لا يخفي المسؤولون الاميركيون رغبتهم في التعاون مع روسيا في الحرب ضد الارهاب، لكن ما يترتب على هذا التعاون جعل البعض يحذر من ان مطالب روسيا ستفرض واقعاً جديداً لن يخدم المصالح الاميركية على المدى البعيد. أكثر من ذلك، يجد البعض في الادارة الاميركية صعوبة في هضم فكرة تعاون العدوين السابقين على الأرض الافغانية في حرب جديدة في هذا البلد. وقالت مصادر ديبلوماسية ان واشنطن لا تعتبر التعاون الروسي حيوياً لها، إلا أنها تريد ضمان أن لا تلعب موسكو دوراً سلبياً. كان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أعلن ان بلاده ستشرك الولاياتالمتحدة في ما لديها من معلومات استخباراتية وستفتح ممرات جوية لتسهيل نقل "الامدادات الانسانية" الى منطقة الحرب، وستوافق على استخدام واشنطن قواعد سوفياتية سابقة في آسيا الوسطى. بل اشار الى ان موسكو قد تضطلع بدور اكثر نشاطاً في مرحلة لاحقة، كما وجه انذاراً شديد اللهجة الى المتمردين الشيشان بإلقاء السلاح خلال 72 ساعة، وهو ما اعتبره مراقبون مؤشراً الى ان روسيا مقدمة على خطوات عسكرية واسعة المدى في الشيشان من دون ان تشعر بالقلق من ردود فعل سلبية ضدها في الغرب. وتعتبر مصادر اميركية ان الرئيس الروسي يحاول ان يحقق مكاسب وان يسجل نقاطاً على واشنطن. فموسكو ترى في إلحاق الهزيمة بطالبان تعزيزاً للموقف الروسي في آسيا الوسطى، وانه قد يمكّنها من استعادة نفوذها وتصفية المشكلة الشيشانية. ولموسكو أوراق عدة تلعبها: وجود أمني في افغانستان، ووجود سياسي في آسيا الوسطى، وقواعد عسكرية سوفياتية سابقة يمكن استخدامها كنقاط دعم لوجستي ونقاط انطلاق آمنة ضد "طالبان" أو لنقل القوات الى المناطق الخاضعة لتحالف الشمال داخل افغانستان. لكن الجانب الاميركي يخشى ان يولد ذلك اقتناعاً روسياً بأن الولاياتالمتحدة ستعترف عملياً بأن آسيا الوسطى "منطقة نفوذ روسية". لكنه يعترف بأن واشنطن لن تستطيع بناء قواتها في المنطقة ونقل المواد العسكرية الى مسرح العمليات من دون تعاون روسي. ويلاحظ تقرير صدر أمس عن هيئة "ستراتفور" للنظم والمعلومات ان واشنطن كانت غير مكترثة باهتمامات روسيا ومصالحها الاستراتيجية قبل هجوم 11 ايلول سبتمبر، لكن جهود واشنطن لمحاربة الارهاب الدولي تجبرها الآن على ان تأخذ هذه المصالح في الاعتبار، وهو ما يوفر من المنظور الروسي إطاراً ملائماً لتحقيق جملة من الاهداف: إعادة صوغ سياساتها الأمنية الداخلية والاقليمية واستعادة نفوذها أو بعضه خصوصاً في مناطق الخارج القريب. ويضيف التقرير ان بوتين سيحاول الربط بين سعي واشنطن الى تصفية الشبكات المالية لتنظيم القاعدة وبين سعيه هو الى تصفية نفوذ خصومه الداخليين، اذ خاض بوتين منذ تسلمه السلطة صراعاً ضد "اللوبي" المسيطر على الاعلام والشبكات المالية، ويستطيع الآن الاستفادة من المساعدة الاميركية لشن هجوم جديد على خصمه اللدود بيريزوفسكي عبر اتهامه بتمويل المتمردين الشيشان من جهة وتأكيد وجود علاقات تعاون عسكري بين هؤلاء وبين تنظيم "القاعدة". ولما كان هذا "اللوبي" هرّب بلايين الدولارات خارج روسيا، ففي وسع موسكو الآن ان تستفيد من الحملة الآخذة في التوسع ضد عمليات غسيل الاموال "لنزع احشاء هذه الفئة... وسيسهم هذا بلا شك في جذب الاستثمارات". وخلصت "كريستيان ساينس مونيتور" في تقرير طويل امس عن الموقف الروسي الجديد الى القول ان روسيا تسعى إلى الاستفادة من الاجواء السائدة التي توفرها الحملة الدولية ضد الارهاب، وذلك في محاولة منها لإعادة صوغ توجهاتها الاستراتيجية الاقليمية والدولية. وأول الاهداف الروسية هو انهاء حرب الشيشان على نحو يضمن ترسيخ السيطرة الروسية كاملة على هذا الاقليم. ويرتبط هذا بمحاولات روسيا الآن لممارسة ضغط على جورجيا كي توقف دعمها ل"الارهابيين الشيشان الذين تؤويهم في منطقة بانيسكي الوعرة، ولتقوم بتصفية قواعد الارهاب الدولي الموجودة على أراضيها، وتنضم الى الجبهة المشتركة للحرب ضد الارهاب بصورة عملية". ويقول تقرير أمني اميركي حصلت "الحياة" على نسخة منه ان بين أهداف موسكو حالياً وقف الانتقادات الغربية ضد سياساتها في الشيشان واعتبار المقاتلين الشيشان جزءاً من جبهة الارهاب العالمية. غير ان الفرص الواعدة اكثر من غيرها بالنسبة الى موسكو هي استعادة النفوذ في آسيا الوسطى المعروفة بثرواتها المعدنية وموقعها الاستراتيجي. وتوفر الهجمات المرتقبة على افغانستان فرصة نادرة لموسكو. فمن ناحية أمنية تبدو اوزبكستان مناسبة جداً، بما لديها من بنية تحتية قواعد جوية ولقربها من مناطق تحالف المعارضة في شمال افغانستان. وعلى رغم انه لا وجود عسكرياً لروسيا في اوزبكستان، إلا ان استخدام الاميركيين أراضيها سيتطلب تعاوناً روسياً. وفي حال احتاج الاميركيون قوات برية فإن طاجيكستان تبدو خياراً مناسباً ايضاً، وهذا يتطلب ايضاً تعاوناً وثيقاً مع روسيا. وتقول مصادر اميركية مطلعة ان موسكو ستحاول الضغط على واشنطن لتغيير موقفها من توسيع حلف الاطلسي شرقاً في مقابل التعاون السياسي الأمني والعسكري ضد الارهاب. وهذا ما يؤكده قسطنطين كوساخوف نائب رئيس لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الدوما، اذ قال: "على الاميركيين ان يدركوا الآن ان بعض سياساتهم كان يثير الانقسامات، وانه نفّر العديد من الحلفاء المهمين، بمن فيهم روسيا، الذين تحتاج اليهم واشنطن لاحتواء الارهاب". واضاف كوساخوف ان روسيا قد تسهم حتى عسكرياً وعلى نحو مباشر في عمليات ضد القواعد الارهابية في افغانستان اذا ما وفرت واشنطن بعض الحوافز. ويؤكد تقرير اميركي امكان حدوث ذلك اذ يقول: "قد تقوم روسيا بزيادة دعمها العسكري لتحالف الشمال في شكل امدادات عسكرية تنطلق من طاجيكستان".