سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
"الحياة" تنشر رواية الأفغان اللبنانيين كما عرض لها القرار الاتهامي في قضية حوادث الضنية . اشترت المجموعة السلاح من بقاع الطفيلي ونهر البارد الفلسطيني وردت ب"الجهاد"و"الفتوح" على ملاحقة السلطة أحد عناصرها الحلقة الثالثة
بعد ان أشرف بسام الكنج، الطرابلسي والمقاتل السابق في أفغانستان، على تنظيم مجموعات مسلحيه، وترئيس "الأمراء" على المجموعات، والتنسيق بينه وبين "عصبة الأنصار" التي لجأ قائدها "أبو محجن" الى مخيم الفلسطينيين في عين الحلوة، انصرف الى إعداد المسلحين، في مخيمات تدريب بجرود الضنية الى شرق طرابلس، الى "الجهاد". وفي هذه المخيمات كانت أفغانستان هي المثال الذي ينبغي ان يقتدي به "المجاهدون" في توسيع "فتوحاتهم" الى حين اقامة "دولة شرع الله في الأرض". والمخيم أو أرضه، هو الفتح الأول في انتظار تقاطر المساعدة على المجاهدين من مصادر إسلامية أولها اسامة بن لادن. وشرط المساعدة ان يصمد المقاتلون شهراً، وأن يستولوا على سلاح الجيش الثقيل. فإذا صمدوا، واستولوا على عتاد العدو، على المثال الأفغاني كذلك، دخل المسلمون اللبنانيون، المضطهدون والملاحقون في اعقاب إلقاء متفجرات على بعض كنائس طرابلس وإقفال إذاعة إسلامية في المدينة في دولة "المجاهدين" وبايعوا أميرهم، "أبو عائشة"، على الخلافة. كان الهدف من تجميع الأفراد في مجموعات، ضبط عمل هؤلاء الأفراد، وتيسير الاتصال بهم وإبلاغهم، بواسطة رؤساء المجموعات، ما كان "ابو عائشة" يريد ابلاغهم اياه، وتوفير فرص تدريبهم وتدريسهم المواضيع الدينية والأمنية. وعلى هذا وزّع العناصر على المجموعات وفقاً لأماكن اقامتهم، ووفقاً لمستواهم الفكري والعلمي والديني، ولسهولة الاتصال بهم عند الضرورة... ودارت الموضوعات الأمنية على رصد التحركات، والهرب من المراقبة، والتقليل من الكلام إلا بمقدار الحاجة، وعدم التدخل مع الآخرين، وأمن الأفراد والمؤسسات والاتصالات والمواصلات، والتقصي والملاحقة، وتضليل التحقيق وتحليل المعلومات، والاعتقال، والاغتيالات، ومعاينة الأهداف، والتفتيش السري، وتنظيم محضر معلومات عن حادثة تحصل في الحي او الشارع الذي يقيم فيه احد العناصر ورفعه الى المسؤول عنه، والحرص على نقل المعلومات، وعدم المناقشة في الأوامر، وإطاعة رئيس المجموعة، وحفظ الأرقام المدوّنة على الهوية وعلى اوراق السيارة والصكوك والمستندات، ومحو ارقام السلاح وتخبئته في مكان قريب وبمتناول اليد وفي حال طمره يجب ان يكون عمق الحفرة متراً ونصف المتر، ومراعاة السرية التامة، لا سيما في ما يتعلق بالأسماء ولهذا كان كل عنصر يحمل لقباً يعرف به، وينادى به، وكان ممنوعاً على العناصر ان ينادي بعضهم بعضاً بأسمائهم الحقيقية، ولو كانت معروفة منهم، تحت طائلة تدابير تبدأ بالغرامة وتنتهي بالضرب او بالحبس، ويقررها أمير المجموعة. وفيما كانت اعمال التجنيد والتلقين الأمني والديني على قدم وساق، كان "ابو عائشة" ومعاونوه يتزوّدون بالأسلحة الحربية وذخائرها، ويهيئون لإقامة معسكرات التدريب. وصادر الجيش اللبناني من معسكر جرود الضنية ما يزيد عن عشرين رشاش كلاشنيكوف مع ذخائرها، وما يزيد عن اثنتي عشرة قطعة ب-7، وصاروخ ب-10، وصاروخين سام-7 المضاد للطائرات وستة صواريخ "لاو"، وألغاماً ضد الآليات، وألغاماً ضد الأفراد، وعدداً من بنادق "فال"، وعدداً مماثلاً من بنادق إم-16، وعدداً من رشاشات ب.ك.س.، ورشاشات 7/12، وقنابل يدوية، ومسدسات ومدافع هاون، وكمية من مادة ت.ن.ت، وكمية اخرى من مادة س-4، وصنوفاً من المتفجرات، ومناظير حربية، وبندقية مزوّدة بناضور يستعمل في اعمال القنص، وأسلحة اخرى مختلفة الأنواع والأعداد، اضافة الى بعض الألبسة العسكرية المختلفة. وفي الوقت نفسه، أعدّ "ابو عائشة" العدّة لإقامة معسكرات التدريب. فتوجه، في ربيع 1999، الى مكان في جرود الضنية، برفقة بعض اعوانه، ومكثوا يومين يستكشفون موقعاً لإقامة المخيم. ووجدوا بقعة اصبحت، في صيف العام 1999، ثم في شتاء ذلك العام، موقعاً للمعسكر الذي اقيم في ما بعد. المخيمات ... "الإسلامية" وبعد مخيم صيف 1999 طلب "ابو عائشة" من رؤساء المجموعات في الشمال وبيروت والبقاع، التحضر نفسياً للانتقال مع افراد مجموعتهم الى المخيم طوال اربعة ايام، وفق جدول نظمه، وراعى فيه ألا تختلط المجموعات بعضها ببعض، حفظاً للسرية. وراح رؤساء المجموعات في الشمال والبقاع وبيروت ينقلون عناصرهم تباعاً الى هذا المخيم، وفقاً للجدول الذي ابلغهم اياه "ابو عائشة". وكان النقل يتم على مرحلتين، وكذلك اعادة العناصر. ومارس المشاركون في المخيم أنشطة لم تقتصر على التدرب على السلاح الحربي والرماية. فكان التدريس الديني، والتمارين الرياضية مثل السير في الجبال الوعرة، من الأنشطة هذه. وكان بعض المشاركين يتمتعون بمواهب فنية او تقنية خاصة، ففي 1998 شاهد قاسم ضاهر علي الحموي، وهو يقوم بتصنيع آلة دقيقة تستعمل كجهاز انذار على السرقة، فسأله قاسم عما اذا كان يمكن استعمالها ساعة توقيتٍ للتفجير، وكان "ابو عائشة" طلب منه مثل هذه الساعة، فأجابه علي الحموي بالإيجاب. فطلب قاسم من علي صنع مثل هذه الآلة. فوافق علي، وكان يعلم ان الآلة هذه إنما تصنع لحساب "المجاهدين في طرابلس"، اي لحساب "ابو عائشة". وبالفعل قام علي الحموي يرافقه قاسم ضاهر بشراء ثلاث ساعات توقيت من محلات بوجكيان في الدورة، وأعاد علي تركيبها لتبدأ عملها بعد اربعين دقيقة بدلاً من عشر دقائق، وجرّبها امام قاسم ضاهر، ونجحت التجربة. فعهد قاسم ضاهر الى علي الحموي تصنيع واحدة مثلها. ثم اشترى الأدوات اللازمة لإعادة التصنيع من محلات نخلة الكترونيك، في زحلة، وصنع من الأدوات هذه سبعة عشر جهازاً صالحة للاستعمال. وتلقى انصار "ابو عائشة" دروساً في المتفجرات على المدعو عبدالباري لم تعرف هويته، وعلى أحد الأجنبيين، الملقب ب"محمد". وكانت هذه الدروس على ثلاث مراحل: الاولى، وتتناول كيفية صنع المتفجرات بالطرق البدائية مثل استخراجها من أسيد بطارية سيارة، أو روث حيوانات، او من المواد الكيماوية المتداولة في الاسواق، والدرس الثاني كان شرحاً مفصلاً لاجراءات الدرس الأول، الى اختبار اضافة مادة الأسيتون والأسيد على القطعة ثم تركها لتنشف، ووصلها بالنار واشتعالها، اما الدرس الثالث فكان في الانواع الاخرى من المتفجرات مثل البارود و"ت.ن.ت"، والمواد الحارقة مثل البنزين حول الفلين والمطاط لإعداد قنبلة المولوتوف. وبعد نزول محمد خالد ومجموعته من المخيم، ارسل اليه بسام الكنج ثلاث قطع ب.ك.س.، وقطعتي ر.ب.ج.، لتوزيعها على عناصر مجموعته، فتحصل كل منطقة على السلاح الذي تحتاج اليه، وتعدّ نفسها للقتال حين تدعى اليه. وبرر "ابو عائشة" دعوته العاجلة الى الجهاد في سبيل الله بأن المسلمين ضعفاء، ولا قوة تحميهم. وعليه يجب ان يكون العمل سرياً ولا يعرف المجاهدون معنى الجهاد إلا حين ينضوون تحت لواء الحركة. ووعد "أمير" الجماعة انصاره بمساندة العسكريين المسلمين في الجيش اللبناني لهم عند اعلان جهادهم. ولما لم يكن في ذهن انصار الجماعة نموذج دولة اسلامية قائمة يقتدون به، دعاهم المدرسون الى التفكير بالدولة الاسلامية التي كانت قائمة ايام الرسول والخلفاء الراشدين من بعده. فكان مخططهم يقضي، لو نجح ما كانوا يفكرون فيه ويعملون من اجله، ان يتم اعلان الدولة الاسلامية على الأرض التي يجري الاستيلاء عليها اولاً، ثم يتابعون الاستيلاء على الأراضي اللبنانية، فلا مناص من "الحل العسكري" لإقامة الدولة الاسلامية. فإذا اقتنع المسلمون بذلك صارت الدولة الاسلامية يسيرة عليهم. والمخيم، ومشهده، وسيلة من وسائل اقناع المشاركين فيه بأن دولة الاسلام سهلة المنال. وعرف المشاركون في المخيم انهم ليسوا وحدهم. فإلى اخوانهم الذين يقاتلون في الشيشان والبوسنة والهرسك، والذين ما زالوا في افغانستان وبيشاور، ويدعمونهم، فإنهم، اي عناصر المجموعة، يتلقون دعماً مادياً ومعنوياً من اسامة بن لادن. وينتظرون مجيء مجاهدين من افغانستان يساعدون المسلمين اللبنانيين على بناء دولة اسلامية. وفي تشرين الاول اكتوبر 1999، في اثناء المخيم الاخير، كلف "ابو عائشة" يحيى ميقاتي شراء مواد غذائية من محل فادي طيبا "عزيز". فسأله هذا عن السبب من شراء هذه الكمية الكبيرة، فأخبره يحيى ان شباناً ملتزمين يعدّون انفسهم للقيام بعمل ما، وأنهم يشترون السلاح لمواجهة الدولة. فهذه دأبها توقيف المسلمين، والملتزمين منهم خصوصاً، وهم عازمون على مواجهة الدولة اذا أوقفت احداً منهم. وفي اجتماعات المجموعات كانت تعرض شرائط فيديو تصوّر حرب الشيشان، وتبيّن مدى اضطهاد المسلمين في العالم، فتنفخ في المشاهدين روح الحماسة للاشتراك في التنظيم خوفاً من اضطهاد يحل فيهم. وربط "ابو عائشة" ربطاً قوياً بين مخيمه في جرود الضنية وبين إنشاء الدولة الاسلامية. فالمخيم السري هو الأرض الاولى المحررة. ويتم التوسع بواسطة الفتوحات. فيقام شرع الله في الأرض، اي دولة يحكمها المسلمون، ويكون القرآن والسنّة دستورها، وترفع الظلم والاضطهاد عن المسلمين، وآخر مظاهرهما اقفال الاذاعات الاسلامية. وإقامة مثل هذه الدولة تستوجب الجهاد، والعمل المسلح ضد النظام القائم، والجيش الذي يحمي هذا النظام. والعدد القليل كان المشاركون في المخيم الشتوي يعدّون 36 ليس حاجزاً، ولا يثبط الهمم. فالجهاد الأفغاني بدأ بخمسة اشخاص. والمخيم هو النواة الأولى لهذه الدولة الاسلامية. والصمود بوجه الجيش شهراً واحداً يستدعي المساعدة من كل مكان، كما حصل في افغانستان. اما السلاح الثقيل فيستولى عليه من الجيش بعد ارغامه على الاستسلام. وبعد الانتهاء من التدريب في المخيم الصيفي، في 1999، عاد العناصر والقادة الى طرابلس، وتابع كل منهم نشاطه اليومي، ومنه تلقي الدروس الدينية والأمنية. ووزع "ابو عائشة" على المجموعات اسلحة وذخائر، على سبيل الاحتياط. واستمر في شراء الاسلحة وذخائرها، من حسين طليس وعاهد مظلوم من البقاع، بواسطة محيي الدين عميص وبهجات جبارة، او من ناصر احمد اسماعيل من مخيم نهر البارد بواسطة علي العبود وغيره. "الهجرة" ... هرباً وفي الاثناء اعتقلت اجهزة الأمن ناشطين من طرابلس. وترك دخول قوى الأمن مبنى الاذاعة "الاسلامية" في المدينة نقمة في نفوس الناشطين الاسلاميين وخوفاً من الاعتقال والملاحقة. فأطلق عبدالله هزيم، "أمير" مجموعة القبة، النار على دورية من فرع مخابرات الشمال في الجيش اللبناني في تشرين الثاني نوفمبر 1999، تغطية لفراره، وهو المطلوب للعدالة، وتوارى فترة من الوقت فصار معلوماً ان جماعة من المسلمين تنتشر في جرود الضنية، وتقيم مخيماً للتدرب على السلاح، وأن عبدالله هزيم لجأ اليها وإلى المخيم. وبعد ان اجتمع عناصر المجموعة في الجرود، أوعز "ابو عائشة" الى احمد ميقاتي بجمع السلاح الذي سبق ووزع على العناصر، في ختام مخيم صيف 1999، وأمره بنقله الى المخيم. كما أمر بشراء المواد الغذائية. ولما لجأ بسام الكنج "ابو عائشة" ورفاقه الى الجرود، دعا عمر صوالحي، من مجموعة ابو سمرا، امراء المجموعات في المدينة الى اجتماع عقد في منزل رئيس المجموعة، الدكتور الكيميائي محمد خالد، لتدارس الوضع. وانتهى الاجتماع الى تعيين هلال جعفر مسؤولاً عاماً عن مجموعات طرابلس، وتعيين بسام يونس مسؤولاً عن مجموعة القبة، بدلاً من عبدالله هزيم الذي اصبح من اركان بسام الكنج في الجرود. ونقل فواز النابلسي دعوة من "ابو عائشة" الى امراء المجموعات في المدينة الى افطار في المخيم لمناقشة الوضع. فلبى الأمراء الدعوة. ولم يسفر الأمر إلا عن تعيين عمر إيعالي مسؤولاً على منطقة طرابلس، بدلاً من هلال جعفر وفواز النابلسي. والتقى "ابو عائشة" أمراء المجموعات مرة ثانية في منطقة زيتون ابو سمرا، ومرة ثالثة في محيط مبنى اذاعة الهداية والإحسان في عاصون. وفي اللقاءين اتفق المجتمعون على الفصل بين مجموعات المدينة ومجموعة المخيم في الجرود، وعلى اعادة النظر في هيكلية مجموعات المدينة بعد خروج عدد من العناصر منها والتحاقها بالجرود. غير ان بسام الكنج لم يلتزم الاتفاق مع امرائه، فراح يأمر العناصر من المدينة بالالتحاق به. ونفّذ امراء المجموعات الأوامر وأطاعوا أميرهم. واتفق شهر رمضان مع شهر كانون الاول ديسمبر 1999. وراح عناصر التنظيم يحضرون الى المخيم ومعهم اسلحتهم الفردية، او من دونها. وتولى "ابو عائشة"، إعداد رجاله نفسياً للخروج وإعلان الحرب. فشرح لهم ان على المسلم، بحسب الشرع الاسلامي، ان يهاجر، ثم يجاهد. وهم عندما تركوا طرابلس هاجروا. وعندما وصلوا الى الجرود ابتدأوا الجهاد ضد من يعتدي عليهم، لا سيما الدولة وأجهزتها الأمنية التي يمكن ان تهاجمهم. والحال هذه، الاستعداد للجهاد، ضدها والانقضاض على الجيش ومواقعه قبل ان ينقض الجيش عليهم. وعليهم الاستيلاء على اسلحته وآلياته لتوسيع رقعة انتشارهم و"فتوحهم". وقسم ابو عائشة رجاله الى اربع مجموعات سمّاها مجموعة بدر، وعلى رأسها بسام يونس، ومجموعة أحد، ويترأسها عبدالله هزيم، ومجموعة مؤتة ويترأسها عبدالحكيم الجزار، ومجموعة تبوك ويترأسها هلال جعفر. والمجموعة الأخيرة تتولى الدعم والاسناد الناري. وترك بعض العناصر المخيم نحو طرابلس، وبقي آخرون فيه الى مساء يوم 29/12/1999. ففي مساء ذلك اليوم جمع "ابو عائشة" فجأة مَنْ في المخيم وعددهم استقر على 34 وأبلغهم ان مهمة قتالية تنتظرهم في مبنى اذاعة الهداية والإحسان، في عاصون، وأن على من يسمع اسمه ان يتوجه الى المبنى مع سلاحه. ثم تلا بسام الكنج اسماء فريق اول من عبدالله هزيم، وعبدالمنعم زعرور، ورضوان بستاني، وعلي العبود، وأحمد الرفاعي، ورضوان رستم، وخضر خضر، وجهاد خليل، وعبدالرحمن جمال، وعمر الرفاعي، وأحمد الدرج، وقاسم خضور. وتولى احمد اليوسف نقل هؤلاء، على دفعات، وعاد الى المخيم يرافقه عبدالرحمن جمال وعمر الرفاعي. وفي اليوم التالي، نقل الى مبنى الاذاعة فريق ثان من المسلحين من يحيى ميقاتي، وعزام غانم، ومصطفى حيدر، وطلال كيلاكاني، وخالد العمري، واسماعيل اسماعيل، وأحمد اليوسف، وجميل حمود، وعامر عثمان، وبسام يونس، وبسام الكنج نفسه. وبات بسام يونس ليلة واحدة في الاذاعة، وعاد الى طرابلس، صباح يوم الجمعة في 31/12/1999، بأمر من "ابو عائشة". وأمر هذا بسام بالعودة الى طرابلس لأن امره لم يفتضح ولم يعرف. وأُرجع احمد الرفاعي "ابو محمد الحلبي" او "ابو محمد السوري" او "الدكتور" الى المخيم لإصابته في اشتباك اول بين الجيش والمسلحين حول مبنى الاذاعة وبقي في المخيم حتى مقتله. وعلى هذا، دخل مبنى الاذاعة ثمانية عشر عنصراً مع اسلحة فردية وثقيلة نقلوها معهم من المخيم. وفي الاثناء، بقي في المخيم خمسة عشر عنصراً مسلحاً اسلحة فردية، وهم هلال جعفر، وعبدالحكيم الجزار، ورضوان جباخنجي، ولؤي السعيد، وخالد المحمود، وخالد ميناوي، وبلال المحمود، وعمر الرفاعي، وممتاز ميناوي، وسعيد ميناوي، وعبيد الشريف، ومحمد المحمود، وعبدالرحمن جمال، وأحمد توفيق الرفاعي، وصرح اللاذقاني "ابو حفص". الإذاعة ... الجهاد الأول وكان المسلحون احتلوا مبنى اذاعة الهداية والإحسان حين حضر عزام محمد مصطفى الأسعد المولج صيانة مبنى الاذاعة الى عمله. لكنه فوجئ بالسلاح المكدس في مدخل المبنى، ورأى عبدالله هزيم، وكان يرتدي زياً عسكرياً لبنانياً، فأبلغه هذا انهم احتلوا الاذاعة، لأنها من مال المسلمين، وليس لفئة منهم، وطمأنه الى انهم مدركون ما يفعلون، وأن ما يحدث يعود بالخير على المسلمين كلهم. وطلب منه ان يكتم على مالك الاذاعة، داعي الاسلام الشهال، ما رأى. فترك عزام المبنى وتوجه من فوره الى منزل داعي الاسلام، وأبلغه ما سمع وما شاهد. فتوجه داعي الاسلام ومن معه الى نائب عكار، خالد ضاهر. ومن منزل النائب كرر عزام الأسعد على النائب، ومن كان حاضراً عنده روايته. وفي هذا الوقت التقت الفاعليات الاسلامية السنّية في الشمال، وتداولت الرأي في مسألة احتلال المسلحين الاذاعة. واتفق المجتمعون، بالتنسيق مع الجيش، على ان يتوجه ثلاثة اشخاص يمثلون الفاعليات هذه، الى المخيم، والطلب الى المسلحين التخلي عن السلاح، والعودة الى منازلهم مع قطع وعد لهم بألا يلاحقوا ويستثنى من كان مطلوباً للعدالة. ولم يكن مطلوباً منهم غير اثنين هما: عبدالله هزيم، لإقدامه في شهر تشرين الثاني 1999 على اطلاق النار على دورية لمخابرات الجيش في طرابلس، وعبدالحكيم الجزار، وكان مطلوباً لاستجوابه في قضية تفجير الكنائس في الشمال. وعلى هذا، توجه النائب خالد ضاهر، ونائب رئيس بلدية سير محمد جواد فتفت، الى الجرود. وقابل الاثنان "ابو عائشة"، وكان محاطاً ببعض العناصر الملثمين والمسلحين بأسلحتهم الفردية، وأبلغاه ما اتفق عليه. ولكن "ابو عائشة" لم يستجب الوساطة، ووعدهما جوابه في اليوم التالي، بعد التشاور مع رفاقه. وجاء جوابه ارسال الدفعة الثانية من المسلحين الى مبنى الاذاعة، وكان هو في عدادها. وفي اليوم التالي، اي يوم الجمعة الواقع فيه 31/12/1999، حضر الى المخيم النائب ضاهر والسيد فتفت، ومعهما هذه المرة الشيخ رياض الرفاعي، ممثلاً الشيخ بلال شعبان. وفي الطريق الى المخيم التقوا قوة من الجيش تقوم بمهمة حفظ أمن دورية، فألقوا التحية على آمرها، وتابعوا سيرهم نحو المخيم. وقبل وصولهم التقوا داعي الاسلام الشهال قادماً من مبنى الاذاعة فأخبرهم ان المسلحين على وشك ترك المبنى، وأن الأمور تجري على ما يرام، ولا حاجة بهم الى التوجه الى الاذاعة. وكان داعي السلام الشهال وصل الى مبنى الاذاعة، قبل ظهر يوم الجمعة، برفقة عزام الاسعد ومحمد حاوي، واختلى بعبدالله هزيم مدة قصيرة لم تتجاوز الخمس عشرة دقيقة، وخرج من خلوته مسروراً، وترك مبنى الاذاعة وهو يدعو للمسلمين بالنصر. فتابع النائب ضاهر وصحبه طريقهم الى المخيم. وقابلوا، هذه المرة، عبدالحكيم الجزار. وفي اثناء المقابلة حصلت بلبلة في المخيم. فاستدعى هلال جعفر عبدالحكيم الجزار على الفور، وتهامسا، فعاد عبدالحكيم الجزار متجهماً ومعاتباً النائب ضاهر على قدومه فيما الجيش، وهو يعني القوة التي التقاها النائب ضاهر وكانت تقوم بدوريتها، قادم صوب المخيم. ونشر عبدالحكيم الجزار بعض العناصر المسلحة الباقية في المخيم على تخومه للمراقبة، ومنع تقدم الجيش. وحبس هلال جعفر النائب ضاهر ورفيقيه في احدى الخيم، وأوقف حارسين عليهم لمنعهم من ترك المخيم. وحوالى الساعة الثامنة مساء عاد عبدالحكيم الجزار الى المخيم، وأخبر النائب ضاهر ان اشتباكاً وقع حول مبنى الاذاعة بين الجيش والمسلحين سقط فيه بعض الضحايا، وأسر بعض العسكريين. وسمح له ولرفيقيه بمغادرة المخيم. والمسلحون الذين احتلوا مبنى الاذاعة، مثل اسماعيل اسماعيل وجهاد خليل وجميل حمود وعبدالمنعم زعرور وعمر إيعالي وأحمد الدرج إما اصدقاء لداعي الاسلام الشهال، او طلاب في معهده، او موظفون عنده. وكان اسماعيل اسماعيل اشترى، بناء لطلب داعي الاسلام الشهال، قبل احتلال مبنى الاذاعة بأيام، "دكات" تستعمل لتشغيل الاجهزة الاذاعية والبث. فلما حاول المحتلون وقف البث العادي تحضيراً لبثهم اعلاناً عن اهدافهم ومشروعهم، اوقف داعي الاسلام الشهال البث من الاذاعة، وقصره على آيات من القرآن. وبقيت الحال في مبنى الاذاعة ومحيطها، عادية حتى الساعة الحادية عشرة قبل ظهر يوم الجمعة 31/12/1999. ووصلت آليتان للجيش اللبناني، وعدد من العسكريين بأمرة المقدم ميلاد النداف، وتمركزت على الطريق العام المؤدي الى طرابلس، وأقامت حاجزاً لتفتيش السيارات والمارة في اطار مهمة روتينية لحفظ الأمن. فيما عمد بعض العسكريين الآخرين اما الى تناول الطعام او اخذ قسط من الراحة. وكان الحاجز يبعد من مبنى الاذاعة حوالى ألف متر. وفي الاثناء شاهد احمد الدرج، وكان يحرس مدخل الاذاعة ومعه سلاحه الفردي، الحاجز. فأطلع "ابو عائشة" على الأمر. فطلب هذا من رضوان رستم الجباخنجي مراقبة قوة الجيش بالمنظار. وطلب من جهاد خليل تصوير انتشار القوة بواسطة آلة تصوير فيديو وضع عدستها داخل فتحة في حائط الغرفة المواجهة لحاجز الجيش. وكان رضوان وجهاد يطلعان "ابو عائشة" على ما يشاهدانه تباعاً. ولم يحدث شيء مريب في الاثناء، فقوة الجيش لم تكن على علم باحتلال المسلحين الاذاعة. وبناء عليه تابعت مهمتها الامنية في المنطقة. ولكن "ابو عائشة" كان قسم عناصره اربع مجموعات: الاولى، ابقاها "ابو عائشة" داخل المبنى للدفاع عنه وعن محيطه اذا تقدم الجيش نحو المبنى، والثلاث الباقية نشرها خارج مبنى الاذاعة وحوله في شكل "كماشة". واتخذت المجموعات الاربع مواقع قتالية، فاختبأت وراء الصخور، وفي المنحدر المحيط بالاذاعة. وأصبح مبنى الاذاعة في منتصف الطريق بين حاجز الجيش وكمائن المسلحين. وفيما كان احمد اليوسف ينقل بسيارته ال"فان" الدفعة الاخيرة من المسلحين، لنشرهم في المكان المحدد لهم، شاهده الرقيب الاول خالد داود، وهو من عديد القوة على الطريق العام وشاهد معه عناصر مسلحة تنزل من ال"فان". فأطلع الرقيب الاول داود المقدم ميلاد النداف، آمر القوة، على الأمر. فتوجه المقدم النداف، يرافقه الرقيب اول في فرع مخابرات الشمال، محمد ملص، والرقيب اول داود، الى مكان وقوف ال"فان"، على المنحدر خلف مبنى الاذاعة، ومروا امام المبنى اي تحت أعين افراد المجموعة، وتابعوا سيرهم الى مكان وقوف ال"فان". فدخلوا بين فكي الكماشة، وأصبحوا محاطين بالمسلحين من الجهات كلها. ولما شاهد المقدم النداف احد المسلحين، وهو يحيى ميقاتي، انذره بإلقاء سلاحه. فتظاهر يحيى بالرضوخ وانبطح ارضاً. وفي هذه اللحظة انهمر الرصاص بغزارة على المقدم ورفيقيه، وعلى العسكريين الذين كانوا برفقته من كل الجهات التي كان فيها المسلحون. وأطلق هؤلاء النار من مختلف الاسلحة في حوزتهم. فأطلق عزام غانم قذيفة "ر.ب.ج" على الجنود، فيما اطلق يحيى ميقاتي النار من رشاشه على الرقيب اول ملص ولم يصبه، ورمى جميل حمود من رشاشه المقدم النداف فلم يصبه. وبادل المقدم النداف ورفاقه المسلحين اطلاق النار. ولكن كثافة نار هؤلاء، وكثر مصادرها، ووقوع العسكريين بين فكي كماشة، أمكنت المسلحين من تطويق الضابط والرقيب. فكبل "ابو عائشة" وعبدالله هزيم أيدي العسكريين بأصفاد بلاستيك، وجردوهما من سلاحيهما الفرديين وجردوا الضابط من اشارة رتبته العسكرية. غداً: حلقة أخيرة