تظهر كل استطلاعات الرأي أن الناخبين المسلمين، وعددهم 2.3 ملايين صوتوا كتلة واحدة إلى جانب بوش، بعدما تبين لهم أن آل غور أكثر تطرفاً في ميوله الإسرائيلية، وبعدما "وعدهم" بوش بإلغاء "اللائحة السرية" للمسافرين، ويتخذها رجال الأمن في المطارات حجة لممارسة مضايقات عنصرية ضد المسلمين والعرب. صنع المسلمون تاريخاً سياسيّاً خلال الحملة الانتخابية الرئاسية عام 2000. وكنت، بفضلٍ من علاقات صداقة طويلة الأمد، وبحكم الواقع، شاهداً على ما كان يُتّخذ من خطوات رئيسية في اتّجاه النضوج السياسي. وبرز ستة زعماء، التقيتهم قبل سنين طويلة، هندسوا لهذا النجاح. كان آغا سعيد، عندما التقينا للمرة الأولى سنة 1985، بدأ بالفعل يرسم في ذهنه صورة التنظيم السياسي الإسلامي، "اتّحاد الأميركيين المسلمين" AMA الذي أسسه في ما بعد. وفي السنة نفسها، تسنى لي لقاء خاطف، مع سلام المرياطي، الذي أصبح في ما بعد مديراً لمجلس الشؤون العامة الإسلامية MPAC. وبعد تسع سنوات، وفي واشنطن، تعرّفت إلى نهاد عواد وإبراهيم هوبر، بعد بضعة أشهر، فقط، من إنشائهما مجلس العلاقات الأميركية الإسلامية CAIR. والتقيت عمر أحمد، رئيس مجلس الإدارة الوطني، للمرة الأولى، في تموز يوليو 1997، عندما شاركت في مؤتمر نظّمه آغا سعيد، في سانت لويس. أما معرفتي بيحيا م. باشا رئيس مجلس الأميركيين المسلمين AMC، فلم تبدأ إلا في عام 2000، إلا أنني كنت على معرفة بعمل مجلس الأميركيين المسلمين، الطليعي في الجهاد السياسي منذ 1990، تلك المساعي التي قام بها مديره التنفيذي الأول عبدالرحمن العمودي، تابعها منذ 1998، خليفته علي ر. أبو زعقوق. شكّل هؤلاء الرجال فريقاً مهيباً. فعواد، والمرياطي، وأبو زعقوق، وهوبر، والعمودي، يعملون للقضيّة بدوام كامل. أما الآخرون فيكرسون لها ساعات كثيرة، لكنّهم يكسبون رزقهم من المهن التي يحترفونها: سعيد من التعليم، وباشا وماهر حتحوت، المنتمي إلى مجلس الشؤون العامة الإسلامية، من الطب، وأحمد من التكنولوجيا. وعندما أفكر بسعيد والعمودي وعوّاد وهوبر، ترد إلى ذهني كلمة "اندفاع"، فهم يبدون في حركة دائمة، لا يستكينون. ومنذ أول نقاش أجريته مع سعيد، في شقّته الطالبية الصغيرة، في بيركلي، لم أجده يوماً منقطعاً عن هدفه الداعي إلى انخراط المسلمين في العمل السياسي. ووجدت العزم نفسه في عواد. ففي لحظة من لحظاته النادرة المسترخية التأملية، قال لي: "قررت تكريس نفسي لهذه القضية". وربّما كان أحمد وأبو زعقوق وهوبر عبّروا عن الشيء عينه لأنفسهم، إذا لم يكونوا قد عبّروا للآخرين. وهوبر كاتب جدّي وماهر، منصرف كلّيا إلى مهمة التواصل. أما المرياطي، فيعمل بطريقة أكثر استرخاءً ولا يقتصر عمله على الوسط الإسلامي، بل يتجاوزه إلى مجال العلاقات بين الأديان. وفي حملة عام 2000، تشابكت مواهبهم تشابكاً تامّاً، فأنشأوا اتّحاداً بدعم من أفراد في منظماتهم، وأصبحوا يشكّلون قوة سياسية مؤثرة. وإليهم تُعزى، إلى حد بعيد، كتابة أهم الفصول في التاريخ السياسي الحديث. ومع بدء حملة الانتخابات الرئاسية، كان مسلمو الولاياتالمتحدة مستعدين للزعامة السياسية. ودخلوا الساحة الحزبية، وهم جادّون بما يُقْدمون عليه، نظراً إلى القلق الذي كان يساورهم نتيجة تحديات حقوقهم المدنية في الداخل، ولا سيما مسألة استخدام الأدلّة السرّية في جلسات الاستماع إلى الشهادات في قضايا الترحيل وفتح الملفات الشخصية في المطارات، ونتيجة تهديدات مصالح المسلمين في الشرق الأوسط. وكان للقلق العميق على مستقبل الأراضي المقدسة، لا سيما القدس، تأثيره الشديد. فبعد الاتّجاه الأوّلي لدعم ترشيح نائب الرئيس آل غور، تحوّلوا بقوة صوب الحاكم جورج و. بوش. وأعتقد أنّهم تخلّوا عن غور أساساً بسبب ارتباطه الشديد بإسرائيل، ولا سيما بسبب قبوله القدس غير المقسّمة عاصمة لها وحدها، ودعمه المتحفّظ، لكن الواضح، لنقل مقرّ السفارة الأميركية من تل أبيب إلى القدس. وعلى رغم تأييد المسلمين عدد من السياسات الداخلية التي ينادي بها غور، فقد كان لديهم أولويات أسمى. وعلّقوا آمالهم، وإن كانت واهية، على جورج بوش، لانتهاج سياسات أميركية في الشرق الأوسط، منصفة للعرب وللإسرائيليين أيضاً. استاؤوا من فشل إدارة كلينتون - غور، وسابقاتها من الإدارات الديموقراطية والجمهورية على السواء، في إبداء معارضة حازمة لمطالبة إسرائيل بكامل القدس. إنَّ نقل السفارة الأميركية سيعني في نظر المسلمين موافقة واشنطن الرسمية على مطالبة إسرائيل بالمدينة المقدسة، وهي مطالبة تشكّل انتهاكاً لقرار الأممالمتحدة الذي يمنع اكتساب الأراضي بالقوّة، وتشكل سابقة لدول أخرى، لا يُؤْمن جانبها، تستغلّها لاكتساب الأرض بالقوة من جاراتها الأضعف.1 وأكّد غور تعلّقه بإسرائيل، عندما سئل: ماذا سيفعل كرئيس إذا أعلن الفلسطينيون دولتهم من خارج عملية السلام، فأجاب: "سأتشاور مع حكومة إسرائيل لأرى ما هو الردّ الذي سيكون أكثر إفادة لإسرائيل"2. وغالباً ما أعرب المسلمون، في أحاديثهم في السنوات الأخيرة، عن استيائهم الشديد من الإذعان الذي اتّسم به موقف الإدارة الأميركية، حيال سلسلة تطورات يعتبرونها مؤذية، ومن أهمها: - ضم إسرائيل القدسالشرقية. - معاملتها الوحشية للفلسطينيين الذين يعيشون في الأراضي المحتلة. - سياساتها المنحازة التي أدت إلى زيادة مطّردة في عدد اليهود المقيمين في القدسالشرقية، وفي المستوطنات اليهودية في الضفة الغربية وقطاع غزة. - استمرار الغارات الجوية الأميركية والعقوبات الاقتصادية ضد العراق. قبل شهر من الانتخابات الرئاسية، كان المسلمون الأميركيون قلقين، بسبب زيارة الحرم الشريف، الذائعة الصيت التي قام بها ارييل شارون، الذي كان موضع تعنيف الحكومة الإسرائيلية، لدوره في مذبحة مخيمي اللاجئين في صبرا وشاتيلا في بيروت عام 1982، تلك المذبحة التي راح ضحيتها زهاء ألفي فلسطيني. فتلك الزيارة للحرم القدسي الإسلامي التي قام بها شارون، اعتُبرت استفزازاً مقصوداً. ومع أعمال العنف المتزايدة التي أعقبت الزيارة، أصبح من الواضح للمسلمين الأميركيين أن مصير أماكنهم المقدسة في مدينة القدس مرتبطٌ ارتباطاً لا ينفصم بمستقبل الفلسطينيين الذين يعيشون هناك. وأثار العنف تعليقات قاسية معادية للعرب وللمسلمين في الولاياتالمتحدة. وبدا هناك شبه إجماع في الصحف على لوم الفلسطينيين. ونقلت صحيفة "فيرجينيان بايلوت" في عددها الصادر في 13 تشرين الأول اكتوبر عن وزير التربية السابق، وليام بينت، المعروف بآرائه الرصينة، قوله: "ليست هناك مساواة أخلاقية بين الفلسطينيين وإسرائيل. فالفلسطينيون أمة عنف وإرهاب، وإسرائيل أمة ديموقراطية وسلام". وفي اليوم نفسه، نقلت وكالة "أسوشيتد برس" عن فرانكلين غراهام، نائب رئيس جمعية بيلي غراهام الإنجيلية، وابن الإنجيلي الذائع الصيت بيلي غراهام، قوله: "لن يسعد العرب إلا بموت جميع اليهود... فهم كلهم يكرهون اليهود. الله أعطى اليهود هذه الأرض، والعرب لن يقبلوا ذلك أبداً. لماذا لا يمكنهم العيش بسلام؟". أما المعلّق النقابي في صحيفة "لوس أنجليس تايمز"، كال توماس، فقد انحطّ إلى درك أدنى عندما وصف الإسلام ب"القاتل"، ورأى أنه يشكل "تهديداً في الحاضر والمستقبل القريب". وكتب المعلق في صحيفة نيويورك بوست رود دريهر يقول: "إننا مدينون بولائنا لإسرائيل، بوصفها المخفر الأمامي للغرب في تلك الصحراء المتوحّشة والحمقاء... فالإسرائيليون، مهما تكن عيوبهم، يقاتلون عنّا وعن حضارتنا". وفي اليوم نفسه، وصف دون أيموس من MSNBC ياسر عرفات ب"الرأس الأشبه بفوطة الصحون".3 وفي استثناء نادر لهذا الشتم، نرى تشارلي ريس، أحد المعلقين الأميركيين القلائل الذين يكتبون بنزاهة عن التواطؤ الأميركي في الإساءة الإسرائيلية إلى الفلسطينيين، نراه يعنّف واشنطن الرسمية فيقول: "يمكن للسياسيين الأميركيين أن يخدموا أميركا بصورة أفضل، لو أنهم، بكل بساطة، كانوا يعتمدون الصدق. فكل ما عليهم قوله هو: "انظروا، إن عدد الناخبين المسلمين قليل في دائرتي الانتخابية، ولهذا، ولأسبابي الأنانية أدعم إسرائيل، أخطأت أو أصابت". وهذا أفضل بكثير من وضع اللوم على الضحيّة، وجعل الولاياتالمتحدة تبدو سخيفة ومنافقة في نظر العالم. فشعوب العالم كله تعرف حسابات السياسة الأميركية، لكن الغضب يتملّكهم عندما يحاول السياسيون الأميركيون تغطية متاجرتهم بالأصوات الانتخابية بوضع اللوم على ناس أبرياء".4 في خلال تجمع جماهيري سابق للانتخابات، أقيم، من أجل القدس، في بارك لافاييت قبالة البيت الأبيض، استمع أكثر من عشرة آلاف مسلم إلى سلسلة من الخطباء يناقشون مأزق الفلسطينيين وتهديدات المصالح الإسلامية الأخرى في الأراضي المقدسة. وكان التجمع برعاية فريق العمل الوطني للأزمة في القدس، وبدعم من 17 مجموعة وطنية إسلامية وعربية-أميركية في البلاد. ومن اللحظات المشرقة المتميزة بالشجاعة في برنامج ذاك الاجتماع الحاشد كانت تلك اللحظة التي تقدمت فيها مجموعة من الحاخامات اليهود من بروكلين، وسط تصفيق حماسي، إلى منصة الخطباء، لإظهار دعمهم لحقوق الإنسان الفلسطيني. ولأنهم يحترمون يوم السبت اليهودي، فقد منعتهم نذورهم من مخاطبة الجماهير، ذلك اليوم، لكنهم وقفوا بصمت على المنصة، فيما راح سيف عبدالرحمن يقرأ بيان التضامن والتعاطف الذي أعدّوه سلفاً، وجاء فيه: "إننا ندين أعمال إسرائيل في هذه الأسابيع الماضية. فالحق، في الوضع الراهن، هو كلّيّاً إلى جانب الشعب الفلسطيني. لقد طردوا من ديارهم والسيطرة السياسية على الأرض تعود لهم". ووزّع الخطباء اهتمامهم بين القلق على الفلسطينيين والخوف على مستقبل القدس. وكان مهدي براي، رئيس المجلس التنسيقي للمنظمات الإسلامية، وهو مجموعة تعنى بجماعات الطائفة في منطقة واشنطن، قد تقاسم إدارة البرنامج مع ممثلين عن المنظمات الراعية. وأعلن أبو زعقوق، من مجلس المسلمين الأميركيين: "ان القدس هي في قلب كل مسلم. وعلى إدارتنا أن تظهر الإنصاف لا التحيّز في الوساطة لإرساء السلام العادل".5 وشردت عن الموضوع اللاحزبي في مساهمتي في البرنامج بتركيزي على الانتخابات الرئاسية المقبلة. أشرت بيدي إلى البيت الأبيض الواقع على مسافة قريبة من الاجتماع الحاشد، وسألت: هل يريد المسلمون أن يكون رجل ملتزم التزاماً قويّاً بإسرائيل رئيساً تنفيذيّاً وقائداً أعلى للقوات المسلحة، خلال السنوات الأربع المقبلة، وهي فترة يمكن أن تُتخذ فيها قرارات أساسية تتعلق بمستقبل القدس، بل يمكن أن يجد الشرق الأوسط نفسه فيها متورّطاً في الحرب. وقلت لهم إنني طأطأت رأسي خجلاً، منذ ثلاثة أيام، لمّا علمت أن زملائي السابقين في مجلس النواب الأميركي وافقوا ب365 صوتاً مقابل 30، على قرار يدين ضحايا العنف الذي غمر إسرائيل والأراضي المحتلة في الشهر السابق، ولا يدين الجناة. فقد شجب القرار الفلسطينيين المحاصرين، والمسلّحين، في الأكثر، بالحجارة، وتعاطف مع إسرائيل التي كانت قوّاتها المزوّدة بأحدث التكنولوجيا قتلت، حتى ذلك الوقت، 154 فلسطينياً، وجرحت أكثر من سبعة آلاف آخرين، في حين أن مجموع القتلى الإسرائيليين لم يتجاوز الثمانية. وردّد القرار التحيّز الذي عبّرت عنه الرسالة التي رفعها 94 عضواً من مجلس الشيوخ الأميركي الى الرئيس كلينتون بتاريخ 12 تشرين الأول اكتوبر، وحضوه على "إدانة حملة العنف الفلسطينية"، و"التعبير عن التضامن الأميركي مع إسرائيل". وأثنت الرسالة على إسرائيل "لردّها المتّسم بضبط النفس"، وحضت كلينتون على ممارسة الضغط على زعيم منظمة التحرير الفلسطينية ياسر عرفات لوقف النزاع الأهلي. وخلال النقاش في مجلس النواب، تحدّث أربعة أعضاء شجعان معارضين للقرار، وهم الديموقراطيون جون دينغل عن ميتشغان، وجيم موران عن فرجينيا، ونك رحّال عن فرجينيا الغربية، والجمهورية دانا روهراباتشر عن كاليفورنيا. قال دينغل لزملائه: "إن على إسرائيل أن تدرك أن للفلسطينيين حقّاً مشروعاً في دولة مستقلة، وفي العودة إلى ديارهم، بالضبط، كما ينبغي للفلسطينيين أن يدركوا أن لإسرائيل الحق في الوجود، وأنّها تطلب السلامة والأمن... وأنا أتساءل لماذا فشل هذا التشريع، الذي يُنْحي باللوم فقط على الفلسطينيين، في شرح سبب غضب الفلسطينيين". وفي خلال التجمع من أجل القدس، أثار أحد المتكلمين، عن غير قصد، جدلاً في شأن الصور النمطية الإرهابية، الشائعة عن الإسلام. فقد قوبل عبدالرحمن العمودي، الذي يتزعّم، منذ أمد بعيد، مجلس الأميركيين المسلمين، بصيحات الدعم من الحضور، عندما سألهم عن شعورهم حيال "حزب الله" و"حماس". وأساء المراسلون الصحافيون، الذين كانوا يغطّون التجمّع، فهم ما جرى معتبرين إيّاه تعبيراً عن دعم إسلامي للإرهاب. وعندما عرف العمودي بتفسيرهم، احتجّ قائلاً: "لقد كان ذلك تعبيراً عن الدعم للجهود التي بذلتها المنظمتان ضد انتهاكات إسرائيل لحقوق الإنسان الفلسطيني والعربي. إن إسرائيل هي التي استخدمت الإرهاب ضد العرب، وليس العكس. أضف إلى ذلك أن الإرهاب والاستعباد انتهاك للإسلام". ودفع الجدل بمجلس الشؤون العامة الإسلامية MPAC إلى إصدار بيان يكرّر فيه "وقوفه ضد الإرهاب استناداً إلى قاعدة رفض الإسلام المطلق للعنف ضد المدنيين". وأكدت لجنته التنفيذية دعمها "الوسائل المشروعة والسياسية" لوضع حد للمعيار المزدوج الذي يستخدمه المسؤولون الأميركيون، في الرد على الأعمال الإرهابية، إذ قالت: "إن هذا المعيار المزدوج يغفل عن أعمال الإرهاب الإسرائيلية، حتى عندما تتورط القوات الإسرائيلية في انتهاكات فاضحة لحقوق الإنسان". واستنكر مجلس الشؤون العامة الإسلامية "محاولات اللوبي الموالي لإسرائيل تهميش دور المسلمين في السياسة الأميركية". وأضاف: "لقد أدّى هذا المجهود إلى حملات يائسة لقولبة صور نمطية، عن الجماعات الإسلامية، الممثلة للاتجاه السائد، وجعلها كبش محرقة". لكن رد الفعل الوطني كان، من الحدّة، بحيث أصدر العمودي بياناً اعتذر فيه عن "العبارات الانفعالية" التي "تم تأويلها على أنها دعم للإرهاب". وشعوراً منه بأن تغطية هذه الحادثة العرضية قد تجعل الصور النمطية عن الإسلام أكثر سوءاً، فقد طرح استقالته من منصبه، كمسؤول كبير في مجلس المسلمين الأميركيين، المنظمة التي ساهم في قيادتها طوال فترة وجودها، لكن قيادة المجلس رفضت الاستقالة6. وكانت الضجة الوطنية حول "حزب الله" و"حماس" أثارتها تقارير إخبارية أذيعت أو نشرت بعد انتهاء البرنامج. وكان التجمّع في أوائل الألفين، أظهرت استطلاعات الرأي أن الحزب الديموقراطي أكثر شعبية بين المسلمين من الحزب الجمهوري. ففي أواخر 1999، أظهر أحد هذه الاستطلاعات، الذي أجراه مجلس المسلمين الأميركيين، وشمل 844 شخصاً، أن الثلثين لا ينتمون إلى أي حزب سياسي. وكان الآخرون موزّعين، بشكل متقارب جدّاً، بين المرشحَين الجمهوري والديموقراطي. دُعي المسلمون الى التصويت، ككتلة، في انتخابات الرئاسة، وإلى الاتفاق، أيضاً، على مسألة القدس. ففي مقال افتتاحي، لعدد حزيران يونيو عام 2000، أعيدت طباعته على نطاق واسع، يقول ريتشارد ت. كورتيس المحرر التنفيذي لشؤون الشرق الأوسط في "واشنطن ريبورت"، المجلة نصف الشهرية: "يمكن للمسلمين من كل الخلفيات الإثنية، ومن كل الطبقات الاجتماعية الاتّفاق حول القدس". وربط مصير الفلسطينيين في الأراضي المقدسة بمأزق المسلمين الأميركيين بقوله: "سيكون من الصعب أكثر فأكثر أن يكون المرء مسلماً في الولاياتالمتحدة إلى أن تُحَلّ القضية الفلسطينية. فاللوبي الإسرائيلي، بسبب نفوذه غير المعقول في وسائل الإعلام، سيواصل تصوير جميع العرب وجميع المسلمين "إرهابيين" يجب تقييدهم واعتراضهم، والسخرية منهم، وحتى ترحيلهم من أجل "أمن" المجتمع غير الإسلامي". لكن كورتيس عثر على شعاع من الأمل، في السماء القاتمة، فقال: "إن حل القضية الفلسطينية… قد يأتي بفوائد فورية لكل من يريد تربية أولاده كمسلمين في الولاياتالمتحدة. فإسرائيل هي المسألة التي جعلت من الطائفة اليهودية الأميركية ذات الاتجاهات المتباينة طائفة موحّدة، وساهمت في تنمية قوّتها. ويمكن لسرقة وطن وطن الفلسطينيين وأماكن مقدسة إسلامية ومسيحية أن تكون بدورها ذلك العامل المؤثر على نحو مماثل، في المسلمين والعرب الأميركيين". وحض كورتيس المسلمين على التوحُّد وراء مرشّح واحد، عندما يصوتون، فقال: "إذا أظهر الناخبون المسلمون انضباطاً هذه السنة، في مثل هذه الانتخابات المتقاربة، وجعلوا طائفتهم تُقبل على الانتخاب، ثمّ صوتوا، ككتلة واحدة، وأعلنوا عن تصويتهم، فإن الولاياتالمتحدة لن تكون أبداً هي نفسها التي نعرفها اليوم. فسياساتها الشرق أوسطية ستصبح منصفة، للمرة الأولى، منذ إنشاء إسرائيل. وقد تتحرر السياسة الأميركية في جنوب آسيا من التأثير الحالي للتحالف الإسرائيلي - الهندي". وأعرب عن تفضيله الشخصي لبوش، لكنه قال إن عملية التصويت، ككتلة واحدة، أهم من هُوِيَّة المرشح الذي سيختار المسلمون دعمه. ولاحظ أن المسلمين، في حملة انتخابات 1996، فشلوا في إقامة كتلة انتخابية واحدة، دعماً لأحد المرشحين الرئاسيين، لكنهم نجحوا في سباقين لمجلس الشيوخ. فقد أثبت التصويت الإسلامي أنه حاسم في انتخاب ديموقراطيين لمجلس الشيوخ الأميركي هما: روبرت توريتشيللي من نيوجيرسي وتيم جونسون من داكوتا الشمالية. ففي بداية الحملة، لملء كرسي شاغر في نيوجيرسي، دعم المسلمون المرشح الجمهوري ريتشارد زيمر. لكن حين أعلن زيمر، القَلِقَ من رد الفعل اليهودية، أنه لم يطلب هذا الدعم، فقد دفع بأعضاء من مجلس المسلمين الأميركيين، فيما وصفه كورتيس بأنه "تحفة في التنظيم"، إلى تحويل دعمهم إلى توريتشيللي. وهذا الانتقال لأصوات المقترعين أمَّن لتوريتشيللي انتصاراً بهامش ضيق. وفي مناسبات عدة لاحقة، عزا، علناً، إلى المسلمين، الفضل بمنحه هامش الفوز. وفي السنة نفسها، ولمّا أيّد لاري برسلر السبناتور الجمهوري عن ولاية داكوتا الشمالية، تشريعاً يقضي بوقف المساعدة الأميركية لباكستان، البلد المسلم، أثار موقفه غضب المسلمين خارج الولاية. وعلى رغم كون المسلمين المستائين لا يستطيعون التصويت للديموقراطي تيم جونسون، فإنّهم زوّدوا حملته الانتخابية بأموال، ثبت أنها كانت عنصراً أساسيّاً في فوزه بفارق ضئيل على برسلر. ولاحظ كورتيس أن المسلمين موجودون، في موقع فريد، لممارسة نفوذ سياسي، على الصعيد الوطني: "قد يكون الحظ، أو العناية الإلهية، وذلك بحسب وجهة نظركم، هو الذي جعل معظم المسلمين ونسبة عالية من المسيحيين العرب الأميركيين يتجمّعون في مراكز المدن الرئيسية في ولايات قليلة جدّاً. إنها منطقة الولايات الثلاث حول مدينة نيويورك، بالإضافة إلى أوهايو وميتشغان وإيلينوي وكاليفورنيا. فالصوت المسلم، في حالة انتخابات متقاربة جدّاً، سيحدد، على الأرجح، المرشّح الذي سيفوز في هذه الولايات، إذا صوّت الناخبون المسلمون ككتلة واحدة". إن العامل الأهم من غيره بكثير، الذي دفع بالمسلمين للتصويت، كُتلةً واحدة، لبوش، هو وحدة ومثابرة زعماء منظمات السياسة العامة الإسلامية الرئيسية الأربع: اتحاد المسلمين الأميركيين AMA، ومجلس العلاقات الأميركية الإسلامية CAIR، ومجلس الأميركيين المسلمين AMC، ومجلس الشؤون العامة الإسلامية MPAC. وكان القائد الرائد لمجلس الأميركيين المسلمين عبدالرحمن العمودي، دعا المسلمين، في كانون الثاني ديسمبر 1998، إلى الوحدة، عندما كتب مقالة، جاء فيها: "ان الوقت حان لإنشاء مجلس تنسيقي للمنظمات الأميركية الإسلامية". وأسهب، في تلك المقالة، بشرح أفكار كان قد قدّمها إلى مؤتمر اتّحاد المسلمين الأميركيين عام 1997. 7 وفي أيار مايو 1998، أي قبل سنتين من حملة الانتخابات الرئاسية، أنشأت التنظيمات الأربعة مجلس التنسيق السياسي للمسلمين الأميركيين AMPCC، وشغل فيه الدكتور آغا سعيد، مؤسس وزعيم اتحاد المسلمين الأميركيين، منصب المنسّق الأول. .... وأصدر مجلس المسلمين الأميركيين، في مؤتمره السنوي الذي عقد بين 22 و25 حزيران يونيو في واشنطن، تعليمات إلى مندوبيه، تتعلق بمسائل الحملات والإجراءات وتسجيل الناخبين. كما وزع التعليمات على متطوعي الحملة، وطوّر لاحقاً قاعدة للناخبين المسلمين، ونشر المواقف التي يتبنّاها كل مرشح من المرشحين، ووضع هذه الوثائق كلّها في موقع المجلس على شبكة الإنترنت. وبلغت أنشطة تسجيل الناخبين ذروتها في 15 أيلول سبتمبر، الذي اختير ليكون يوم هاشم رضا لتسجيل الناخبين، إقراراً بالعمل الريادي لمدير مجلس الشؤون العامة الإسلامية، الذي كان تُوفّي قبل بضعة أشهر. وكان رضا ترأس، سابقاً، أول فرع لمجلس المسلمين الأميركيين في البلاد. ووُضعت لوائح تسجيل في المساجد، والمراكز الإسلامية، والمدارس في أنحاء البلاد.8 وكانت الخطوة الأكثر إثارة في اتجاه الوحدة الإسلامية، على مستوى الأمة، قد اتُخذت في المؤتمر السنوي للجمعية الإسلامية لأميركا الشمالية ISNA الذي عقد في مناسبة عيد العمل على مقربة من مطار أوهير في شيكاغو. فأعلن آغا سعيد، في نهاية مداخلته أمام جمهور يضم أكثر من عشرة آلاف مسلم، أن مجلس التنسيق السياسي للمسلمين الأميركيين قرر أن يضع جانباً كل مسائل الحملة الانتخابية، وأن يوصي بأن يصوت المسلمون، ككتلة واحدة، في الانتخابات الرئاسية. وقال إن المجلس، وبعد مقابلة المرشحين الرئيسيين، سيعلن توصياته في شأن الرئاسة، قبل أسبوعين من الانتخابات. واختتم سعيد مداخلته بأن دعا، إلى منصّة الخطابة، عمر أحمد ونهاد عوض من مجلس العلاقات الأميركية الإسلامية، وباشا وعلي أبو زعقوق من مجلس المسلمين الأميركيين. وبعدما أشار سعيد إلى أن مجلس الشؤون العامة الإسلامية تعهّد بدعم الخطوة، أقام الجمهور من مقاعده بإعلانه: "إننا لا نتقاتل. إننا متّحدون. وقبل أسبوعين من الانتخابات سنقرر جماعيّاً، ونصدر توصية بالمرشح الرئاسي". وسط صيحات الاستحسان من الجمهور، شبك الزعماء المسلمون أيديهم، ورفعوها عالياً، وهم يصيحون "سنحدث فرقاً!" وردّدوا هذا التعهّد وسط موجة بعد موجة من تجاوب الجمهور.9 وفي مؤتمر صحافي، عُقد في الثالث والعشرين من تشرين الأول اكتوبر، في واشنطن، أعلن مسؤولو مجلس التنسيق السياسي للمسلمين الأميركيين قرارهم دعم المرشح الجمهوري جورج بوش للرئاسة. وجاء ذلك بعد 18 يوماً من مقابلة مثمرة في ديترويت مع حاكم تكساس. وفي المؤتمر الصحافي، شرح سعيد أن "الحاكم بوش اتخذ مبادرة الاجتماع بالممثلين المحليين والوطنيين للطائفة الإسلامية. ووعد، أيضاً، بالتعاطي مع هموم الطائفة الإسلامية في قضايا السياسة الداخلية والخارجية". وأثنى باشا على بوش لوقوفه ضد "الأدلة السرّية وفتح الملفات في المطار".10 وقال مدير الاتصالات في مجلس العلاقات الأميركية الإسلامية إبراهيم هوبر، وعلم بأن غور ألغى موعداً مع قادة مجلس التنسيق السياسي للمسلمين الأميركيين: "إن العامل الأساسي كان قدرة وصول الزعماء المسلمين الى الحاكم". وأضاف: "انه أفضل رهان لنا لننتهي من قضية الأدلة السرية في جلسات الاستماع الخاصة بقضية الترحيل". والآخرون الذين تحدّثوا، خلال المؤتمر الصحافي، هم عمر أحمد ونهاد عوض من مجلس العلاقات الأميركية الإسلامية، وأبو زعقوق من مجلس الأميركيين المسلمين، وسلام المرياطي من مجلس الشؤون العامة الإسلامية، وإريك فيكرز من اتّحاد المسلمين الأميركيين. وحضر ممثلون عن الجمعية الإسلامية لأميركا الشمالية ISNA، والحلقة الإسلامية لأميركا الشمالية ICNA كمراقبين.11 ولم يكن المتحدثون باسم بوش أكثر دقة في الإفصاح عن مواقفه، لأن بوش نفسه لم يكن أكثر تحديداً بشأنها. وكان جانب كبير من تأييدهم له رفضاً لغور الذي بدا أنه غير متجاوب مع المصالح الإسلامية. ونقلت وسائل الإعلام الوطنية، على نطاق واسع، هذا التأييد، الذي وزّع أيضاً على المسلمين بالبريد الإلكتروني، وبواسطة إشعارات في المساجد والمراكز الإسلامية، وفي الخطب التي ألقاها الأئمّة في صلوات الجمعة التي سبقت الانتخابات. وتحوّل اثنان من المسؤولين الأوائل عن ولائهما المعروف للحزب الديموقراطي، حين دعما هذا القرار، وهما سعيد من اتحاد الأميركيين المسلمين، والمرياطي من مجلس الشؤون العامة الإسلامية. وبعد ثلاثة أيام من إعلان التأييد، عمد بوش الى التوسع بآرائه في فتح الملفات، وذلك في شريط فيديو زُوّد باشا به. وقال فيه بوش "إن المسافرين بالطائرة تعرّضوا للمضايقة والتأخير لمجرد انتمائهم الإثني. مثل هذا الاستخدام العشوائي لملفات الركاب عمل خاطئ، ويجب أن يتوقف. وبالطبع، فإن الأولوية المطلقة يجب أن تكون لأمن بلدنا وشعبنا، إلا أن هذا لا يبرّر أي تجاهل للعدالة والكرامة والحقوق المدنية".12 ما ان أعلن زعماء المسلمين تأييدهم لبوش، حتى أقدمت هيلاري رودهام كلينتون، زوجة الرئيس كلينتون، على إهانة المسلمين، بإعادتها ألف دولار إلى عبدالرحمن العمودي من مجلس المسلمين الأميركيين، وخمسين ألف دولار كان أعضاء في اتحاد المسلمين الأميركيين تبرّعوا بها لحملتها الانتخابية قبل ثلاثة أشهر. وأعلنت كلينتون عن إعادة المبلغين في 26 تشرين الأول اكتوبر، بعد ثلاثة أيام على إعلان مجلس التنسيق السياسي للمسلمين الأميركيين دعمه بوش. ومن الواضح أن كلينتون كانت تخشى رد فعل معاكسة، من العدد الكبير من سكان نيويورك اليهود، والمؤيدين لإسرائيل، ولهذا أعلنت تقول: "إنني أعارض بقوة مواقف هذه الجماعة اتّحاد الأميركيين المسلمين. إنّ كل قرش من الخمسين ألف دولار سيُعاد. واتّهمت المتبرّعين المسلمين أنهم أدلوا بتصريحات "معادية ومشينة". وقالت إن رئيس الاتحاد، آغا سعيد، يؤيد لجوء الفلسطينيين الى "المقاومة المسلحة" ضد إسرائيل. وقد تلقّت تصفيقاً فوريّاً من المنظمات اليهودية، لقرارها إعادة التبرّعات، لكن سعيد احتج: "أنا موال للفلسطينيين، لكنّني مستعد للتوصل إلى تسوية معقولة مع الإسرائيليين. وقلت أيضاً إنني أدعم العملية السلمية، وبأن الصراع في الشرق الأوسط سياسي وليس لاهوتيّاً. لكنّ أحداً لا يشير الى هذه الأمور". وقال سلام المرياطي إن "شعوراً بغيضاً ساوره" لمّا قرأ عن قرار كلينتون. وأضاف: "ان الأمر يتكرر. لقد نجح آغا سعيد في توحيد أصوات المسلمين، وفي تشكيل كتلة انتخابية للمرة الأولى. ولا عجب في أنه أصبح الآن مستهدفاً. إن هذا يحصل لأيّ واحد منا ينجح في إيجاد منفذ للمسلمين". وكتب دين ميرفي في "نيويورك تايمز"، يقول: "في وقت بدأ فيه مساعدو حملة السيدة كلينتون يعيدون نحو مِئة شكّ تلقَّتها من أعضاء اتّحاد المسلمين الأميركيين، تذكّر المسلمون في أنحاء البلاد مدى الصعوبة التي لا تزال تواجههم، في سعيهم لشق طريقهم إلى المعترك السياسي الأميركي. وكيف يمكن لملاحظات خلافية، في شأن أجزاء أخرى من العالم، أن تخرج عملية القبول بالمسلمين الأميركيين، هنا، عن خطّها. وهم يؤكّدون، أيضاً، أنّ وجهات النظر المتطرفة للمسلمين تحمل في طياتها، من الانعكاسات السلبيّة، على المسلمين الأميركيين، أكثر بكثير ممّا تحمل الملاحظات المتطرّفة المساندة لإسرائيل، من انعكاسات سلبية على اليهود الأميركيين".13 في النهاية، وفي تطوّر مفاجئ طرأ على الحملة الانتخابية، أيّد مسلمو نيويورك ترشيح كلينتون. فوجدوا في تكتيكات منافسها، النائب الجمهوري ريك لازيو، ما هو أكثر إهانةً من قرار كلينتون إعادة التبرعات.14 ففي إحدى المراحل، لجأ مؤيدو لازيو إلى حملة هاتفية مركّزة على اتهام كلينتون منظمات إسلامية أميركية أنها ترتبط بمجموعات تقف وراء تفجير المدمّرة الأميركية "كول" في اليمن، وهو الانفجار الذي أدى إلى مقتل 17 بحّاراً أميركيّاً. ووصف مراسل "واشنطن بوست" الاتصالات الهاتفية ب"الإباحية السياسية". وبعد انتظار دام أسبوعاً، نفى لازيو مسؤوليته عن الاتهامات، لكنّه وصف التبرّعات التي أعادتها كلينتون بأنها "أموال ملطّخة بالدماء". واتّهمها باستضافة مسلمين في المناسبات العامّة أو الاجتماعية في البيت الأبيض، وكأن في مثل هذه الضيافة شيئاً من الخطيئة.15 وعلى رغم قرار كلينتون إعادة الأموال، فإن المسلمين ساعدوها في إحراز فوز سهل بفارق 12 في المئة، في يوم الانتخاب. وكان هذا السباق حملة العام الانتخابية غير الرئاسية، والتي جرت متابعتها، عن كثب، أكثر من أي حملة أخرى في الأمة. واستنتج مجلس العلاقات الأميركية الإسلامية "أن جميع المرشحين الذين انشغلوا بمهاجمة المسلمين، بعنف، في حملاتهم الانتخابية، مُنُوا بالهزيمة".16 ويستحق مسلمو فلوريدا الاعتراف بفضلهم في تمهيد الطريق إلى البيت الأبيض، أمام جورج و. بوش، على رغم عدم اعتراف وسائل الإعلام الرئيسية بالأمر. فقد كان هامشه، في الإحصاء الرسمي للأصوات على مستوى البلاد، هامشاً بلغ من الضيق أنه كان من الممكن إيراد أيّ قوة من القوى، وأيّ عامل من العوامل، كعناصر مهمة، إن لم تكن حاسمة، في فوزه. لكن تأثير تصويت المسلمين، ككتلة، كان، في تقديري، يتفوّق على ما عداه. بدأ حاكم تكساس من نقطة متدنية، في ارتقائه الذي استغرق أحد عشر شهراً، حتى ظفر بالغالبية المسلمة الساحقة. و أرّخت ارتقاءه سلسلة من الدراسات الاستطلاعية. .... كان المسلمون، عموماً، خلال حملة الانتخابات الرئاسية، موضع تجاهل من المرشح الديموقراطي، نائب الرئيس آل غور وحلفائه. وعلى رغم إقبالهم شبه الإجماعي على الاقتراع لمصلحة بوش، فقد تلقّوا اهتماماً ضئيلاً نسبيّاً، خلال مسعى حاكم تكساس لالتماس أصوات الناخبين. أدلى بوش بتصريح تلفزيوني واحد أثار المسلمين، لكن أصداءه ترددت في أنحاء المجتمع الإسلامي. ففي خلال مناظرة رئاسية مع غور، قبل ثلاثة أسابيع من الانتخابات، انتقد بوش الحكومة بحدة لاستخدامها الأدلة السرّية في جلسات الاستماع الخاصة بترحيل المهاجرين. وندّد بالأدلة السرية باعتبارها مخالفة ل"النهج الأميركي"، وأعلن أنه "علينا أن نفعل شيئاً حيالها". وينظر المسلمون إلى الأدلة السرية المثيرة للجدل، بوصفها مسألة رئيسية، واعتبروا تصريح بوش بمثابة وعد بإجراءات تصحيحية إذا انتخب رئيساً. ويعتقد معظم المسلمين بأنهم الهدف الرئيسي للأدلة السرية. 17... كان المسلمون العامل السياسي الرئيسي الجديد في فلوريدا، التي حسمت أصواتَها الانتخابية الخمسة والعشرين في النهاية، نتيجةٌ واحدة كانت من أطول السباقات الرئاسية في التاريخ. وفي التصديق النهائي، فاز حاكم تكساس في فلوريدا، ففاز بالرئاسة، بأقل من ألف صوت. فقد استفاد بوش بإحرازه هذا الهامش الضيق، استفادة كبيرة من تصويت المسلمين ككتلة انتخابية. فمسلمو فلوريدا أمّنوا له هامشاً صافياً فاق الستين ألف صوت، أي ما يساوي هامش فوزه ستين ضعفاً. ولو لم يصوت المسلمون، ككتلة واحدة، لبوش، لما كان هناك طعن بنتائج ولاية فلوريدا. وفي ضوء الميل الإسلامي الطبيعي إلى المرشحين الديموقراطيين، فإن غور، في نظري، كان سيحقق فوزاً واضحاً على عدد من أصوات المسلمين يساوي تقريباً ما حصل عليه بوش، وكان سيحقق فوزاً واضحاً بعد إقفال صناديق الاقتراع بقليل. لو لم يصوَّت المسلمون لبوش، لما كان هناك جدال حول القوانين والإجراءات الانتخابية في فلوريدا، وجلسات الاستماع والأحكام في محاكم الولايات والمحاكم الفيديرالية، ومشاهد إعادة إحصاء الأصوات. ولكانت كلمة تشاد أي ذات الغمّازة، الحبلى وخلافهما كلمة تشير إلى اسم بلد صغير، لا يعرف عنه إلا قلة من الناس. .... في السابع من تشرين الثاني نوفمبر سنة 2000، أدى تصويت الأميركيين المسلمين، كتلةً واحدة، إلى إحداث تعديل رئيسي في المشهد السياسي الأميركي. وإذ يقوم الزعماء السياسيون بدراسة نتائج يوم الانتخابات، سيكون لهم إدراك جديد للجماعة المسلمة الأميركية، وسيجرون، بموجبه، تغييرات مهمة في تكتيكاتهم في الحملات الانتخابية المقبلة، لشغل معظم المناصب العامة، وليس فقط منصب الرئاسة. وفي خلال تلك السنة، ترشّح أكثر من سبعمئة مسلم، جمهوريين وديموقراطيين، لمناصب تراوح بين مندوبي مؤتمرات وأعضاء في لجان الدوائر الانتخابية إلى عضوية الهيئات التشريعية في الولايات والكونغرس. وفاز منهم 152 مرشحاً.18 وقد يكون المد الإسلامي أكبر في الحملات الانتخابية المقبلة إذا راعينا نسبة المواليد عند المسلمين التي تفوق المعدّل، والحماسة التي ستنشأ عن حالات النجاح التي حققوها في العام ألفين، واحتمال أن يكون الأفارقة الأميركيون ذَوِي شأن أكبر. كتب عناية لالاني: "في الماضي عندما كان المسلمون يسألون عن الساعة، كان الديموقراطيون يتهرَّبون من الجواب بمجرد أن يعلموا انتماءنا الديني. أما الجمهوريون فكانوا يتوقّفون ويقولون لنا كم الساعة، ثم يهربون. وبالنتيجة، وعلى رغم أن غرائزنا الطبيعية، كمهاجرين محرومين، تفضّل الديموقراطيين، فإنّنا كنّا نشمخ بأنوفنا، ونصوّت في الغالب للجمهوريين. وأعتقد أنه، على أثر نجاح تصويت المسلمين، ككتلة، ستتبدل الأمور بسرعة".19 هوامش 1 Interview with Agha Saeed, 12-10-2000. 2 Washington Report on Middle East Affairs, June 2000, p. 22-24. 3 MPAC bulletin, 11-7-2000; and CAIR bulletin, 10-18-2000. 4 Orlando Sentinel, 10-19-2000. 5 AMC release, 10-3-2000. 6 Interview with Abdurahman Alamoudi, 11-20-2000. 7 Washington Report on Middle East Affairs, January-February, p. 50. 8 Interview with Agha Saeed, 12-2-2000. 9 AMC release, 10-5-2000. 10 St. Petersburg Times, 10-24-2000; Los Angeles Times, 10-23-2000; AMA news release 10-23-2000. 11 AMC release, 10-26-2000. 12 New York Times, 10-27-2000. 13 USA Today, 10-26-2000. 14 Washington Post, 10-30-2000. 15 CAIR release, 12-7-2000. 16 CAIR Research, "American Muslims and the 2000 Elections_, 12-18-2000. 17 Ibid, 11-17-2000. 18 Interview with Agha Saeed, 12-1-2000. 19 E-mail, 12-22-2000.