الديوان الملكي: وفاة صاحبة السمو الأميرة وطفاء بنت محمد آل عبدالرحمن آل سعود    الذهب يستقر بعد قرار المركزي الأمريكي تثبيت أسعار الفائدة    ترامب يأمر بإعداد منشأة في قاعدة غوانتانامو لاحتجاز 30 ألف مهاجر غير شرعي    استشهاد 10 فلسطينيين في بلدة طمون    اصطدام طائرة مدنية بمروحية عسكرية بالقرب من مطار ريغان بالولايات المتحدة    "التقاضي الإلكتروني" يختصر عمر القضايا ويرفع كفاءة المحاكم    وزارة الشؤون الإسلامية تقيم يومًا مفتوحًا للمستضافين في برنامج ضيوف خادم الحرمين الشريفين للعمرة    مسجلا أعلى نمو خلال عامين ..الناتج المحلي السعودي ينمو بنسبة 4.4% في الربع الرابع لعام 2024    الأرصاد: سحب رعدية ممطرة على مرتفعات مكة والجنوب وأمطار خفيفة بالرياض والشرقية    «ساما» يرخّص ل31 شركة تقدم التمويل للمنشآت «الصغيرة والمتوسطة»    المفتي للطلاب: احذروا الخوض في منصات التواصل وتسلحوا بالعلم    الراجحي يستعرض الخطوات الرائدة للمملكة في تمكين القوى العاملة    سيراً على الأقدام .. المستكشفة «موريسون» تصل العلا    لأول مرة.. إطلاق التقويم المدرسي برياض الأطفال والطفولة المبكرة والتربية الخاصة    مواجهات «الملحق» الأوروبي.. «نار»    علاقة خفية بين «الأجهزة الرقمية» وأوزان الأطفال    المملكة تؤكد دعمها لاستقرار وتنمية اليمن    عشر سنبلات خضر زاهيات    البهكلي والغامدي يزفان "مصعب" لعش الزوجية    الفايدي يحتفي بزواج سالم    ولي العهد يبحث القضايا الإقليمية وأوجه التعاون مع رئيس المجلس الأوروبي    وسط حضور فنانين وإعلاميين .. الصيرفي يحتفل بزواج نجله عبدالعزيز    «بينالي الفنون» يُثري زواره بكنوز الحضارة الإسلامية    مجمع الملك سلمان العالمي يُطلق «تقرير مؤشر اللغة العربية»    أصغر متسابقة راليات عربية.. «أرجوان» .. جاهزة للمنافسة في رالي حائل الدولي الاستثنائي    محمد المنجم رئيس نادي الشباب ل(البلاد): هدفنا التتويج ب «كأس الملك».. و «الليث» عائد بين الكبار    إعلان أسماء الفائزين بجائزة الملك فيصل لخدمة الإسلام للعام 2025    وصول الطائرة الإغاثية السعودية ال (15) إلى سوريا    «سيكاي إشي» أغلى تفاح في العالم    غداً.. محمد عبده يُجسد فلسفة الخلود الفني على مسرحه في الرياض    الهلال والأهلي والنصر يعودون ل«تحدي آسيا».. في فبراير    ولي العهد يؤدي الصلاة على محمد بن فهد ويتقبل التعازي    حرب الذكاء الاصطناعي.. من ينتصر؟!    المسلسل مستمر    مختبر تاريخنا الوطني    استبدال الصمام الأورطي عن طريق الرقبة    حسام بن سعود يستعرض مشروعات المندق    الشباب يتعاقد مع البرازيلي لياندرينهو    رحيل زياش عن غلطة سراي وسط تقارير عن انضمامه للدحيل    النصر يدعم صفوفه بهزازي    بوتين: المفاوضات مع أوكرانيا ممكنة دون زيلينسكي    احتفالات في عموم المدن السورية احتفالاً بتعيين الشرع رئيساً لسوريا    «السياحة الثقافية».. عندما تصبح الفنون جواز السفر    ندوة الأدب والنخبوية تثير المفهوم المجتمعي والثقافي    جازان.. الحالمة وجمعية كبدك    وزير الموارد البشرية يكرّم 30 منشأة فائزة بجائزة العمل في نسختها الرابعة    بويدن الشرق الأوسط في المملكة العربية السعودية: تعزيز القيادة ودعم التحول الاقتصادي    خطورة الاستهانة بالقليل    الإرجاف فِكْر بغيض    1716 موظفا سعوديا جديدا يدخلون سوق العمل يوميا    شخصية الصرصور    إطلاق حملة للتبرع بالدم في الكورنيش الشمالي بجازان    الشيخوخة إرث وحكمة    انطلاق مؤتمر السكري والسمنة في جدة «5 فبراير»    محافظ محايل يرأس اجتماع لجنة السلامة المرورية    ولي العهد يؤدي صلاة الميت على الأمير محمد بن فهد    قبائل الريث تعزي الأمير عبدالعزيز بن فهد في وفاة الأمير محمد بن فهد    أهالي الشرقية ينعون الأمير محمد بن فهد    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



العولمة : بين الصحة والمرض
نشر في الحياة يوم 02 - 08 - 2001

حينما وقف رئيس وزراء ايطاليا في البرلمان الايطالي أخيراً يبرر القوة المفرطة التي استخدمتها الشرطة في مدينة جنوى ضد الغاضبين من العولمة لم يتوقع أحد منه أن يكون موضوعياً أو محايداً. فهو نفسه بثروته المتضخمة موضع تساؤل، وهو نفسه الذي اشرف شخصياً على الترتيبات الامنية للاجتماع الاخير لقادة الدول الصناعية الثماني الكبرى، وهو نفسه الذي ناشد أهالي جنوى ألا ينشروا ملابسهم المغسولة على شرفات منازلهم المطلة على الشوارع حتى لا يرى "أهل القمة" صورة غير حضارية قد تؤذي عيونهم.
لكن الجديد في الأمر هو أن رئيس الوزراء الايطالي اضطر الى الدفاع والتبرير أمام السلطة الاشتراعية المختصة. هذا جديد. ربما لأن جنوى شهدت ايضاً سقوط اول قتيل للعولمة برصاص الشرطة. هذا أيضاً جديد. ربما لأن المئة مليون دولار، كلفة تأمين الاجتماع في جنوى، صرفت من الاموال العامة، أي من أموال الضرائب التي يدفعها المواطنون.
وحينما خرج رئيس وزراء كندا، بعد مشاركته في اجتماع جنوى، ليعبر عن أهم ما خرج به من دروس استعداداً لاستضافة بلاده الاجتماع المقبل، كان كل ما قاله هو أن ما جرى منذ احتجاجات مدينة سياتل الاميركية قبل 19 شهراً الى احتجاجات مدينة جنوى الايطالية أخيراً يثبت خطأ عقد هذه الاجتماعات في مدن كبرى تسمح بقدوم عشرات ومئات الآلاف من الغاضبين اليها، لذلك ستستضيف كندا الاجتماع المقبل في قرية جبلية صغيرة ومعزولة لا يوجد فيها من الفنادق سوى 350 غرفة، فبالتالي على الشباب الغاضب الراغب في إسماع صوته الى القادة المجتمعين ان يحضر معه، بوسائل مواصلاته، خيمته وطعامه وشرابه وربما معدات لتسلق الجبال.
كل هذا جديد، أو على الاقل مختلف، عن الفصل الاول في القصة قبل سنوات. وقتها بدت الدعوة الى العولمة كاسحة وطاغية، تتراوح بين الاغراء بالفردوس المضمون لدى اهل العولمة والتحذير من الجحيم المؤكد والمضمون ايضاً لمعارضي العولمة او حتى الراغبين في فحصها ومراجعتها. جرى طرح العولمة باعتبارها قدراً لا مفر منه وحتمية لا نجاة خارجها وقطاراً كاسحاً من لا ينضم الى ركابه سيسحق تحت عجلاته. ثم جرى ايضا الخلط بين العولمة والتكنولوجيا، فالرافض للعولمة يعني انه عازف عن استخدام التكنولوجيا في ما يناسبه، والرافض لقوى الهيمنة والسيطرة والنهب المنظم الذي تمثله العولمة يعني - حتماً - الاستغناء عن الكومبيوتر والفاكس والهواتف المحمولة والهندسة الوراثية والعلاج بالليزر.
في الستينات استخدمت دول عدة، كالهند مثلاً، كل انجازات العلم والتكنولوجيا في "الثورة الخضراء" كي تضاعف انتاجها الغذائي وتقضي على مجاعاتها الدورية، من دون أن يتلازم ذلك مع السماح بنهب بنوكها أو بيع اقتصادها. أما في التسعينات فإن دولاً بحجم "النمور الآسيوية" استمرت متقدمة ومتطورة ومنتجة ومصدرة ومزدهرة الى أن انفتحت على العولمة فاكتشفت ذات صباح أنها تحولت الى فئران مذعورة والباب الوحيد المفتوح والمتاح أمامها لمجرد البقاء على قيد الحياة هو بيع اقتصادها الوطني الى أهل الشمال - أهل العولمة - برخص التراب.
في البداية تجيء الدعوة ناعمة ومغلفة بالسكر وشهادات حسن السير والسلوك الجاهزة مقدماً من أهل العولمة: انفتِحْ، تعولمْ، اندمجْ في الاقتصاد العالمي لتصبح صحبتك افضل وأغنى. اطرحْ ممتلكاتك الاقتصادية والصناعية للبيع وبالاسعار التي يقترحها خبراؤنا عليك، ولا تنزعج إذا كانت ذمة هؤلاء الخبراء واسعة أو إذا كان المشترون أجانب أو مواطنين هم وكلاء لأجانب، فالاجانب لديهم التكنولوجيا والاستثمارات ورضا صندوق النقد الدولي وبركات القطب الوحيد في عالم اليوم. وبعد اكتمال السيطرة تأتي لحظة الحقيقة فجأة، لحظة تدهور العملة الوطنية وتبخر احتياطات النقد الاجنبي وفلكية ارقام العاطلين عن العمل ومزيد من الضرائب على من تبقى في سوق العمل والانتاج، فتصبح النتيجة بدورها مزيداً من العاطلين الناقمين الغاضبين الجائعين المحتجين، ولكن في قاموس أهل العولمة، اسمهم الفني: المشاغبون، وعلاجهم الطبي: قوات الشرطة، وبعدها: السجون.
المشكلة في حالات الغضب والاحتجاج العام عدم وجود عنوان صحيح تتجه إليه. ليس هناك سوى السياسيين الذين انتخبهم المحتجون ليعبروا عن مصالحهم ويدافعوا عن حقهم في الحياة الافضل، لكنهم يتصرفون كمشلولين عاجزين. وهم عاجزون لأنهم انفسهم الذين وقّعوا من قبل على كل الالتزامات التي قررتها قوى العولمة، حتى اصبحوا اسرى لصندوق النقد والبنك الدوليين ومنظمة التجارة العالمية وباقي كلاب الحراسة التي تستخدمها قوى العولمة لحسابها. لم تكن هناك مناقشة جادة في حينها لشروط العولمة، ولا حتى مناقشة لأعباء منظمة التجارة العالمية، ولا شفافية مطلقاً في بيع وحدات الاقتصاد الوطني العام والخاص. فالمشترون بلا اسماء ولا وجوه ولا عناوين لكنهم في لحظة الجد يصبحون الصانعين الحقيقيين للسياسة، والمسيطرين بغير مسؤولية سياسية، بينما السياسيون مسؤولون ولكن من دون سلطة عملية. السلطة الوحيدة التي تبقى للسياسيين هي سلطة القمع، تماماً كما رأينا في مدينة جنوى الايطالية.
في اجتماع جنوى تابعنا مشهدين: الرئيس الاميركي جورج بوش الذي طالب جماعات مناهضة العولمة بالكف عن الادعاء بأنها تمثل مصالح الفقراء، مكرراً ان الطريق الحتمي الوحيد أمام الدول الفقيرة هو تحرير تجارتها وفتح اسواقها. وتابعنا ايضاً الرئيس الفرنسي جاك شيراك الذي قال ان وجود مئتي ألف متظاهر ضد العولمة في مدينة جنوى وحدها يدعو إلى التفكير العميق، كما يدعو أيضاً الى ادارة العولمة بطريقة أكثر انسانية وتوازناً.
مع ذلك فإن المئتي الف متظاهر في مدينة جنوى كانوا اوروبيين في معظمهم، وهم من الشرائح المتضررة من العولمة داخل دولها ذاتها. أما الضحايا الحقيقيون فهم بمئات الملايين، وهم اساساً في دول الجنوب التي تعتبرها الرأسمالية المتوحشة ودول العولمة غنيمة ما بعد الحرب الباردة. هؤلاء الفقراء لا يطلبون من أهل الشمال إحساناً ولا صدقة ولا حتى مساعدة، يطلبون فقط شروطاً منصفة للتجارة والتنمية، يطلبون الحق المشروع في التعليم والعمل والصحة، لكن اجتماع جنوى لم يكن مستعداً لسماع الرسالة. والاجتماع المقبل في كندا سيكون في قرية جبلية صغيرة ومعزولة ضماناً لمزيد من الصمم والابتعاد عن الاصوات الغاضبة. وما بين الاجتماعين سيصبح الاغنياء أكثر غنى والفقراء أكثر فقراً والمرضى أشد مرضاً.
وكما حذر رئيس وزراء البرتغال اخيراً فإن الاغنياء مستمرون في عدم الانشغال بصحة الفقراء، هذا سيئ. لكن الأسوأ منه سيكون ذلك اليوم - المقبل حتماً - حينما ينشغل الفقراء بصحة الاغنياء.
* نائب رئيس تحرير "اخبار اليوم" القاهرية.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.