تلعب السينما ومحطات التلفزيون الدور الرئيسي في تكوين الرأي العام الاميركي، وغالباً ما تبث هذه المحطات، وتعرض دور السينما افلاماً تدّعي انها وثائقية عن الخطر الاسلامي على أمن الاميركيين. والمفارقة المؤلمة ان بعض الاكاديميين والمثقفين الكبار يشاركون في اشاعة هذه الخرافة. ويذهب بعضهم الى التنظير لها فلسفياً، حسبما فعل صاموئيل هانتنغتون كما يلعب بعض ادعياء الاسلام دوراً سيئاً في ترسيخ هذه الصورة. في هذه الحلقة يستعرض بول فندلي بعض المقولات والأفلام. "بعد انقضاء أربع سنوات على انفجار أوكلاهوما سيتي وخمس سنوات على بثِّ شريط "الجهاد في أميركا"، بُثَّ فيلم وثائقي ثانٍ، عزَّز القلق الشعبي إزاء المسلمين، وأظهر هذا الفيلم الأذى الذي لا يمكن أن يلحقه بسمعة الإسلام إلاَّ أحد أدعيائه. ففي إنتاج بدا أنه تتمَّة لفيلم "الجهاد في أميركا" قدَّمت شبكة PBS شريطاً يحمل عنوان "الإرهابي والقوة العظمى"، وهو عبارة عن حلقة من مسلسل برنامج "فرونت لاين" Frontline، تتناول خطاب أسامة بن لادن، الذي يقدم نفسه مدافعاً عن الإسلام. يزعم الفيلم أن بن لادن قام بدور رئيسي عام 1998 في تفجيري سفارتي الولاياتالمتحدة في كينيا وتنزانيا اللذين أديا إلى مقتل موظفين أميركيين ومواطنين محليين. كما قدم تحقيقاً عن عمليات القصف الانتقامي الأميركي لأهداف في السودان وأفغانستان في وقت لاحق من ذلك العام، كان مؤداه أن ادِّعاء واشنطن بأنَّ الهجوم على السودان دمَّر معملاً، لإنتاج أسلحة كيماوية للدمار الشامل، هو ادِّعاء لا أساس له من الصحة. وفي هذا الشريط الوثائقي أعطى بن لادن صورةً مزيَّفةً، بشعةً، فاسدةً عن الإسلام. فباسم الدين، دعا المسلمين إلى "قتل الأميركيين أينما استطاعوا ومتى استطاعوا"، وهي دعوة تنتهك مبادئ العدل التي تطبع الإسلام، انتهاكاً فاضحاً، وشدّد على أن أميركا هي عدو الإسلام الرئيسي، وقال انه على كل المسلمين محاربتها. ولَّدت هذه الدعوة إلى قتل الأميركيين، العسكريين والمدنيين على حدٍّ سواء، قلقاً كبيراً بين مسلمي الولاياتالمتحدة، خصوصاً لدى الذين يخدمون في قواتها المسلحة. ... في الأيام الأخيرة من سنة 1999، استعد كثيرون من الأميركيين لمواجهة المزيد من العنف. كانت مجزرة أوكلاهوما سيتي لا تزال حية في ذاكرتهم، حين جاءت بلاغات إدارة كلينتون التحذيرية، من هجوم محتمل، قد يشنُّه إرهابي مسلم في يوم رأس السنة الجديدة، أو لاحقاً. وتعمَّقت المخاوف حين حاول جزائري مسلم، يسعى للدخول إلى الولاياتالمتحدة، تهريب ما وُصِفَ بأنه تجهيزات لصنع متفجِّرات، عبر نقطة جمارك، قرب سياتل على الحدود مع كندا. واحتل نبأ اعتقاله صدارة عناوين الأخبار، أياماً في وسائل الإعلام المرئية والمقروءة. وازداد قلق الأميركيين، أكثر فأكثر، عندما اعتُقل مسلمان آخران في نيويورك سيتي، وجرى استجوابهما بحثاً عن أي علاقة محتملة تربطهما بالمعتقل في سياتل أو بإبن لادن. في هذا الوقت، كان المطلوب بتهمة تخطيط تفجير سفارتي الولاياتالمتحدة في أفريقيا عام 1998، يعيش في أفغانستان. وعلى رغم عدم مقاضاة هذين الشخصين، إلاّ أنّ الأنباء عن اعتقالهما التي أُرفقت بصور بن لادن الخطير، عزَّزت خوف الأمة جمعاء من إرهاب يَفِدُ عليها من الخارج. هذه التطوُّرات دفعت محمد البنداري، أحد المساهمين في نشاط MSNBC، وأحد قادة المسلمين في سانت لويس، ليكتب: "ثمَّة شعور متنامٍ بالكرب يسود أوساط مسلمي أميركا. ففيما الأمة تستعد للإرهاب، يخشى ]المسلمون[ معادوة وسائل الإعلام الأميركية إبراز صورتهم وصور دينهم بسلبية معهودة". وأشار إلى مسح يُظهر زيادة بلغت 51 في المئة في شهر كانون الأول ديسمبر، مباشرة بعد عرض التقارير الإخبارية التي تربط الإسلام بالإرهاب، تزامنت مع تحذير وزارة الخارجية المواطنين من السفر إلى الخارج. ولاحظ البنداري أن الأفكار المقولبة التي تربط الإسلام بالإرهاب "تؤذي وتجرح في الصميم" 24. قبل ذلك بأسابيع، وبعد معاناة مسلمي الولاياتالمتحدة قرابة سنوات أربع من الضغط والتضييق والتنميطات المزيَّفة، في أعقاب انفجار أوكلاهوما سيتي والعروض التلفزيونية "الوثائقية"، قرَّرت قيادة مجلس النواب التخلّي عن مشروع قرار يعبّر عن حسن النيات تجاه المجتمع الإسلامي الأميركي، من خلال شجب التعصّب والتمييز ضد المسلمين". كانت مسوَّدة مشروع القرار، التي أعدّتها مجموعة من أعضاء الكونغرس من كِلا الحزبين، نصَّت على أن "المنظمات التي تشجّع مثل هذا التعصب تخلق أجواءً من الكراهية"" ودعت دوائر الحكومة والمواطنين إلى الامتناع عن "التسرع في إطلاق الأحكام" ضد المسلمين، على غرار ما حصل في أعقاب انفجار أوكلاهوما سيتي. وقال أحد واضعي مشروع القرار السيناتور اليهودي جوزيف إ. ليبرمان إنَّ الوقت حان لنحمل الى المسلمين "الأمل بمُثُل الأمة". واختار المرشح الرئاسي آل غور، في ما بعد، ليبرمان ليكون مرشحه لمنصب نائب الرئيس في حملته الانتخابية الفاشلة عام 2000. ومع ذلك، وعلى أثر التذمر الذي أبداه على نص المسوَّدة المعترضون من الأصوليين المسيحيين وبعض المنظمات اليهودية، أجرى الأعضاء الجمهوريون في لجنة المجلس القضائية تعديلاً جذريّاً عليها، بحذفهم النقاط التالية: الإشارة إلى أوكلاهوما سيتي. عبارة تناشد المشترعين "المحافظة في الخطب السياسية على مستوى لا يتضمن جعل دين برمته كبش محرقة". تعبير يدين "المنظمات التي تشجع على التعصّب"، إدانة "العنف المثير للكراهية". مقطع يستنكر حقيقة أن مسلمي الولاياتالمتحدة قد "صُوِّروا بشكل سلبي في بعض المناقشات" حول الإرهاب. وشجب جيمس زغبي المسيحي الذي يرأس "المعهد الأميركي العربي"، شطب النقاط المذكورة، معتبراً ذلك إهانة للمسلمين "المحاصرين، أصلاً". وأضاف: "بدلاً من بلسمة جراح المجتمع المسلم، ]جاءت التعديلات التي أجريت على مشروع القرار[ دليلاً على المشكلات التي سبَّبت الجراح بالدرجة الأولى". ورفض التوصية المعدّلة لأنها "غير ذات معنى". أما علي أبو زقزوق مدير "مجلس المسلمين الأميركيين" AMC التنفيذي، فقد عبَّر عن إحساسه بالصدمة إزاء التعديلات، وقال: "كان يجب ألاَّ يكون مشروع القرار هذا موضوع خلاف. إنه سرد الحقائق بكل بساطة". ان النائبين الجمهوريين، هنري هايد، رئيس اللجنة القضائية، وتوماس ديفيس الثالث، عضو اللجنة، نفيا، بواسطة ناطقين باسميهما، ان يكون القصد من التعديلات تمييع مشروع القرار". وأضاف: "لقد رفضا الكشف عن هوية المجموعات التي تريد التغيير، وأصرّا على أنْ لا علاقة للاتصالات بإعادة صياغة مشروع القرار، وأن الإشارة إلى أوكلاهوما سيتي شُطِبَت، لأن من شأنها أن تثير في مناقشات المجلس أسئلة تفصيلية مبدّدة الوقت، تدور حول نوع المضايقات العنيفة التي أعقبت الانفجار"25. لم يثر مشروع القرار أي أسئلة في أوساط المجلس، لا مبدِّدة للوقت ولا غيرها. فهو لم يُطرح للمناقشة ولا للمزيد من الدرس. وفي الأيام التي فتر فيها نشاط المجلس في دورته المنعقدة، سُحب مشروع القرار المعدّل بهدوء من جدول الأعمال. ومع أنَّ الهيئة العاملة في واشنطن باسم "المجلس الوطني لكنائس المسيح" في الولاياتالمتحدة، الذي يمثّل المِلَل ذات الخط العام، لم يعبر أعضاؤها عن أي احتجاج عام، غير أن المجلس التنفيذي اتخذ عام 1986 قراراً بنَّاءً، شجب التحامل على الإسلام والمسلمين والعرب في الولاياتالمتحدة، ودعا المسيحيين والكنائس والمنظمات التابعة لها "لتأييد حقوق العرب والمسلمين المدنية، والدفاع عنها" و"رفض الديماغوجية الدينية والسياسية والتلاعب الجلي بنقل الأخبار ذات الصلة بأحداث الشرق الأوسط". علاوة على ذلك، ألحّ القرار على كل الأطراف "في السّعي إلى تفهم الأسباب الكامنة وراء الأحداث التي توصم بالإرهابية". في هوليود، حيث تنتج معظم الأفلام الروائية والأفلام الوثائقية، يستمر إبراز صورة "الإرهابي" المسلم. ففي أوائل عام 2000 حقَّقت شركة "باراماونت" أرباحاً طائلة من فيلم "Rules of Engagemen" الذي يفتري على المسلمين عموماً، ويقدح بحق اليمنيين خصوصاً" إذ جنت أرباحاً فاقت 43 مليون دولار. وعلى رغم إنكار الشركة أن إنتاجها هذا يشكل "اتّهاماً لأي حكومة أو حضارة أو شعب"، فقد تضمَّن الفيلم مشهداً يعرض مجموعة هائجة من المسلمين اليمنيين، وهم يطلقون النار على سفارة الولاياتالمتحدة في صنعاء، ويستثيرون هجوماً دمويّاً مضادّاً شنته قوة من البحرية الأميركية، كانت تعمل لإنقاذ موظفي السفارة. كل ذلك من نتاج الخيال الخصب لكاتب السيناريو في هوليود. ولعل الجزء الملتهب والأكثر تضليلاً وإثارةً، من الفيلم، هو الجزء الذي يُسمع فيه تسجيل صوتي في جلسة محكمة عسكرية أميركية وهمية، يحاكم فيها جندي في البحرية أعطى الأوامر بشنِّ الهجوم المضاد. في التسجيل الصوتي، نسمع قائد المجموعة اليمنية يحضّ أتباعه المسلمين على "قتل الأميركيين"، وهي دعوة مُوحى بها من الله "مباشرة"، على حدِّ قوله. وعندما كنت أشاهد الفيلم، تساءلت عما إذا كان غضب بن لادن أمام كاميرات فريق "فرونت لاين" ألهم كاتبه، ليدخل في السيناريو هذا التسجيل الصوتي الذي أعطى صورة مزيَّفة مقلقة عن الإسلام. ولا ننسى أن تعليقات الفيلم الختامية توحي الى المشاهِد بأن هذه الدراما المثيرة للجدل مبنية على حوادث وقعت، بالفعل. ... في كل يوم، تقريباً، أجد دليلاً جديداً على تنميط المسلمين، وآخرها جاءني من رونالد بايكر أحد ممثلي قطاع الصناعة، وجاورني في رحلة جوية كنت أقوم بها إلى شيكاغو. فعندما علم أنني عضو في الكونغرس، سألني ما إذا كنت أعتقد باحتمال نشوء تهديد لأمن الولاياتالمتحدة في المستقبل القريب. وطبعاً كانت إجابتي بالنفي، ملاحظاً انهيار الاتّحاد السوفياتي، عدو أميركا الأول في فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية. فما كان منه إلا أن عارضني، بشدة، متوقّعاً تهديداً وشيكاً يأتي من البلدان الإسلامية، وقال: "فكِّر، فقط، في ما يمكن لقائد مسلم واحد أن يفعل إذا حاز بضع قنابل نووية. إنني أرى خطراً حقيقيّاً آتياً من الإرهابيين المسلمين". وروى لي ما حصل له قبل يوم أثناء رحلة جوية، قال: "كنا في المقصورة ستة أشخاص، جلسنا ثلاثة مقابل ثلاثة. وعندما تطرق الحديث إلى الإرهاب اتفق الجميع على أن المسلمين يمكن أن يبدأوا الحرب العالمية المقبلة. كما اتفقوا على أن الأميركيين، بوجه عام، يعتقدون أن معظم الإرهابيين هم من المسلمين". وقال، أيضاً، إن القلق من الإرهاب الإسلامي بدأ يعتريه للمرة الاولى، في سنة 1986، عندما تسنَّى له مشاهدة "الوجه العنيف للمسلمين" أثناء زيارة له الى سنغافورة. نزلت الحشود الجامحة إلى الشوارع للاحتجاج ضد الأميركيين، بعد قصف طائرات سلاح الجو الأميركي لليبيا البلد المسلم، ذلك القصف الذي أمر به الرئيس رونالد ريغان عقاباً لليبيا على تأكيدها حقها في السيادة على خليج سدرة، وعلى تورّطها المزعوم في تفجير ملهى ليلي في برلين، حيث قتل أميركيّان. وفي الهجوم الذي شنته الطائرات الأميركية، قتل بضع عشرات من المدنيين الليبيين، بمن فيهم ابنة الزعيم الليبي معمَّر القذافي بالتبنّي. وأورد مثلاً آخر على التنميط المعادي للمسلمين، ظهر في تقرير وزارة الخارجية الأميركية عن الإرهاب العالمي لسنة 1999. فالمسؤولون عن هذه الوثيقة، وعلى رأسهم وزيرة خارجية الولاياتالمتحدة مادلين أولبرايت، يحتاجون إلى دروس في اعتماد الحقيقة في عرض الأمور. يعلن التقرير، بصراحة، أن "التهديد الإرهابي الأول الذي يستهدف الولاياتالمتحدة"، إنما يأتي من آسيا والشرق الأوسط، حيث الغالبية من المسلمين. بيد أن الوثيقة نفسها تورد إحصاءات وتسرد وقائع في مكان آخر منها، تؤدي إلى استنتاج معاكس، مفاده أن أميركا اللاتينية تشكِّل مركزاً للإرهاب المعادي للولايات المتحدة، وهو الأكثر نشاطاً من الشرق الأوسط أو آسيا. ويعدِّد التقرير 96 حادثاً معادياً في أميركا اللاتينية، و30 في أوروبا الغربية، و16 في إفريقيا. أما في آسيا، فقد بلغت حوادث العداء لأميركا ستة، و11 في الشرق الأوسط، علماً أن حوادث عدّة منها ارتدت طابعاً دفاعياً، ولذا كان تصنيفها في خانة الأعمال الإرهابية تصنيفاً غير صحيح27. وتدعم عوامل أخرى تنميط الإسلام، إرهابيّاً. مثلاً، ما نشهده في وسائل الإعلام الأميركية من ربط شائع لكلمتي "الإسلام" و"المسلمين" بالعنف المعادي لإسرائيل في الشرق الأوسط، مما يساعد على إبقاء الصور المزيفة حيّة. وخلال سنوات عضويتي في الكونغرس كانت م.ت.ف منظمة التحرير الفلسطينية تُستخدم في مبنى الكابيتول رمزاً للإرهاب، يقذفه زملائي كقنبلة يدوية، بل إن كلمة "إرهابية" استخدمت تكراراً، كبادئة ل"م. ت. ف" حتى يكاد يُظن أن "م.ت.ف الإرهابية" هو اسمها. أما الآن، فصفة "الإسلامي" أضحت تُستخدم بالطريقة نفسها. وفي هذه الأيام، أصبح من النادر استعمال كلمة "م.ت.ف" رمزاً للإرهاب، لأسباب، منها أن الشعب الأميركي بات على اطّلاع أفضل على هذه المنظمة ورئيسها عرفات، وما يبذله من جهود للتوصل إلى سلام عادل عبر المفاوضات. وانتقلت صورة الإرهابي من م.ت.ف إلى "حزب الله" وحركة "حماس". ففي الأحاديث العامة، وفي وسائل الإعلام الأميركية، غالباً ما تُربط كلمة "إسلامي" بهاتين المنظمتين، بحيث لا يرى فيهما الأميركيون غير الإرهاب الخالص تحت لواء الإسلام. وسبب ذلك، أوّلاً وأخيراً، انحياز قادة الإدارة الأميركية إلى إسرائيل، ووُضعت المنظمتان على قائمة المنظمات الإرهابية لدى وزارة الخارجية الأميركية. وبالتالي، أصبح مُجرد ذكرهما يستحضر مشاهد عن إرهابيين مقنَّعين يطلقون النار من أسلحة أوتوماتيكية على المدنيين العزَّل. ويتعزّز هذا الربط بالتعاطف الشديد الذي يبديه الأئمّة تجاه كلتا المجموعتين، وعندما يعلن أعضاء فيهما تحمُّل المسؤولية، باسم الإسلام، عن عمليات عنف حمقاء ضد المدنيين. أما بالنسبة إلى الفلسطينيين فإن العنف هو التعبير الأقصى لغضبهم ضد القهر الإسرائيلي، واستمرار احتلالها أرضهم ومصادرة ممتلكاتهم. ويرى كثيرون في هؤلاء المتعصّبين مناضلين من أجل الحرية، أو شهداء في سبيل قضية العدالة والتحرر الوطني، ولكن هذا العنف لا يذكر إلاّ نادراً في وسائل الإعلام الأميركية، على أساس هذه الاعتبارات. ويفاجأ معظم الأميركيين إذا علموا أن "حزب الله" منظمة سياسية كبرى، محترمة، حسنة التنظيم، وظهرت كحركة مقاومة بسبب غزوات إسرائيل الدموية والمدمّرة للبنان، وقصفها المدن والقرى، وسقوط القتلى من المدنيين، وفشل الحكم اللبنانيوالأممالمتحدة في إنقاذ جنوبلبنان من براثن قوات الاحتلال الإسرائيلية. وعلى رغم هذه الحقائق، عمدت إسرائيل ومؤيدوها في الولاياتالمتحدة الأميركية، داخل الحكم وخارجه، الى وصف "حزب الله" بالمنظمة الإرهابية" وكان هذا الوصف في الأصل نتيجة لاتّهامه بالمشاركة في تفجير شاحنة راح ضحيتَه 240 جنديّاً من قوات "المارينز" التي كانت متمركزة قرب بيروت، لحماية المصالح الإسرائيلية في لبنان. وعلى رغم انسحاب كل القوات الإسرائيلية من الجنوباللبناني عام 1999، فقد بقيت هذه الصفة ملازمة لحزب الله لأسباب، منها أنه تلقَّى المساعدات، على امتداد السنين من إيران، وهي الدولة المصنَّفة، في قائمة وزارة الخارجية من الدول الداعمة للإرهاب الدولي. وبالنسبة إلى كثيرين من الفلسطينيين، وكذلك اللبنانيين والأردنيين وغيرهم من العرب، يتألَّف "حزب الله" من وطنيين شجعان عازمين على تحمُّل المخاطر الشخصية، في سبيل ردع القوات الإسرائيلية عن أن تحتل أي جزء من لبنان. في هذا المعرِض قال أحد المتطوعين في فيلق السلام الأميركي في عمّان إن "أصدقائي الأردنيين، بنسبة 100 في المئة تقريباً، يعتبرون أعضاء "حزب الله" و"حماس" أبطالاً". وفي سياق ملاحظته الإصابات الفلسطينية الضخمة في القدس والأراضي المحتلة، يتساءل إريل زوشيت: "هل يمكنك لومهم على هذا الشعور إذا عرفت ما يحصل؟"28. تأسست "حماس" في الأراضي المحتلة منذ عقد من الزمن، كحركة معارضة لعرفات الذي استقر آنذاك في تونس. ومنذ بدايتها اختطت طريقها في مقاومة احتلال إسرائيل الأراضي التي استولت عليها في حرب حزيران يونيو 1967، وبعد توقيع عرفات ورئيس الوزراء الإسرائيلي إسحاق رابين اتفاقات 1993، التي عرفت ب"اتفاقات أوسلو"، نقل زعيم منظمة التحرير الفلسطينية مقرّ قيادته إلى قطاع غزة، وبدأ مفاوضاته لتحقيق انسحاب القوات الإسرائيلية، على مراحل. ووفقاً لاتفاقات "أوسلو"، فقد أُجِّل البحث في مستقبل القدس والمستعمرات اليهودية في الأراضي المحتلة، وحق عودة اللاجئين الفلسطينيين إلى مرحلة المفاوضات الأخيرة. ومنذ البداية، رفضت "حماس" بنود الاتفاقات" وعارضت أيّ مساومة مع إسرائيل" ولم توافق على التنازلات الموقّتة التي قدّمها عرفات. وطوال السنوات الماضية سعى عرفات إلى التعاون مع الحركة، ولكنه لم يحقق سوى نجاح محدود. لقد حرص مقاتلو حماس في نضالهم ضد الاحتلال الإسرائيلي، على أن تكون عمليات مقاومتهم موجّهة ضد القوات الإسرائيلية، ولكنهم لجأوا، في بعض الأحيان، الى تدابير متطرّفة تمثّلت بالعمليات الانتحارية ضد أهداف مدنية، وكانت أعمالاً مدفوعة بالتعصّب، تشكّل انتهاكاً واضحاً للشريعة الإسلامية. ولا يعرف معظم الأميركيين أن كلاً من تنظيمي "حزب الله" و"حماس" له فروع مهمة في الميادين الاجتماعية والثقافية، كما في المجال العسكري، بل لا يعرفون مدى تنوع وجهات النظر ضمن كل مجموعة، حيث نجد تشكيلة من الآراء والحوافز. في الطرف الأول من التشكيلة أعضاء أصيبوا بالخيبة، بعد عقود من القهر، وفقدوا الأمل بمستقبل كريم، فباتوا قانطين، وراديكاليين جبريين يؤمنون بالقضاء والقدر، مصمِّمين على الانتقام بأيّ شكل من الأشكال. وفي الطرف الآخر، تيّار يعارض العنف أيّاً يكن شكله، إلاَّ في حالتي الدفاع عن النفس أو إحقاق العدل، وهو في هذا ينسجم مع تعاليم الإسلام. ومن العوامل التي تبقي الصور المزيَّفة عن الإسلام حيّةً، ذلك النشاط الحثيث في واشنطن، الذي تبذله جماعة الضغط من اجل استمرار المساعدات الأميركية لإسرائيل، إذ تحرص هذه الجماعة، في مساعيها الناجحة لتعزيز المساعدات والهبات السنوية الضخمة التي تمنحها واشنطن لإسرائيل، على الجزم بأن إسرائيل تعيش حال مواجهة دائمة، وأخطاراً جدّيّة، تتهدّد أمنها، مصدرها مجموعات "الإرهابيين المسلمين" الذين يسهّلون أحياناً، دونما قصد، حملات جماعة الضغط، بتضمين تسميات منظماتهم مفردات مثل "الإسلامي" أو "الإسلام" أو "المسلم". أما جين بيرد، أحد الموظفين السابقين في سلك الخارجية الأميركية، والذي يرأس مجلس المصالح القومية في واشنطن، فيشبّه صورة الإسلام "الإرهابية" ب"الزّر الساخن"، ثم يضيف قائلاً: "غالباً ما تُستخدم هذه الصورة. فهي تعزف على وتر الخوف، وتجيّش العواطف. تتعهدها جماعة الضغط بعنايتها وتعمل على إشاعتها، لأنها تعلم أنها ستستقطب التأييد لمنح إسرائيل بلايين الدولارات من المساعدات غير المشروطة، سنة بعد سنة. وفي سياق هذا الضغط، غالباً ما يكون شبح الإرهاب، المدعوم من المسلمين، هو الموضوع المتكرر، إذ يستخدم لتسويغ ممارسات الدولة اليهودية القاسية ضد الفلسطينيين، ذوي الغالبية المسلمة، ولتبرير اعتداءات إسرائيل العسكرية الدورية على لبنان. إن صورة الإرهاب هي الأساس الذي تستند إليه إسرائيل في مطالبتها بمساعدات أميركية منتظمة من الأسلحة المتطوّرة، ومن المال، لتعزيز دفاعاتها ضد هجوم محتمل بالصواريخ من سورية والعراق وإيران، وغيرها من الدول ذات الغالبية الإسلامية". ويتابع بيرد أن التنميط، هذا، يشجّع على اتخاذ القرارات الحكومية المكلفة بالنسبة إلى الشعب الأميركي. ففي العقد المنصرم، سهّل الانحياز إلى إسرائيل إقرار هبات بلغت حوالى 4,7 بليون دولار سنويّاً، كمعدّل وسطي. بالإضافة إلى الحمل الثقيل الذي ينوء تحته المكلَّف الأميركي، يُنزل الدعم الأميركي غير المشروط لإسرائيل، على مختلف الصعد السياسية والديبلوماسية والعسكرية، الأضرار بمصالح الولاياتالمتحدة القومية الأخرى. إذ يثير ردود الفعل، لدى معظم عواصم العالم، التي تراوح ما بين الاشمئزاز والتفكّه. ويقول بيرد: "تقود هذه السياسة ديبلوماسيينا في الأممالمتحدة إلى مواقف محرجة. فكم من المرات استخدم مندوب الولاياتالمتحدة في مجلس الأمن حق النقض، ضد مشاريع القرارات التي تدين الانتهاكات الإسرائيلية لحقوق الإنسان الفلسطيني، مع أن هذه الإدانات تنسجم مع المبادئ الأميركية، وتتمتّع بتأييد شبه إجماعي من الحكومات الأخرى". إن إقدام الإدارات الأميركية المتعاقبة على تقديم المساعدات، غير المشروطة، لإسرائيل على رغم انتهاكها الحقوق الفلسطينية، لطَّخ سمعة أميركا، بوصفها نصير حقوق الإنسان في العالم. ويورد بيرد مفارقة مذهلة: "فيما تحذّر إسرائيل من إرهاب المسلمين، نجدها تستخدم إرهابها الخاص، الذي ترعاه الدولة، متخفّياً في شكل الإرهاب المضادّ". فالحكومة الإسرائيلية تُجيز، رسميّاً، استخدام إجراءات جسدية قصوى التعذيب، باللغة المبسطة لانتزاع الاعترافات من مسلمين معتقلين للاشتباه بكونهم يشكّلون خطراً أمنيّاً محتملاً، حتى ولو كانوا من التابعية الأميركية"29. هذا السلوك الإسرائيلي المشين نادراً ما يُشار إليه في وسائل الإعلام الأميركية. ولكن محطة CNN، في استثناء لافت، بثَّت في إحدى أمسيات أيلول سبتمبر 2000 تقريراً عن اعتقال المواطن الأميركي المسلم أنور محمد، واحتجازه وتعذيبه، خلال زيارته أهله في القدس عام 1998. ومع أن أنور محمد مواطن أميركي، ويحمل جواز سفر صالحاً، فقد أوقف من دون تهمة في سجن شديد الرطوبة، مدة أربعين يوماً. وخلال احتجازه كان يربط لساعات طويلة، على الكرسي في أوضاع مؤلمة، ويغطّى رأسه بكيس تفوح منه رائحة كريهة، ويمنع من النوم ويعرّض للحرارة والبرد الشديدين. كان هدف هذه المعاملة الوحشية محاولة، لا طائل تحتها، لإجباره على التوقيع على اعتراف باشتراكه في عمليات إرهابية. أما مسؤولو القنصلية الاميركية في القدس، الذين لا يبعدون أكثر من مبانٍ عدة، من مكان اعتقال محمد، فلم يقدّموا له دفاعاً أو مساعدة خلال محنته، سوى قائمة بأسماء محامين يمكنه توكيلهم. وفي النهاية، أخلي سبيله من دون أن توجه إليه أي تهمة، وأجبر على شراء جواز سفر فلسطيني قبل السماح له بمغادرة إسرائيل. وفي التحقيق الذي أجراه مقدم البرامج في محطة CNN تشارلز غلاس في واقعة التعذيب، هذه، علم من ديبلوماسيين، سابقين وحاليين، أن مسؤولي القنصلية الأميركية لدى إسرائيل لا يتّبعون الإجراءات التي وضعتها وزارة الخارجية، عندما تنتهك حقوق مواطني الولاياتالمتحدة، ولا يلحّون على وجوب أن تلتزم الحكومة الإسرائيلية بالقواعد الإنسانية نفسها التي تطالب واشنطن البلدان الأخرى باحترامها بإصرار. وسأل غلاس محمّداً عن مشاعره خلال احتجازه عندما قرأ على القيدين اللذين غلَّلا معصميه عبارة: "صنع في الولاياتالمتحدة الأميركية"، فأجاب قائلاً: "أحسست بأنني تعرَّضت للخيانة". لا يبدو أنَّ الاضطهاد الذي تمارسه أجهزة الدولة في إسرائيل ضد الفلسطينيين والعرب الآخرين، قد خف" كما لم تتلاش صورة الإرهاب الإسلامي، المزيَّفة، التي تبقى موجودة بقوة في مبنى الكابيتول" وتبقى موضوعاً متكرّراً في هوليوود. فعلى لسان بعض أعلى المقامات الرسمية في البلاد، في أحاديث تدور خلال رحلات جوية، يتدفق سيل مدمر من عبارات الانحياز ضد المسلمين. ... خلال أيام من بداية القرن الحادي والعشرين، اختارت ليلى المرياطي كلمات كئيبة لتستعرض "فيضان الكآبة" الذي يؤلم مسلمي الولاياتالمتحدة: "تهديدات الإرهاب الألفي الصادرة عن المتطرفين الإسلاميين الجزائريين" وطائرة تهوي بغموض إلى البحر، مع كلمات معروفة مستقاة من الصلاة الإسلامية، يتم تسجيلها في اللحظات الأخيرة من طيرانها" وطائرة أخرى يخطفها مسلحون كشميريون" وأسلحة الدمار الشامل التي تستخدم ضد المسلمين الشيشانيين. إنها قائمة معروفة جيّداً. إنه بالتأكيد موسم الإحباط والكآبة في المجتمع المسلم، المجتمع الذي رُوِّع بأعمال العنف التي استهدفت المدنيين الأبرياء، والخائف بالدرجة نفسها من ردود فعل غير عقلانية، يمكن أن تعقب مثل هذه الحوادث"30. أما محمد البنداري، فيعلن أن "المسلمين الأميركيين قلقون إزاء تهديد الإرهاب، تماماً، كأقرانهم الأميركيين"31. وعلى خلفية هذا المشهد الكئيب، يرتفع صوت العقل وحيداً وقوياً. إنه صوت ديفيد ووترز الكاتب الديني في نشرة "Commercial Appeal" التي تصدر في ممفيس، بولاية تينيسي. فهو يقدّم تقويماً يدعو إلى الارتياح، فيقول: "عندما نفكّر بالإسلام، في هذه البلاد، نميل إلى تخيّل صور العنف التي تسوقها وسائل الإعلام. ففي استطلاع رأي أجري، حديثاً، تبين أن أكثر من نصف الناس، المستطلَعة آراؤهم، اعتقدوا خطأً أن الإسلام يؤيّد الإرهاب. إن جوهر المسيحية هو السلام والعدل والرحمة" وكذلك هو جوهر الإسلام. ولذا، ليس هناك شيء اسمه إرهابي مسلم، ولا إرهابي مسيحي أو حتى إرهابي يهودي"32. هوامش 1USA Today, 8-16-1999, p.1. 2 Rocky Mountain News, 5-12-2000 Denver. 3 3 CAIR e-mail, 6-22-2000. 4 Chicago Tribune, 6-29-2000, pp. 1-2. 5 Chicago Tribune, 6-30-2000. 6 State Journal-Register, 9-29-2000 Springfield, IL., p. 10; and Chicago Tribune, 10-1-2000, p. 5P, sect. 16. 7 Chicago Tribune, 7-17-2000, 1, 12. 8 Chicago Tribune, 7-17-2000, p. 12. 9 Los Angeles Herald Examiner, 2-26-1989, p. G-1. 10 Los Angeles Times, 11-9-2000. 11 Ralph Braibanti, The Nature and Structure of the Islamic World, p. 7. 12 Wall Street Journal, 10-4-1984. 13 _A Devil Theory of Islam_, The Nation Magazine 8-96. 14 Los Angeles Herald-Examiner, 2-26-1989, p. G-1. 15 UASR Publishing Group, 1999. 16 The Jewish Monthly, 3-95. 17 Senate Judiciary Committee Report, 4-27-1995. 18 WSJ, 6-25-1993. 19 San Diego Union Tribune, 6-8-1993. 20 CNN, 4-20-1995. 21 Ahmed Yousef, The Agent, p. 56. 22 New York Times, 11-24-1999. 23 1998 CAIR report on harassment. 24 MSNBC web page, 12-30-1999. 25 New York Times, 11-24-1999. 26 People, 5-8-2000, p. 28. 27 Department of State, Patterns of Global Terrorism 1999. 28 E-mail, 11-28-2000. 29 Interview, 7-20-2000. 30 Religious News Service, 1-6-2000. 31 MSNBC web page, 12-30-1999. 32 Memphis Commercial Appeal, 8-30-1996.