند عدنان 30 عاماً الذي مضت عليه فترات لم يفوِّت خلالها يوماً من دون ممارسة لعبته المفضلة في الصالة القريبة من منزله في إحدى البلدات القريبة من دمشق. ويقول عدنان المتكئ على كنبة صغيرة في زاوية الصالة الى جوار زميله نزار... تعلمت أساسيات اللعبة خلال عملي في أحد الفنادق البلغارية قبل أعوام عدة، يومها كنت أعمل جيداً وأصرف من جيبي على ألعاب ترفيهية عدة دفعة واحدة ومصادقة الفتيات وكل وسائل الحياة الحديثة، لكن الوضع الآن مختلف تماماً، فمع ضيق الأحوال المادية أصبحت أختصر كل الهوايات في صالة البلياردو التي لا تكلف كثيراً في الواقع. وبدوره يتحدث نزار 34 عاماً عن اعجابه بهذه الهواية التي يمارسها بين فترة وأخرى مع الأصدقاء، مضيفاً: انها أفضل المتاح بين أماكن التسلية والترفيه للشباب في هذه المناطق خصوصاً مع تقلص عدد أماكن ممارسة الرياضات الأخرى: كرة القدم أو السلة أو حتى الأندية الرياضية المتخصصة...!! صالات الرقص بدورها تبدو الأندية وصالات الرقص الغربي الديسكو هي الأقل حضوراً في المساحة التي يوليها الشباب لرغباتهم واهتماماتهم كما يتضح من ندرة عدد الصالات وضعف الاقبال عليها كما يقول سمير 27 عاماً الذي يداوم على حضور الحفلات الاسبوعية في احدى الصالات، مشيراً الى أنه خلال تردده على مدى ثلاثة أعوام على الأندية نادراً ما وجد وجوهاً جديدة بين الحضور الذين بات يعرفهم فرداً فرداً وبصفة شخصية. ويضيف سمير الذي يعمل في مكتب لتجارة الحواسب: انه يرتاد ذلك النادي للترويح عن نفسه والتسلية في مكان يتيح له الاختلاط مع الفتيات. وتؤيد سوسن 20 عاماً الطالبة في أحد المعاهد كلام سمير حول قلة عدد أماكن وصالات الديسكو بحيث يكاد لا يتجاوز عددها أصابع اليد الواحدة في مدينة كبيرة كدمشق باستثناء الصالات المقامة في الفنادق الكبيرة التي لا يستطيع ارتيادها أياً كان لأسباب مادية طبعاً. وتضيف: ان نظرة الناس الى تلك الأماكن لا تزال مشوشة ومغلوطة، وكثيراً ما واجهت من زميلاتي في الدراسة أو السكن أسئلة وانتقادات بسبب ذهابي مع الأصدقاء الى تلك الصالات التي تشهد اختلاطاً واسعاً. وتخالف ندى 27 عاماً هذا الرأي خصوصاً، فهي تذهب احياناً مع شقيقها وزوجته وبعض أقاربها الى احدى الصالات ضمن احدى الفنادق الكبرى بدمشق مشيرة الى أنها تمضي أوقاتاً لطيفة في تلك الصالة مع مجموعة منسجمة من الأهل والأصدقاء الذين تستهويهم احداث التسجيلات والمعزوفات الغربية.