مع ظهور الثروة النفطية في الخليج العربي، نظر كثر من العرب على وجه الخصوص إلى المواطن الخليجي على أنه بنك متنقل. المهم هنا الإطلاع على الثروة الحقيقية الأهم من النفط الخليجي وهي الشباب الخليجي، لنحاول معرفة سلوكياته الإنفاقية التي على ضوئها تتحدد المرجعية الثقافية المشكلة لفكره. سنتعرض لنماذج مختلفة فكرياً وإقتصادياً وعمرياً ومهنياً وغيرها. الطالب الجامعي أحمد علي 21 عاماً يقول: "افضل طريقة من وجهة نظري كطالب يحاول الاعتماد كلياً على المكافأة الجامعية هي تقليل الانفاق على المصاريف الكمالية، فأرى ان الطالب مثلي يجب ان يركز مصاريفه على الضروريات مثل الكتب وكراسات الدراسة طالما ان الدراسة مجانية، كما يجب على الطالب ان يتعلم الادخار في المرحلة الجامعية فصحيح ان المكافأة لا تكفي لكنها كفيلة بتعليم المرء الصرف السليم في الوجوه التي تعتبر من الضروريات. ويضيف أحمد ان صرفه المال على الكتب لا يقتصر على الكتب الدراسية، بل كتب المعارف العامة التي هي اثراء للثقافة العامة التي بدأت تضمحل في العالم العربي اليوم بسبب تفاهة ما تبثه وسائل الاعلام وبخاصة المرئي منها والمجلات الفنية. ويشير أحمد الى انه "يعاب على شعوب الخليج اليوم البذخ في الانفاق، السبب في ذلك يعود الى تكوينات المواطن الخليجي في مرحلة الشباب، فشباب الخليج صاحبوا الطفرة النفطية، فاتسم الانفاق عندهم بهذا الطابع الباذخ، كما ان غياب الأطر الثقافية عند معظمهم جعلتهم ينحون في هذا الاتجاه". ويضيف "من الصعب ان يتسم الجميع بالصفات نفسها لكن اعتقد انه من غير المستحيل ان نرتقي في طريقة انفاقنا، فهي سلوك في النهاية يعكس شخصيتنا، وعلى رغم ذلك لا نفكر بهذه العقلية بل نسعى الى التفاخر في شرائنا لأشياء لا نحتاج اليها، وعند انفاقنا على اشياء مفيدة نقدم على ذلك اضطراراً او مجاملة او نفاقاً للمجتمع الذي نود ان نلتحق به". تبديد المدخرات على أمور عدة ومتنوعة أهمها السفر أما الموظف وليد عبدالعزيز 27 عاماً من ذوي الدخل المتوسط، اذ يبلغ دخله السنوي 54 الف ريال سعودي 14.4 الف دولار أميركي، فيذكر بانه يفضل انفاق ماله على شيء يعود عليه بالنفع او الراحة حتى يحس بأن تعبه لم يذهب عبثاً. ويضيف "انني من اسرة مكتفية ذاتياً، وليست في حاجة الى مساعدتي، لذلك فانني اتصرف بكل حرية في كل ريال احصل عليه، وبحكم انني اعيش مع اسرتي، فانني لا اتحمل اي تكاليف معيشية كأجور السكن والأكل وغيرها، لذا استطيع ان ادخر اكثر من 24 الف ريال سنوياً، حتى اتمكن من قضاء اجازتي السنوية التي تبلغ 40 يوماً، فمنذ بداية اجازتي ابدأ بشراء تذاكر السفر للخارج والتي تتراوح بين 2000 و3000 ريال، ثم اتجه الى البلد الذي سأقضي فيه الاجازة، وتتوزع مصاريفي بين السكن الذي تبلغ حصته نحو 6000 ريال، وانفق ما يقارب 3500 ريال على الأكل، وتتوزع 3000 ريال على تكاليف استئجار بعض السيارات والشاليهات لبعض الوقت، ويبقى هم العودة ببعض الهدايا للاقارب، وبعض الاشياء كتذكار من البلد الذي اذهب اليه، ولا بد من مبلغ احتياطي تحسباً للحالات الطارئة. ويصف وليد نفقاته داخل الوطن أنها تذهب في معظمها في شراء الملابس الجديدة، وبعض المال يذهب للسيارة والبقية تنفق على بعض الجلسات الاسبوعية التي تجمعه مع اصدقائه وزملائه. ويشير إلى أنه سعيد في حياته وراض عن كل ريال ينفقه طالما "انني لا استدين او ادين". المظهر والسيارة والمقاهي والعطور لها الأولوية على الكتاب ويتحدث الطالب الجامعي عبدالحميد جمال 22 عاماً، من أسرة مرتفعة الدخل نوعاً ما، فيصف طريقة إنفاقه المال أنها تصب في شراء مستلزمات خاصة مثل الملابس وادوات الرياضة والكتب وغيرها. ويضيف عبدالحميد "أعتمد على جزء من الأموال التي تأتيني من الوالد ومثلها من الجامعة. وعادة انفقها في جلسات السمر مع الأصحاب في المقاهي الشعبية بإعتبارها المتنفس الوحيد للشباب في مدينة الرياض". ويذكر عبدالحميد أنه لم يحاول إدخار شيء من المال لأنه لا حاجة له لذلك فعند الحاجة - وقت نفاد المال - يمكنه ان يأخذ مالاً من والده او من أحد ذويه الذين يعملون. ويفصل عبدالحميد في وصف سلوكه الإنفاقي فيقول "انفق على الكتب في شكل قليل جداً مقارنة بالإنفاق العام على الملابس لأن الشاب في العموم يهتم بمظهره فلذلك ينفق على شراء الملابس الأنيقة والفاخرة وما يترتب عليها من إرسال إلى المغسلة لتنظيفها وكيها، كما احاول شراء بعض العطور الغالية نوعاً ما بما يقارب 300 ريال للعطر الواحد لاستخدامها في المناسبات المهمة والخاصة". ويشير إلى أن السيارة ومصاريفها تحتل مساحة مهمة فهو يحاول إظهار سيارته بالمظهر اللائق، فهي تعتبر جزء من مظهره العام، فيقوم بوضع بعض الملصقات ذات الدلالات التعبيرية الخاصة والزينات من باب التجميل والتميز عن الآخرين. وبعد ذلك يصف عبدالحميد شعوره فيقول "أجد سعادة في ذلك". وعن الإنفاق على الثقافة يضيف "لم أحاول الإنفاق على الكتب التي لا نجبر على شرائها في الجامعة، ففي الغالب أشتري كتب الشعر الشعبي لأن فيها من أبيات "غزل" جميلة يمكن الإعتماد عليها عند الضرورة، أما الشعر الفصيح فهو غير مفهوم وغير واضح في نظري وهناك صعوبة في نطقه وحفظه كما أنه غير ممتع". وعن سلوكه وتصرفاته وموقف أفراد أسرته منها يشير إلى وجود عدم رضى من ذويه عما يفعله، فيقول "هناك نصائح تقدم لي من أبي وأخواني تركز على أن أصرف أموالي في أمور تنفعني بدل من تبديدها في ما لا ينفع مثل تزيين السيارة ودواوين الشعر العامي والسهر في المقاهي وغيرها من الأشياء الخاطئة في نظرهم. لكني وأصحابي مقتنعون أن الشخص هو من يحدد ما ينفعه وما يضره، فالإنسان لا يحتاج الى من يملي عليه الأوامر بعد أن أصبح في الجامعة". الإنفاق في فترة الشباب معسكر إعدادي لتحديات المستقبل أما فيصل سعد 23 عاماً طالب جامعي عصامي بطبعه كما يصف نفسه أو كما يحب أن يراه الآخرون، فيذكر أنه لا يريد أن يكون مشابه للآخرين فهو يود أن يعتمد على نفسه وعلى موارده المحدودة فيتحدث عن إنفاقه عموماً "بالنسبة لانفاقي العام لا اعتقد انني انفق كثيراً فبسبب عدم رغبتي أن أحرج أبي أو أخوتي بطلب المال أفضل أن أعتمد على نفسي حتى اشعر باستقلال كامل وبخاصة في النواحي المادية، ولذلك انفق على الاشياء المهمة مثل شراء الكتب الدراسية او كتب المعارف العامة ولذلك لا اجد اي غضاضة في الانفاق عليها". وعن المصاعب المالية التي يواجهها فيصل قال انها ناشئة عن الاعتماد على المكافأة الجامعية في الفترة الحالية ولذلك يحاول تقليل المصاريف حتى يمكنه تسيير اموره من خلال توفير الأشياء المهمة مثل الكتب وأدوات الدراسة ثم بعد ذلك تقسم باقي المكافأة على الأمور الأخرى، وتفي المكافأة بالمستلزمات الضرورية التي يحتاجها، بإعتبار أنه لا يعاني مثل بقية زملائه الذين أتوا من خارج مدينة الرياض، فهم يتحملون أعباء إضافية مثل السكن على حسابهم الخاص، أما فيصل فهو من اهالي مدينة الرياض اصلاً. وعن وضعه في حال وجود فائض مالي معه يذكر فيصل "في بعض الأحيان انفق على الكماليات مثل العطور الرخيصة الثمن والمتنزهات. كما افضل في حال وجود أموال معي أن أصرف في أمور مفيدة مثل الإلتحاق في دورات تعليم كمبيوتر أو اللغات الأجنبية، لكن بسبب إرتفاع أسعارها يندر انخراطي بها". وعن رؤية أهله وأقاربه لاسلوب حياته يقول: "أبي وأهلي في البيت راضون عن سلوكي الإنفاقي وعادة ما يسألونني عن مدى إحتياجي للمال لأني لا أطلبه منهم، ويحثوني على قبول المال منهم لكني أعتقد أن هذه المرحلة فرصة للتدرب على كيفية ترشيد الإنفاق حتى يسهل على الشاب حين ممارسته العمل القدرة على إدخار ما يستطيع من مرتبه لتأمين مستقبله وعائلته والقدرة على الزواج في المستقبل. مفرح عبدالله 23 عاماً حديث التخرج ولا يعمل الآن، يتحدث عن أساليبه المتعددة في تبديد الأموال أثناء فترة الدراسة الجامعية فيبين مصادره في الحصول على المال ويذكر منها على سبيل المثال لا الحصر "أحصل على المال من الأهل ولذلك لا توجد لدي مشكلة في الإنفاق، فبحكم وجود المال أصرف كثيراً على الملابس الجديدة وإضافة كماليات على السيارة حتى تتمتع بمنظر لافت، وأصرف على الأكل في المطاعم والعطورات والسفر مع الاصدقاء داخل السعودية مثل المنطقة الشرقية او خارج السعودية سواء في البحرين أو مصر أو دبي. ويضيف "لا أفكر في الانفاق على الكتب إلا تلك التي يفرض بعض الاساتذه شراءها، فالكتب تحتاج الى من يقرأها وانا لا أحب القراءة ولا افكر في القراءة، فوقت الفراغ يمكن ان اقضيه في التبضع وشراء بعض ما احتاج وهي امور اعتمدها لقتل الفراغ". ويحدثنا عن فلسفته حول العمل والعمال ولا عجب أن لا يجد عملاً فيذكر مفرح "لا افكر في ان اعمل فالمال يمكن الحصول عليه بالطلب فقط. لا داعي للعمل الآن، لأني أعتبر هذه الفترة إستراحة وشباب يجب أن تستغل بالكامل من دون إهدارها في الأعمال، فالأعمار تنفد والأعمال لا تنفد، أما فكرة العمل لكسب المال جنباً إلى جنب مع الدراسة فهي في نظري فكرة أوجدتها المسلسلات". وعن مشروعية اكتساب المال الذي يحصل عليه من أهله يذكر أن أهله لا يسألون كثيراً عن سبب طلبه للمال فالكل مشغول بأعماله، وعند سؤالهم يمكن التعليل بأنها متطلبات جامعية. ويذكر أن أصدقاءه يوجهون اللوم اليه على آرائه في خصوص العمل في الفترة الدراسية، لكنه يؤكد أن معارضيه سيقتنعون برأيه عندما تمر مرحلة الشباب من دون أن يشعروا.