أصبح مؤتمر ضد العنصرية برعاية الأممالمتحدة مناسبة اخرى، او مثلاً، حيث تقف الولاياتالمتحدة ضد العالم كله انتصاراً لاسرائىل، وحيث تختبئ هذه وراء راعية نعمتها. المؤتمر، واسمه الكامل المؤتمر العالمي ضد العنصرية والتمييز العنصري والتقوقع وعدم التسامح، سيفتتح في ديربان في آخر هذا الشهر. وكانت الولاياتالمتحدة نصّبت نفسها محامي دفاع عن اسرائيل في الجلسات التحضيرية في جنيف هذا الشهر، وانسحبت في اليوم الاخير مع اسرائىل، وهي تشترط تعديل لغة مسودة القرار النهائي لتعود الى الحضور. الولاياتالمتحدة اعترضت على كل شيء له علاقة باسرائيل، وهي وقفت ضد كل دولة مسلمة من اعضاء منظمة المؤتمر الاسلامي حاولت ان تضم الى مسودة القرار نصاً يساوي بين الصهيونية والعنصرية. ونعرف ان الاممالمتحدة اتخذت مثل هذا القرار سنة 1975 وألغته بعد عشر سنوات تحت ضغط الولاياتالمتحدة. هذه المرة وقفت الولاياتالمتحدة واسرائيل ضد محاولة من الدول العربية للحديث عن "محارق" لا محرقة واحدة، هي ما ارتكب النازيون بحق اليهود. الا ان الولاياتالمتحدة لم ترَ ان ما ارتكب في فلسطين جريمة، وأصرت على تعديل هذا النص ايضاً، او تقاطع المؤتمر في جنوب افريقيا. ولم تركب الدول الاسلامية والعربية رأسها، بل حاولت العثور على حل وسط، الا ان السفير الاسرائىلي يعقوب ليفي بتشجيع من الاميركيين، قال عن اقتراح منظمة المؤتمر الاسلامي: "اننا لم نره اساساً لمفاوضات في منتدى واسع بهذا الشكل". وهكذا فاسرائىل لا تجري مفاوضات ثنائية، ولا تعتقد ان مفاوضات متعددة الاطراف حول جرائمها مناسبة... ويا فرعون مين فرعنك. أميركا متهمة مع اسرائىل امام المؤتمر، وفي مقابل الجرائم ضد الانسانية التي تمارسها اسرائىل بحق الفلسطينيين، هناك جريمة الرق الموجهة الى اميركا والدول الاوروبية. السود الاميركيون لم يعجبهم تهديد الولاياتالمتحدة بمقاطعة المؤتمر، فهم يريدون طرح موضوع الرق، والمطالبة بتعويضات، فاليهود تلقوا تعويضات من المانيا، والولاياتالمتحدة نفسها دفعت تعويضات الى الهنود الحمر لسرقة بلادهم، والاميركيين من اصل ياباني لسوء معاملتهم خلال الحرب العالمية الثانية. وقال القس تيودور وليامز، رئيس فرع بالتيمور في الجمعية الوطنية الاميركية لتقدم الملونين انه يجب على الولاياتالمتحدة حضور المؤتمر لأن حضورها سيساعد على اندمال جروح المشكلات العنصرية في الولاياتالمتحدة. وأضاف انه اذا اعلن الرئىس بوش استعداده للتعويض عن الرق، فهو يعترف ضمناً انه خطأ. الا ان القس وليامز قال انه لا يتوقع مثل هذه الخطوة الآن. وفي حين ان الكونغرس الموالي لاسرائىل يؤيد مقاطعة مؤتمر ديربان حتى لا تفضح اسرائىل فيه، فإن اعضاء مجلس النواب اختلفوا حول موضوع الرق. وكانت العضو ايلينا روس - ليتينين، وهي رئيسة لجنة فرعية، ايدت المقاطعة، فعارضتها العضو سينثيا ماكيني، وهي رئيسة المجموعة الديموقراطية في اللجنة الفرعية هذه. وروس - ليتينين جمهورية من فلوريدا، بيضاء من اصل كوبي، اما ماكيني فديموقراطية من جورجيا وسوداء. وننتظر حتى نهاية الشهر لنعرف ان كان السود سينتصرون، وتحضر الولاياتالمتحدة المؤتمر، او ينتصر اليهود الاميركيون وتقاطع. الولاياتالمتحدة وقعت في شر اعمالها. وأنا لا اتحدث هنا عن العنصرية او الرق، فمؤتمر ديربان سيأتي ويروح، ولكن هناك اتجاهاً عالمياً جديداً يلغي الحدود في قضايا حقوق الانسان بدأته الولاياتالمتحدة لسبب اصر على انه لم يكن انسانياً، وانما محاولة لتهديد اي دولة صغيرة تخرج عن الطاعة. والكونغرس الاميركي نفسه هو الذي وسّع تعريف حقوق الانسان ليشمل الحرية الدينية وحرية الانتخابات. المهم من كل هذا ان جرائم حقوق الانسان غير مقيدة بحدود، كما في قرار محكمة بريطانية تسليم الجنرال اوغوستو بينوشيه الى قاض اسباني لم يسلّم بسبب تدهور صحته وتحقيق قاضٍ بلجيكي في جرائم حرب ارتكبها آرييل شارون. وفي حين شكلت محاكم دولية برعاية الأممالمتحدة لمحاكمة المتهمين بجرائم حرب في يوغوسلافيا السابقة ورواندا وغيرهما، فإن هناك اتفاقاً لتشكيل محكمة دولية تنظر في قضايا ابادة جنس وجرائم ضد الانسانية وجرائم حرب وعدوان. وقد ابرمت 37 دولة حتى الآن ميثاق هذه المحكمة، وامتنعت الولاياتالمتحدة. ويحتاج بدء المحكمة هذه عملها الى ابرام 60 دولة ميثاقها. لماذا ترفض الولاياتالمتحدة قبول محكمة دولية مهمتها النظر في جرائم ضد الانسانية؟ السبب الحقيقي هو ان اميركيين قد يعتقلون في الخارج، ويحالون على هذه المحكمة بتهم من كل نوع، بما فيها تعذيب معتقل من بلد ثالث في سجن اميركي. الولاياتالمتحدة ستقدم مئة سبب ليس بينها هذا السبب، وستحاول التنصل من تبعات الرق بعد ان قادت الحملة للتعويض على اليهود حتى جعلت منه سابقة على نفسها. وننتظر لنرى ان كانت ستحضر مؤتمر ديربان وتقف متهمة، او كانت ستتهرب انتصاراً لاسرائىل، وتتهرب اسرائيل انتصاراً للولايات المتحدة.