سألتني يا ابنة الأشرعة: وأنت تعيشين الوطن مواطنة سعودية... وذكريات الصبا أسطورة دلمونية في صدفة لؤلؤة بحرينية... كيف ترين الوطن؟ كيف أرى الوطن؟ هل نرى الوطن بأعيننا فنعشقه اخضراراً فقط؟ قد تحرق الإخضرار الحروب أو سنوات الجدب... فهل ننكر الوطن عندها؟ قد يغادره الأحبة أو نغترب عنه جسداً... فهل ننكره عندها؟ قد نغترب عنه ونحن فيه... فهل ننكره ونعلن عليه الرفض؟ الوطن مذاق عذوبة في القلب رغم كل مرارات الحياة... الوطن شعور بالانتماء... ولذلك قد تتعدد مواقع الوطن والقلب يضمها كلها. كيف أرى الوطن؟ الوطن نراه بنبض القلب لا عبر العين فقط... أغمضت عيني أتلمس الوطن... أرض أحببتها هنا وهناك... حنّت على خطاي في الطفولة واحتضنني دفؤها في الشباب. نخيل تتمايل على شواطئ ناصعة النقاء تعيد همس الأساطير الغابرة... رمال سحرية تعكس بريق التبر ولمعان اللالئ... أمواج متراقصة الفرح... وسماء ترصعها النجوم... وأنا طفلة حالمة تنتشي بكل ذلك الوطن... تصغي مسحورة الى حكايات بطولات تقصها أمي في ليالي الصيف... عندها الوطن كان بسيطاً ومباشراً... وجوه حبيبة ملأت طفولتي حناناً... ووجهت حيوية شبابي الى المشاركة في البناء والإبداع... ورسّخت دعامات مستقبلي التحاماً بالأرض والناس... وجوه أجد نفسي في ابتساماتها... بعضها أمسى طيوفاً في ذاكرتي... وبعضها ما زالت ملامحه السمحة تعيد إليّ ذكريات الفرح... وأخرى بريئة الطفولة كلها تزرعني انتماء للماضي والمستقبل. اليوم الوطن أكبر من ذلك... هو حدود تملأني بالأمن والطمأنينة... أبوابي فيه مشرعة لا تعرف الخوف... واسعة لا تختنق بالغربة... أبعد عنه... تمتد بيني وبينه المسافات... ويظل يسكنني حنيناً الى دفئه وطمأنينته. الوطن... تاريخ ممتد من السلوكيات والأخلاقيات والبطولات العربية... كيان خارج كياني... استمد منه شعوراً هائلاً يتدفق بالاعتزاز والفخر... الوطن... هوية تجعل لإسمي معنى ووجود معنوي لوجودي المادي... أعرف من خلاله نفسي... امرأة عربية الزمن... جذورها تمتد بعيداً في عمق رمال الصحراء لتصل الى حقيقتها الخالدة في تلك الينابيع العميقة وذلك التاريخ المضيء. الوطن... ليس مجرد بقعة على خارطة العالم حدوداً ترسمها خطوط متغيّرة... وليس وثائق رسمية... أو بطاقات هوية تحدد حقوق من يحملها... الوطن في القلب... هوية حب وانتماء... صيغتنا الخاصة للزمن ماضٍ وحاضرٍ ومستقبل... عقيدة ومبدأ وإيمان... الوطن... لغة تتكلمها مشاعر الفؤاد مذابة في مفردات الكلام... الوطن التزامات أحمّلها نفسي... قبل أن يطالبني بها آخرون... الوطن... هو كل من أحب... وما أحب... وهو أنا حين أجد نفسي في الأرض... والآفاق... واللغة... والوجوه... زمناً لا ينتهي مستقبله. عيد يحتفل به القلب كل لحظة... كل يوم. فكل عام وأنت بحب يا وطني... هنا وهناك.