أصدر مهرجان القاهرة السينمائي الدولي في دورته الحالية كتاب (وجوه عمر الشريف) الذي ألفه الكاتب المصري محمود قاسم وقدم فيه بانوراما شخصية وفنية للشريف منذ الطفولة حيث كان الملك فاروق يحل ضيفاً على الأسرة، وصولا إلى دخوله عالم التمثيل وزواجه من النجمة الراحلة فاتن حمامة ثم عمله خارج مصر، وكيف يرى نجوم التمثيل وفي مقدمتهم مارلون براندو وجيمس دين. يسجل الكاتب عن عمر الشريف أن النجم المصري "امتد به العمر حتى قدم كلّ ما يرغبه" من أدوار سينمائية طوال أكثر من 60 عاما، وأنه ظل محتفظا بجاذبيته كنموذج لرجل الشرق الوسيم المحاط بالشهرة والنساء والأضواء. ويعزو ذلك إلى موهبته وحضوره القوي وقدرته على الإقناع "وتنوع وجوهه" في أدوار تتباين من الشاب الساذج إلى العاشق الوسيم والأمير والملك والثائر والمقامر والخارج على القانون و(الأراجوز) وهي وجوه تنطق بعدة لغات وتحمل هويات مختلفة وتنتمي إلى عدة قوميات ولكنها "تحمل اسمه" في النهاية. والشريف الذي توفي في يوليو/ تموز الماضي - بعد إصابته بمرض الزهايمر في الفترة الأخيرة- غادر مصر نجماً في بداية الستينيات وعاد إليها نجماً في منتصف الثمانينيات وحظي بتقدير في أغلب العواصم السينمائية في العالم وخصوصا في الولاياتالمتحدة وفرنسا وايطاليا. ويحتفل مهرجان القاهرة السينمائي السابع والثلاثون بالشريف بعرض عدد من أشهر أفلامه ومنها (الأراجوز)، و(لورانس العرب)، و(دكتور زيفاجو)، و(مسيو إبراهيم ايه ليه فلير دو قورآن). وقاسم الذي ترجم وألف كتبا وأعد موسوعات عن الأدباء وكتاب السيناريو والأفلام والمخرجين والممثلين في السينما العربية يقسم الكتاب الذي يقع في 264 صفحة كبيرة القطع إلى قسمين.. أولهما وجوه الشريف في السينما المصرية مع مخرجين منهم يوسف شاهين وصلاح أبو سيف وكمال الشيخ وثانيهما وجوهه في السينما الأميركية والأوروبية. وقام الشريف ببطولة أفلام منها (فتاة مرحة)، و(سقوط الإمبراطورية الرومانية)، و(تشي)، و(المحارب 13). كما أدى دور القديس بطرس في الفيلم الإيطالي (القديس بطرس) عام 2005. ويجذب مؤلف الكتاب الانتباه إلى أن الشريف لم يقم بعمل سينمائي إلا التمثيل فلم يشغله الإخراج أو كتابة السيناريو أو الإنتاج "ربما مرة واحدة في فيلم كان سيقوم ببطولته هو (لا تطفئ الشمس)" الذي أخرجه صلاح أبو سيف عام 1961 وأنتجه الشريف وصديقه الممثل أحمد رمزي أحد أبطال الفيلم. ويقول المؤلف في كتابه - الذي يضم صورا فوتوغرافية للشريف في عدة مراحل بداية من صورة زفافه على حمامة في فبراير/ شباط 1955 ومع ابنهما طارق ومع بيتر أوتول - إن عمل الشريف مع مخرجين بقامة كل من البريطاني ديفيد لين والفرنسي هنري فرنوي والأميركي هنري ليفن والبولندي أندريه فايدا والايطالي فرانشيسكو روزي والألماني رولاند إيمريش لم يكن "مسألة حظ.. الكثير من هؤلاء بحثوا عنه أكثر من مرة للعمل معه." ويضم الكتاب قسماً ينقل فيه المؤلف أجزاء من سيرة الشريف التي أملاها على الصحفية الفرنسية ماري تيريز جينشار وصدرت في منتصف السبعينيات بعنوان (الرجل الخالد) وفيها استعراض لحياته منذ ولادته بمدينة الاسكندرية في 10 أبريل/ نيسان 1932 ثم انتقال الأسرة حين بلغ سن الرابعة للإقامة في فيلا في جاردن سيتي أرقى أحياء القاهرة آنذاك. ويقول إن زواجه من حمامة "نجمة مصر الأولى" ساعده ووضعه في بؤرة الأضواء ولكن عمله معها كان يضايقه ففي "أعماقي شيء دفين بأن شمسها تخسف وجودي" وإنه كان يتحرر كثيرا إذا عمل مع ممثلات أخريات وساعتها يشعر "فقط أني ملك نفسي. وأني البطل فعلاً". ويرصد الشريف بذكاء جانبا من نتائج ما يسميه المواجهة بين السينما والتلفزيون، والتي نجا منها قليلون في مقدمتهم مارلون براندو إذ "صنع ما لم يصنعه غيره.. فرض على هوليود بأسرها أسلوبه وعبارته وإشاراته وطريقة لبسه فكان المؤسس لمدرسة سبقت زمانها.. مارلون لا نظير له في السينما فهو مدرسة وحده. كلية. جامعة بأكملها." ويضيف أن براندو ترك تأثيره على غيره وأن "الجميع" حاولوا تقليده "حتى جيمس دين الذي بهر الجماهير في فترة، وكاد يصبح خاصة بعد وفاته المبكرة أسطورة إنما كان في الواقع يقلد مارلون براندو.. هو الأصل وجميعهم الصور." ولا يفوت الشريف قراءة السياق السياسي الذي يحكم صناعة السينما في هوليود.. فيقول إن آراء براندو السياسية المخالفة للاتجاه العام كادت في بعض الفترات "أن تقضي عليه سينمائيا. فليس يجدي الممثل إذا كان مجرد ممثل أن يعتنق آراء ومعتقدات تخالف ما درجت عليه الأغلبية في بلدان الصناعة السينمائية."