قبل شهرين من العمليات الإرهابية في نيويورك وواشنطن، أصدر سلمان رشدي روايته الثامنة "غيظ". بطلها أكاديمي من اصل هندي يترك عمله في كامبردج ويهاجر الى نيويورك ويسكن في مانهاتن. ومالك فولينكا اسم البطل خمسيني غني يميل دائماً الى الغضب فيجد نفسه في مدينة قائمة على الغضب ايضاً ويتخيل إمكان حدوث انفجارات في اي لحظة وأي زاوية. وفي حين تخسر اميركا ومعها العالم اموالاً لا تحصى نتيجة العمليات الإرهابية ومخططات الرد العسكري المكلف الذي لم يبدأ بعد، بدأ سلمان رشدي يحصد اموالاً من روايته التي وضع على غلافها صورة "امباير ستيت" بالأسود والأبيض، كرمز للمبنى التقليدي المرتفع في نيويورك قبل البرجين اللذين استهدفهما المفجرون. وسلمان رشدي، مثل بطل روايته الجديدة، غادر بريطانيا ليستقر في نيويورك قبل حوالى سنة، ليس كمغادرة الكرام، إذ قال إنه سعيد لترك لندن لأن اجواء أدبائها سيئة تضم اناساً سيئين، وهو ترك زوجته الثالثة مع ابنهما الصغير ليعيش في نيويورك مع عارضة ازياء شابة من أصل هندي. لكلام رشدي وقع الصدمة في بريطانيا، لذلك كادت المراجعات النقدية لروايته الجديدة تجتمع في موقف سلبي، مفاده ان لا عصب قصصياً في الرواية، وأنها عمل باهت ينقل حياة الكاتب الشخصية بطريقة شبه اوتوماتيكية. وانتظرت الصحافة انفجار مركز التجارة العالمي في نيويورك لتلتفت مجدداً الى رواية رشدي محاولة إنصافها واستعادة الكلام انه كاتب تجريبي جريء لا تزال كتابته مؤثرة بل مثيرة للعواطف في أغلب الأحيان، ووصل الأمر بأحد النقاد الى القول ان الوسط الأدبي البريطاني يريد الانتقام من رشدي وطعنه في الظهر، عبر النقد الأدبي بدل مناقشة موضوع شخصي هو مغادرة الكاتب الهندي الأصل لبلد أعطاه الكثير. لكن الحملة على رشدي وصلت الى فتح ملف الرواية الهندية المترجمة وتلك الموضوعة اصلاً بالإنكليزية، للقول بنمطية كتابات جيلين من الكتّاب كان رشدي أولهم ورائدهم و"الموديل" الذي ينسجون على منواله. وربما يكون فتح الملف هذا إيذاناً ببدء انصراف القارئ البريطاني عن روايات يكتبها هنود ليتجه الى روايات ينتجها كتّاب من حضارة أو حضارات اخرى. وربما يكون العرب، إذا احسنوا اختيار روايات وترجمتها ونشرها في لندن، قادرين على لعب دور البديل، والوصول الى خيال القارئ البريطاني وبالتالي الى قلبه وعقله... لعل ذلك يحدث. نيويورك نيويورك... يحصد سلمان رشدي اهتمام القراء المتجدد بها في عالم الإنكليزية فمن يحصد اهتمام القارئ العربي؟ أين من يستعيد ايام جبران ونعيمة والريحاني هناك وكتاباتهم عنها؟ وأين من يعيد كتابة عيش الجالية اللبنانية - السورية وصحفها وأدبها وصراعات ابنائها الطبقية والطائفية والشخصية في ظلال تمثال الحرية؟ إن للعرب في نيويورك بصمات اكثر مما تركت شعوب اخرى، لكننا ننسى وندفن ذاكرتنا في المهاجر كما في الأوطان. نيويورك عشق سلمان رشدي الذي لطخه دم المأساة. ونيويورك ذاكرة عرب اقاموا هناك واستمروا فلا يكتبون عن انفسهم ولا يستكتبون. ونيويورك تجربة ثقافة الاختلاط ومدينة الجرأة في التصوير قبل الجرأة في الكتابة، وليس منا من يصور او يستعيد صوراً، ومن يكتب أو يعيد نشر ما كتب... عن نيويورك.