للمرة الأولى يُترجم سلمان رشدي الى العربية بعد الفتوى التي أصدرها آية الله الخميني عام 1988 مهدراً دمه. ثلاث من رواياته ترجمت دفعة واحدة وصدرت معاً عن دار الجمل وهي: «أطفال منتصف الليل»، «العار» و «غضب». وان كانت الأولى ترجمت الى العربية وصدرت في دمشق قبل الفتوى فإن ترجمتها الجديدة تجلها في متناول القراء العرب لا سيما بعد اعلان ايران اسقاط الفتوى الخمينية. فهذه الرواية التي تعدّ من أهم أعمال رشدي الذي حظي بلقب «السير» البريطاني، عرفت رواجاً عالمياً كبيراً وتوجت بجوائز عدة منها «بوكر». هنا «بروفيل» لسلمان رشدي وقراءة في أعماله. لم يقدّم سلمان رشدي جديداً عندما جعل الإمبراطورية بعداً ثابتاً في بنيانه الروائي، إذ سبقه كتاب بريطانيون الى نسج التركيبة القصصية من بريطانيا وإمبراطوريتها. ولئن أصر رديارد كيبلنغ على أن «الشرق شرق والغرب غرب، وأبداً لن يلتقيا» وتحيز لحضارته «المتفوقة» والتخلف الشرقي «العضوي»، انتصر ج. م. فورستر للحضارات الأخرى التي ربطها بصحوة الجنس، والحياة، لدى الإنكليز، وتبنى نضالها ضد بلاده. صاغ رشدي عالمه من خليط القص المتعدد الطبقات في «ألف ليلة وليلة»، والواقعية السحرية، وتاريخ شبه القارة الهندية والعلاقة بين الشرق والغرب. رصد أحد أفضل الكتاب البريطانيين الشك المتبادل بين الحضارتين، وحمّل الغرب مسؤولية تبعات استعماره في الوقت الذي ثمّن الحريات والديمقراطية فيه، خصوصاً بعد أن أصدر آية الله الخميني فتوى بإهدار دمه بعد نشره «الآيات الشيطانية» في 1988. كتب روايته الأولى «غرايموس» عندما كان يعمل في الإعلان في لندن، وصدم بالمراجعات السلبية ونصيحة أحد النقاد الكاتب بالبحث عن مهنة أخرى غير الكتابة. حفظ الإساءة الى أن فاز بجائزة «بوكر» عن روايته الثانية «أطفال منتصف الليل» في 1981، ورد بانتقاد الجائزة والنقاد في أقل خطب «بوكر» لياقة على الإطلاق. عندما توجت الرواية نفسها في 1993 أفضل الأعمال الفائزة ب «بوكر» في ربع قرن عوّض بالقول ان الفوز مجدداً أفضل مديح ناله ككاتب. في 2008 اختار القراء «أطفال منتصف الليل» أفضل الأعمال الحائزة على «بوكر» في عامها الأربعين. استفاد من سبعمئة جنيه نالها في 1975 دفعة مقدمة عن كتابه «غرايموس» ليطوف الهند حيث دامت بعض رحلاته في الحافلة خمس عشرة ساعة. ولدت «أطفال منتصف الليل» من الرحلة التي وسّعت طموحه الروائي. أخذ شخصية سليم سيناي من رواية لم يكمل كتابتها، وجعلها مركز الأحداث وتوأماً للهند في ولادتها الاستقلالية ونموها. وإذ نظر رشدي الى خريطة الهند وجدها تشبه أنفاً كبيراً، فتكرم به على سليم وجعل أستاذ الجغرافيا يسخر من أنفه الذي يشبه شبه جزيرة ديكا. كان واحداً من ألف طفل وطفل ولدوا بقدرات خارقة في الساعة الأولى لإعلان استقلال الهند منتصف ليل الخامس عشر من آب (أغسطس) 1947. يولد سليم لأسرة هندوسية فقيرة ثمرة علاقة والدته برجل إنكليزي، لكن المربية المسيحية تستبدله بطفل أسرة مسلمة ثرية اعتقاداً منها انها توزع الثروة. يتمتع الطفل بقدرة التخاطر التي تمكنه من معرفة الحقيقة، في حين يوهب الطفل الآخر قوة فائقة جعلته بطل حرب وعدواً لسليم. استمد الشخصيات من أسرته وأصدقائه فقاطعه والده الذي درس في كمبريدج بينما رأت والدته الأمية «أنها مجرد قصة». تعمّد الإبهار اللغوي فأكثر من التلاعب اللفظي كالتورية والجناس الاستهلالي والإيقاع ومزج الإنكليزية الصحيحة بتلك المحكية في الهند. أقر الكاتب بدَيْنه للتراث القصصي الشعبي في الهند، ولكاتبين «هنديين» كبيرين هما جين أوستن وتشارلز ديكنز. الأولى لتصويرها نساء ذكيات، شبيهات بهنديات تعرفهن جيداً، كن سجينات عادات مجتمعهن، والثاني لرسمه مدينة كبيرة، متآكلة، تشبه بومباي التي ولد فيها، ولشخصياته الأكبر من الحياة وصوره السوريالية في خلفية مضبوطة ينمو فيها الهزلي والتخييلي في شكل عضوي. وفي حين قرأ الغرب «أطفال منتصف الليل» كفانتازيا، قال رشدي، رأتها الهند واقعية وتاريخية. يلقّب الرواية «الشكل المبتذل» لشمولها كل المستويات الثقافية والاجتماعية. في روايته الثالثة «عار» التي صدرت في 1983 انتقل رشدي من الهند الى باكستان التي دوّن تاريخها عبر شخصيتين استندتا الى ذو الفقار علي بوتو والجنرال محمد ضياء الحق وصعود أسرتيهما وهبوطهما. تلزم ثلاث شقيقات البيت بعد حمل إحداهن، ويتعاطين مع العالم بوضع أغراضهن خارج البيت ومبادلتها بالغذاء. تظهر على اثنتين منهن أعراض الحمل نفسها التي تعانيها الحامل الحقيقية، وعندما يولد عمر الخيام شاكيل تعامله النساء الثلاث كأنه ابن كل منهن. يحرصن على تربيته من دون أي إحساس بالعار، لكنه ينشأ كارهاً للنساء، محباً للملذات، ويتخصص طبيباً. يشكل رابطاً حاسماً بين الأسرتين عندما يلتقي صوفيا زنوبيا، ابنة حيدر (ضياء الحق) التي تمثل ذروة الخيبة والعار لأهلها بفعل جنسها وأصابتها بالتخلف العقلي. هذه هي الفتاة التي يتزوجها الخيام في رواية ليست عن تاريخ باكستان، بل خرافية عصرية. ردّ على الفتوى التي دامت تسعة أعوام برواية للأطفال شددت على التعبير الحر. تناولت «هارون وبحر القصص» قوى الشر التي تسمّم البحر لتقضي على القصص الجميلة وتأثيرها على الناس. ينقذ الطفل هارون البحر فيستعيد والده قدرته الآسرة على رواية الحكايات، ويمنح البلدة حياة جديدة بعد أن فقدت كل شيء. انتقل الى أميركا وتملقها عندما انتقد «الطعن وحب المحارم والعقلية الضيقة» في وسط لندن الأدبي. بعد إطلالة وطنه الجديد في «الأرض تحت قدميها» كانت «غضب» أول رواية أميركية شرعية. يستلهم حياته مجدداً للكتابة عن بروفسور في كمبريدج تحبطه الحياة الأكاديمية الضيقة والصراعات بين الزملاء، فيبدأ بصنع دمى فلسفية للبرامج التلفزيونية لا تلبث أن تستقل عنه بعد أن تدر عليه ثروة. يشعر أن الدمى الشيطانية تسممه، ويجد نفسه ذات ليلة يقف قرب زوجته النائمة وهو يحمل سكيناً. يخشى التهديد الذي يشكله غضبه المكبوت على أسرته فيترك زوجته الثالثة وابنه منها الى أميركا التي يريدها أن تلتهمه وتمنحه السلام. «اغسليني بفقدان الذاكرة واكسيني بجهلك القوي» يقول، لكن الغضب يصرخ حوله. سائقو التاكسي، أجهزة الإنذار، صفارات الشرطة والإسعاف، الموسيقى الهادرة وشاحنات النفايات التي تطوف المدينة مثل صراصير ضخمة. يفرط في الشرب ويشك في أنه القاتل عندما تظهر جثث نساء قتلن بكتلة إسمنت. يلتقي بامرأة صربية نابغة في الكومبيوتر ثم يهجرها الى نيلا الهندية الذكية الفائقة الجمال التي تخرج أفلاماً وثائقية. كان رشدي يومها في الخامسة والخمسين، وخضع لجراحة شد جفنيه قائلاً ان تهدلهما منعه من فتح عينيه والرؤية جيداً. صادق في أميركا عارضة أزياء هندية جميلة تدعى بادما فلقبتهما صحف شعبية «الجميلة والوحش»، وتساءلت عما يجذب الجميلات الى الرجال البشعين. «لم أوظف شيئاً في مظهري. بادما على الأقل كسبت رزقها من عرض الأزياء، أما أنا فلم أقل إطلاقاً انني أعتبر شكلي مهماً». غير أن شكل النساء يهمه بصراحة، ويؤسس لآرائه. لو تحرّش بيل كلينتون بشارون ستون ما كان تعرّض للإدانة، لكن مونيكا لوينسكي هي التي تسببت برد الفعل. كتب «شاليمار المهرج» التي كانت «قصة حب أولاً» أثناء علاقته وزواجه ببادما التي صغرته ستة وعشرين عاماً. تبدأ بموت سفير أميركا السابق الى الهند على عتبة بيت ابنته في لوس أنجليس. تأسر زوجة شاليمار الفاتنة السفير فيرتبطان بعلاقة لكنه لا يلبث أن يهجرها ويحتفظ بأنديا، طفلته منها، ويعود الى بلاده. يستدرج المتطرفون الإسلاميون شاليمار فيقتل السفير الثمانيني ويترك انديا (الهند) ضحية لا شرعيتها وهويتها المشوشة. تعود الى بلد والدتها وتتبنى اسم كشميرا الذي تتحول معه رمزاً وبياناً سياسياً، علماً ان الكاتب مسلم وكشميري الأصل وإن ولد في بومباي ثم درس وأقام في انكلترا. استخدم صيغته المعتادة في روايته الأخيرة «ساحرة فلورنسا» التي خالط التاريخ الخرافة فيها، وبلغت مراجعها نحو ثمانين. يحاول الملك أكبر، سليل الأتراك المسلمين الذين احتلوا الهند، توحيدها قبائل وأدياناً وأعراقاً، ويستكشف علاقة البشر بالدين الذي يمنعهم من تكوين نظامهم الأخلاقي بأنفسهم. يستقبل يوماً شاباً ايطالياً يخبره انهما قريبان عبر كارا كوز الفاتنة، فيستحضرها الملك لفرط رغبته فيها. تسحر هذه الرجال الأقوياء بمن فيهم شاه الفرس المغرور الذي لا يقر باستقلال جمالها الباهر وعجز الرجال عن امتلاكه. مع ذلك يعتمد وجودها على إرضائهم وإن امتلكت من السلطة ما يساوي سلطة ملك. تجاوزت صراحة رشدي الجنسية في هذه الرواية المستوى الذي بلغته في الأعمال السابقة، ويرى كثيرون بادما في كارا كوز. عندما طلبت بادما الطلاق مطلع العام 2007 شعر بأن قنبلة نووية سقطت في غرفة الجلوس. افتخر بقدرته على الانضباط، وجلس الى المكتب بعد هجرها ثماني ساعات يومياً لستة أسابيع لينتهي بثلاث صفحات. خاف من خسارة تركيزه لأنه عنى خسارة كل شيء، ثم بدا أن الرواية كتبت نفسها بنفسها، فشعر ان اراداته فاقت بقوتها تلك التي أبداها بعد الفتوى. منحته هذه شهرة فائقة وربطته بقضية التعبير الحر والعقاب التي وهبت كتاباً جائزة نوبل. لكنه يقول ان ارتباط اسمه بالسياسة أضر به ككاتب، ودفع البعض الى تصنيفه محافظاً هو المتمسك بالليبرالية. أثار الدهشة عندما قبل بلقب «فارس» وبات السير سلمان رشدي، لارتباط اللقب بالاستعمار والنظام الطبقي. يقول انه سر بنيل لقب حصل عليه وليم غولدينغ وكنزلي آميس ونيبول وبريتشت، ويفكر بكتابة جزء ثان ل «هارون وبحر القصص» وربما أيضاً رواية جاسوسية تأهل لها بعد تسعة أعوام من الحماية والأمن.