هو الروسي الدكتور جيفاغو، وهو الأمير العربي علي بن الحسين، وهو المناضل المصري الهارب في «في بيتنا رجل»، وهو الفتى الذي جاء به يوسف شاهين إلى الوادي ليقبّل فاتن حمامة وينتزعها في الحياة من زوجها عز الدين ذوالفقار، في «صراع في الوادي» ، وهو الإسكندراني الذي تخرّج من كلية فكتوريا، أسوة بالعاهل الأردني الراحل الملك حسين بن طلال وإدوارد سعيد وتوفيق صالح، وهو خبير لعبة «البريدج» في المحافل الدولية، وواحد من كبار النّجوم الذين تقمّصوا شخصية العاشق اللاتيني في أفلام لا تغيب عنها الشمس... لكنه أولاً وأخيراً ميشال شلهوب، الشامي ابن الشامي، الذي لن يعرفه العالم إلا باسمه، عمر الشريف. أمس، وضع المرض نهاية لمسار عمر الشريف في هذه الحياة الدنيا، بعد شهور قليلة على رحيل «المرأة الوحيدة التي أحببتها في حياتي»، فاتن حمامة، كما هَمَسَ ل «الحياة» قبل سنوات في الدوحة، حيث رافقناه لتقديم واحد من آخر أفلامه، الفرنسي «السيد إبراهيم وأزهار القرآن». يومها فتح عمر قلبه ولسانه ل «الحياة»، وحدّثنا عن أمور كثيرة، لكن الموت لم يكن واحداً من تلك الأمور، فالنجم السينمائي المصري- الشامي- العالمي واحد من الذين يعرفون أن الشعراء لا يموتون، وأن الممثلين الكبار من طينة ذاك الذي أبدع تحت إدارة يوسف شاهين ودافيد لين وهنري بركات وفرد زينمان ودزينة غيرهم من كبار مبدعي السينما العالمية، يبقون في الذاكرة وفي الأفلام ما بقيت ذاكرة وبقيت أفلام. عمر الشريف الذي لم يكن ثمة في طفولته الإسكندرانية ما يوحي بأنه سيصير «مشخصاتياً»، وفق تعبيره، وصل الى الشاشة الكبيرة صدفة، وإلى العالمية صدفة كذلك. معظم أمور حياته رتبتها له الصدفة، هكذا كان يقول. ولنضف نحن: صحيح أن الصدفة تلعب دورها في الوصول... لكن لا دور لها في البقاء بعد ذلك الوصول. ولئن كانت «نجومية» عمر المصرية والعالمية دامت كلّ تلك السنوات ليصبح واحدة من أساطير الفن السابع في القرن العشرين وما بعده، فإنما يعود هذا الى اشتغاله على نفسه، وإلى حبه لذلك الفن... كما الى ثقافته الواسعة ووسامته، التي أبقت له مظهر الشاب الأنيق الواثق من نفسه حتى بعدما تجاوز السبعين من عمره، هو الذي كان بلغ الثالثة والثمانين قبل شهور قليلة من رحيله. وبمقدار ما ارتبط اسم عمر الشريف بأفلام أميركية ومصرية وفرنسية وعالمية لعب بطولتها، وبمقدار ما لعب شخصيات رائعة في أفلام مثل «لورانس العرب» إلى جانب ذاك الذي بقي صديقاً له حتى النهاية، بيتر أوتول، أو «دكتور جيفاغو» الى جانب جولي كريستي التي لا تقل أسطوريتها عن أسطوريته، أو «فتاة مرحة» إلى جانب أسطورة التمثيل والغناء الأميركية باربرا سترايسند... من دون أن ننسى أدواره إلى جانب صوفيا لورين أو أنطوني كوين... ثم خاصة فاتن حمامة، امرأته وأم ابنه طارق، التي ربما أحس وهو يلفظ أنفاسه الأخيرة أنها تنتظره هناك، حيث حطت رحالها الى الأبد. وارتبط اسم عمر الشريف كذلك بأعداد لا تحصى من النساء، غير أنه لم يكفّ في سنواته الأخيرة عن تأكيد أن «ما الحب لديه إلا للحبيب الأول»... فاتن، التي كان نصف أحاديثه عنها فيما النصف الثاني يتوزع بين ابنه منها طارق وابنتها من «عز» ناديا، وأدواره التي لا تعد ولا تحصى، ومصر التي لم يفارقه حبها لحظة في حياته. أمس، رحل عمر الشريف عن عالمنا من دون أن يفوته أن تغضبه أحوالنا العربية، هو الذي -على عكس ما كان يشاع عنه- كان شديد الانشغال والحزن بما يحصل في الديار، التي بعدما ابتعد منها طويلاً خلال سنوات نجوميته العالمية عاد إليها مفعماً بالأمل والحنين، ليجد مصر غير مصر، والإسكندرية غير الإسكندرية والسينما غير السينما... ليجد كل الأحلام منهارة وأصحاب الأحلام «بيتخانقوا على مش عارف إيه!»، كما قال لنا يومها في الدوحة حائراً.