ثمة تشابه لا تحد منه المسافات والفروق الكبيرة، يشعر به زائر كابول بين البشتون فيها وبين مسيحيي لبنان. انه الإحباط الذي أعقب حروباً خسرها كل منهما، احتفظت بعدها الجماعتان برئاسة بلديهما. ولكن بجرعات كبيرة من المرارة والخسارات. يتحدث البشتون في كابول بأصوات خافتة عن طغيان الأقوام الأخرى وسيطرتها على مرافق الحياة في المدينة. وما يشعر به البشتون أمر يمكن ملاحظته بسرعة، اذ يبدو ان الطاجيك تحولوا بعد دخول تحالف الشمال الى المدينة الى قوة تحرك مرافق المدينة وأسواقها. فقد يصعب على السائق البشتوني مثلاً ان يعمل في أماكن الاحتفالات العامة حيث يتوافر له زبائن من الوفود الاجنبية. كما يفضل الصحافيون المترجمون الطاجيك نظراً الى ما يوفره هؤلاء من حماية ولتمتعهم بنفوذ في أوساط الأجهزة الحكومية الموقتة. ظفرالله شاب بشتوني يقول ان أصدقاءه غادروا كابول. واكد ان نزوحاً بشتونياً باتجاه الجنوب والشرق تشهده العاصمة. فالبشتون يعيشون اليوم بحسب ظفرالله ظروفاً معقدة لا يحسدون عليها، اذ خذلتهم حركة "طالبان" بهزيمتها السريعة بعدما كانوا صدقوا ان للملا عمر قدرات لا تدركها أميركا، وهم من جهة اخرى لم يجدوا في الحكومة الموقتة ملاذاً يعوضون به انتكاستهم العاطفية والسياسية. يقول محمد سائق التاكسي ان تمسك الملا عمر بأسامة بن لادن كان خطأً كبيراً، وعندما شعر بأنه استغرق في حديث واضح ومباشر عاد ورفع صوت الراديو، فتنبعث منه موسيقى افغانية. يقول انها المطربة نغم وهي من قندهار. ويضيف انها من مدينة الملا عمر. في الأسواق الشعبية التي تعج بآلاف الباعة والمتسوقين، تتشابه الملامح والهيئات، يستطيع الأفغاني الى حد كبير تمييز البشتوني من الطاجيكي، ناهيك عن الأوزبك والهزارة. فالذين يرتدون القلنسوات هم في معظمهم من الطاجيك. البشتون خلعوا بعد هزيمة "طالبان" تلك العمائم البيضاء والسوداء، وهم اليوم حائرون بين أكثر من نوع من القبعات وأغطية الرأس. هذا الأمر أشار اليه أحد المسؤولين في الحكومة الحالية عندما لفت الى ان أصحاب العمائم خلعوها، ولكنهم بقوا في كابول، في اشارة الى استمرار وجود عناصر طالبانية في المدينة. والهزارة تعرفهم بكونهم أقرب الى الصينيين مع فروق قليلة، وهذا الأمر دفع بموظفي الفنادق ومرافقي الصحافيين الى الطلب من الصحافيين اليابانيين عدم ارتداء الثياب الافغانية وهو أمر شائع في أوساط الصحافيين خوفاً من تعرضهم لمضايقات في الأحياء التي تكنّ عداوة للهزارة، وهي كثيرة. ويبدو ان الأقوام الافغانية التي تعاقبت على حكم كابول وتناحرت وتقاتلت أصبحت بفعل ذلك تجيد تقنيات تمويه مختلفة قد تعقد أمر تمييز الطاجيكي عن البشتوني، فمعظم سكان المدينة يجيدون الفارسية التي يتكلمها الطاجيك. وللغة البشتونية ايضاً لهجات مختلفة، وما كان سائداً في أيام "طالبان" هي اللهجة القندهارية. اما الهزارة فإجادة اللهجات لا تنفعهم كثيراً. اذ يبقى أمر تمييزهم سهلاً من خلال سحناتهم الصفراء. وهو أمر جعلهم في كثير من الاحيان عرضة لانتهاكات سهلة وخبيثة. ولكن أحزابهم بدورها لم تقصر كثيراً في مجال انتهاك أصحاب السحنات الاخرى. البشتون سيصبحون أقلية في المدينة، هذا ما قاله ظفرالله، فكابول بحسب ما يعرفها لطالما بدلت من أحوال أقوامها وبسرعة غير محسوبة. خلعوا العمائم ولكنهم لن يرتدوا القلنسوات ومدنهم البعيدة في الشرق والجنوب يمكنها استعادتهم. ولكن محمد يؤكد انه لم يسبق لحكم جاء من الشمال ان دام طويلاً.