مَن لا يعرف الممثل الشهير عمر الشريف أو ميشال شلهوب المصري الولادة اللبناني الأصل العالمي الشهرة؟ أرادت له أمه أن يكون عالِم رياضيات، وأراد له قدره أن يكون ممثلاً من الوزن العالمي. تزوّج فاتن حمامة فكرّسته ممثلاً مرموقاً وكان في العشرين من العمر. سارعت منافستها ماجدة للزواج من شاب لا يقل وسامة عن عُمر ولكنه أقل منه حظاً هو قائد السرب في سلاح الجو المصري إيهاب نافع. فاتن كانت متزوجة من المخرج المصري المعروف محمود ذو الفقار ولهما ابنة اسمها ناديا تطلّقت منه لتتزوج من عمر. وإيهاب كان متزوجاً من سيدة فاضلة وله منها ولد، طلّقها ليتزوّج من ماجدة. عاش عمر الشريف طفولته في مصر. وكان لوزنه الزائد في طفولته الدور الأساس في تغيير مجرى حياته. نقلته والدته من المدرسة الفرنسية الى مدرسة انكليزية داخلية، ظناً منها ان الطعام السيئ في المدرسة الانكليزية سيقلل من شهية عمر تجاه الطعام، فيخسر شيئاً من وزنه، إلا ان انتقال عمر الى مدرسة انكليزية واكتسابه اللغة الانكليزية فتحاً الطريق أمامه الى النجومية العالمية. يقول عمر انه نشأ في مصر في زمن رائع. زمن آخر الأربعينات وأوائل الخمسينات من القرن الماضي. الزمن الأمثل للعيش الحلو في مصر. نقل والده رجل الأعمال مركز عمله من مدينة الاسكندرية الى العاصمة القاهرة وكان هو في الرابعة من عمره. "كان لدينا المال وكل شيء نحتاج اليه". أدخلوني الى مدرسة فرنسية لأن والديّ كانا "فرانكوفونيين" وعندما بلغت سن العاشرة اكتسبت سمنة فائقة. كانت والدتي تعتقد ان ابنها سيكون عبقرياً ورجلاً مهماً جداً، بل الرجل الأكثر وسامة، ومهووسة بهذه الأفكار. وظنت ان افضل الطرق لتخليصه من وزنه الزائد إلحاقه بمدرسة انكليزية في القسم الداخلي لأن الطعام هناك سيئ ولا يغري ابنها بالتهامه. ويقول عمر انه تعلّم هناك اللغة الانكليزية وتعلّم التمثيل أيضاً، الأمر الذي خيّب أمل والدته التي توقّعت له أن يصبح عالِم رياضيات. "لقد أدّيت دوراً أساسياً في المدرسة وأحببت هذا الدور الى درجة انني ما زلت أذكره جيداً". يتابع عمر قوله ان أول فيلم تجاري مصري قام بتمثيله كان عام 1953 وكان عمره 21 سنة وأغرم ببطلة الفيلم الفنانة فاتن حمامة التي كانت فاتنة الجمال ومشهورة جداً في مصر. تزوّجا على الفور إذ لم يكن ممكناً في تلك الأيام الخروج سوياً، ولا الرقص الحميم. كان العُرف في مصر واضحاً "إذا وقعت في الحب فعليك بالزواج". هذا هو الخيار الوحيد. أمضينا سوياً وقتاً رائعاً، أقمنا في شقة تطل على النيل وكنا نجمي الأفلام المصرية. رزقنا بطفل رائع وكنا مقررين إنجاب المزيد من الأطفال، الى ان كان ذلك اليوم الذي تلقيت فيه مكالمة هاتفيه تقول ان "سام سبيغل" موجود في القاهرة. لم أكن أعلم بعد مَن هو سام سبيغل. فقالوا لي انه منتج فيلم "الجسر على نهر كواي"، وانه يرغب بمقابلتي. تقابلنا فعلاً فأخبرني انه سينتج فيلم "لورانس العرب" بطولة ديفيد لين الذي أكنّ له الكثير من الإعجاب. وقال لي انهما يرغبان الخروج الى الصحراء لإجراء تجارب للتصوير. سألته: ما هو دوري؟ فقال انه لا يعرف لأن الدور لم يُكتب بعد. تبين لي لاحقاً انه اختير للدور نفسه ممثل فرنسي ولكن ديفيد لين أصرّ على إسناد الدور الى ممثل عربي له عينان عربيتان سوداوان ويكون أكثر اقناعاً بدلاً من الفرنسي صاحب العينين الخضراوين. طلب الحصول على صور فوتوغرافية لعدد كبير من الممثلين العرب في حينه من مغاربة وجزائريين ومصريين. وأخيراً توقف عند صورتي وقال: الدور لهذا الفتى. إذا كان يتقن اللغة الانكليزية فأحضروه إليّ. أذكر انه كان عليّ لعب دورين للاختبار. أحدهما على طريقة أنطوني كوين واسلوبه، والثاني كان لقطة مع بيتر أوتول. وعدت الى القاهرة بعد أن قالا لي إنهما سيتصلان بي لاحقاً. اتصلا بي بعد شهر وطلبا سفري الى لندن لإجراء مفاوضات. أذكر انني قلت عندها: "يا إلهي كم يحرص هؤلاء الناس في اختيار الممثلين حتى في أصغر الأدوار". ذهبت الى لندن وقالوا لي: "أنت شخص محظوظ جداً. لقد حصلت على الدور وهو من أهم الأدوار الأساسية". قال لي ديفيد لين قبل حوالى شهر من انتهاء تصوير الفيلم: "أتعلم يا عمر انك ستصبح نجماً كبيراً عندما يعرض هذا الفيلم؟" ولكنني لم أصدقه وقلت لنفسي: لقد نجحت في اداء دور عربي يركب جملاً في هذا الفيلم. ولكنهم لن يعطوني فرصة أخرى. ولكن عندما تكون ممثلاً شاباً، فإن طموحاتك تكون كبيرة بأن تصبح نجماً وتحلم بهوليوود وجائزة الأوسكار بالطبع. لقد غيّر الفيلم مجرى حياتي كلياً وقد رشحت لنيل جائزة الأوسكار بين ليلة وضحاها، وأصبحت أنا وبيتر نجمين كبيرين وانقلبت حياتي رأساً على عقب. في الوقت نفسه وقّعت عقداً لمدة 7 سنوات مع شركة "كولومبيا" وأصبحت مرغماً على تمثيل كل الأفلام التي يطلبونها مني. كان عليّ مغادرة مصر والرحيل الى أميركا وانكلترا وفرنسا وأن أترك زوجتي وعائلتي في مصر. التقيت نساء كثيرات وأحطت بإغراءات هائلة من كل تلك النجمات الجميلات. وانتقلت من أجواء وثقافة حيث ترتدي الفتيات فساتين تغطي الجسد من أعلى العنق الى الكاحلين ولا تستطيع الخروج معهن أو حتى لمس أيديهن الى هوليوود - سادوم وعامورة - العصر الحديث. كانت زوجتي تعمل في مصر وأنا أعمل في الخارج ولم تتح لنا الفرصة للقاء. ولا يمكن أي زواج أن يصمد في مثل هذه الظروف. وأخيراً كان لا بد من الطلاق. وهكذا كان بعد 16 سنة زواج، لم يعد لديّ منزل. كان منزلي حقيبة الملابس، ولم يعد لديّ وقت للحب من جديد، أو حتى مشاريع لإنجاب أطفال آخرين، ولم تعد علاقاتي العابرة قادرة على الاستمرار لمدة طويلة وكافية. فكرت كثيراً في دوري بفيلم "لورانس العرب" وهل غيّر هذا الدور حياتي الى الأفضل أم الى الأسوأ! يمكنك الجدال ساعات وساعات ولكن لن تستطيع الوصول الى جواب نهائي. هل كان قيامي بالدور في الفيلم لمصلحتي؟ أو كان أفضل لي الاكتفاء ببقائي في القاهرة والمحافظة على العائلة والأولاد؟ مَن يعلم؟! عندما أنظر الآن الى الوراء أقول ان حياتي في القاهرة كانت عاطفية ونموذجية والوضع كان رائعاً ولا خطأ فيه، ولكنها كانت حياة عادية. ويختلف تصوّر ابن العشرين عاماً حول الأمور. يكون تقدير الانسان خاطئاً إذا نظر الى الخلف أو الى الأمام ليحكم من مكانه. فتفكير الانسان يتغير مع تغيّر الزمان والمكان. لا يمكنك وأنت ممثل في مصر أن ترفض عرضاً لفيلم كهذا. ستقبله تلقائياً. ليس لك خيار... لو لم أكن سميناً في طفولتي لكنت بقيت في مدرسة فرنسية، غير قادر على تكلّم الانكليزية وبالتالي ما كنت حصلت على الدور وهو ما فكرت به أخيراً.