تعددت الأسباب والطلاق واحد، وفي ظلمة الوحدة والغربة للمطلقة وشعورها بأنها اصبحت عالة على المجتمع، تبدو تجربتها احياناً دافعاً للمزيد من العطاء والخروج من الماضي الى عالم جديد يلائم ظروفها، اما بالزواج ثانية او بالسفر، او بالعمل، او بالانصراف الى تربية الأطفال. وفي نظرة متأنية لوضع المطلقة في سورية نجد ان الأمر يأخذ ابعاداً فيها من الظلم للمرأة مع الاعتقاد انه لا يوجد امرأة تطلب الطلاق إلا بعد ان تكون استنفدت كل الوسائل لإطالة عمر زواجها. وفي ما يلي نماذج متنوعة لنساء مطلقات يلقين الضوء على حياتهن بعد انهيار جدران قفصهن الذهب. حياة ما بعد الطلاق حوّلتها الى يائسة نيرمان علي 35 سنة تطلقت من رجل لم يكن يفهمها ولم يعطها اهتمامه، بل كان متجهاً الى اخريات كن يتهافتن عليه لكثرة ماله، يبذخه عليهن. بعد الطلاق وجدت امامها عشرات الاحتمالات الجديدة فإما ان تتزوج بآخر او تعمل مهندسة في أحد المكاتب او تسافر خارج البلاد. ومما سهل هذا الأمر عدم رزقها اطفال يحولون دون بدئها حياة جديدة، اضافة الى ان الزمن كفيل ان تنسى او تتناسى الأوقات العصيبة التي مرّت فيها خلال زواج بدأ على اساس الحب وانتهى بعدم التفاهم بعد عشر سنوات قضت فيها حياة بائسة. ومع ذلك فهي تعاني من كلمة مطلقة وكأنها وصمة عار تلاحقها اينما وجدت، وكأن نظرة النساء اليها تعيّرها، متجاهلين انه ربما يكون الحق الى جانبها في اختيار هذا الطلاق الذي بات كالكابوس، فهي ترى ان الحياة لم تعد مقتصرة على وجود رجل وامرأة فقط، بل هناك معطيات اخرى يمكن ان تبدأ حياتها بها وتعتمد على مؤهلاتها. وهي عازمة على ان تعمل في اختصاصها الذي لم يدعها زوجها تعمل به. وحتى الآن تبدو حياتها بعد الطلاق في حال عدم توازن واستقرار لأنها على مفترق طرق. ولكنها على ثقة بأن المستقبل سيكون افضل وبخاصة اذا سنحت الظروف لها بالزواج مرة اخرى، فسيكون مبنياً على مقومات تضمن لها الاستمرار والطمأنينة في الحياة الزوجية. تعيش السيدة لمياء حسين 30 سنة حال ضياع بعد طلاقها منذ خمس سنوات اكتفت ألا تبرح بيت عمتها المقعدة. طلاقها لم يثمر اطفالاً وحصل بعد اتفاق بينها وبين زوجها. مع ذلك تقول ان العملية كانت معقدة والزوج في هذه الأمور هو الرابح دائماً، خصوصاً ان الرغبة بينهما كانت انطفأت لوجود حواجز وهمية لكنها لم تيأس وقررت الزواج بغيره بعد طلاقها والبدء بحياة ما بعد الطلاق بأسلوب آخر لتكتشف ما كان ينقصها. ولكن المجتمع حال دون ذلك اذ تعرفت الى شخص واتفقت وإياه على الزواج وعدم الإنجاب. إلا ان أمه وقفت حجر عثرة بينهما ومنعت ابنها من الزواج بمطلقة. وعادت لمياء الى مأساتها مع المجتمع والناس والظروف التي لم ترحمها، وهي تتمنى ان يرحمها ويعاملها كإنسانة لها مشاعر وأحساسيس، خصوصاً انها تحملت الكثير، والآن تحاول ان تجد سبيلاً لتتخطى محنتها بصبر وحكمة وأن تجد ما يشغل اوقات فراغها كالخياطة والتطريز والعمل لصالح أحد المحال التجارية. المحامية مانيا خليل اشتكت من زوجها الذي طلقها منذ سنتين وهي في عمر لا يتجاوز الأربعين ولديها طفلتان. عندما تنهار مشاريع المرأة ومخططاتها وتنهال المفاجآت غير السارة على حياتها الزوجة يبقى لها ان تتمكن من الاستمرار لتقف على قدميها حتى تمر العاصفة في مواجهة الخلافات الزوجية والعائلية فإما ان تطالب بنفقتها وبالبيت لأجل بناتها او تتركهن مع والدهن، ليتزوج بأخرى. ومع ذلك فإن الإعراض عن الزواج من المطلقة له آثار خطيرة نتيجة نظرة المجتمع الظالمة لها، وليس الطلاق نهاية المطاف، فهناك آفاق مفتوحة للنساء اللواتي فشلت تجربتهم في الزواج، وقد بات أمراً سهلاً نسبة الى الماضي. اليوم لا تشعر المطلقة بالوحدة كما الأمس اذ يمكنها ان تعمل وتتزوج اذا اتيحت لها الفرصة. ومع كل الحلول تبقى المرأة المطلقة في مجتمعنا الشرقي يشار اليها بالبنان انها مخطئة ويقع عليها العبء الأكبر في فشل زواجها. بالنسبة إليّ كمطلقة أنوي ألا اعيد هذه التجربة بل اسعى ان أربّي بناتي تربية حسنة في البيت الذي سأستلمه قريباً من زوجي الذي تنازل عنه لبناته في حال عدم زواجي مرة اخرى وأن أكتفي بأن أكون أماً حقيقية ترعى بناتها وتعلمهن ان يختاروا نصفهم الآخر بعقلانية وتأمل وتفكير يجعلان من الحياة الزوجية جميلة وممتعة. السعادة بعد الطلاق عادت السيدة لمى الحوراني الى بيت اهلها عندما طلقها زوجها ومعها اربعة اطفال لتبدأ العمل مع اخيها، في المتجر الذي يملكه، بعد الظهر، ولكي لا تكون عالة على احد، على رغم ان فكرة الطلاق كانت مستبعدة وصعبة، ولكنها كرهت زوجها لأنه أهانها وضربها، وتدخلت الشرطة في ما بينهما، فساحة الزواج كما قالت ارض مقدسة لا يجوز التمرد عليها، فلو كانت تعرف انها وحدها ستدفع الثمن ما رمت بنفسها في بحر امواجه صاخبة. ولكنها بعد طلاقها اخذت تشعر بالسعادة وتعيش حياة مستقرة، فلم يعد احد يهين كرامتها او يضربها ويمعن في اذلالها امام الغرباء وكأنها عدوة له، صحيح ستشعر بالوحدة من دون رجل، يملأ حياتها ويشعرها بأنوثتها ولكن اطفالها هم ملاذها الوحيد الذي سترويه بحنانها وعطفها وترى فيهم حلمها الوردي الذي لم يتحقق مع زوجها. فهي تقترب من سن الخامسة والخمسين، وتعمل موظفة في المسرح صباحاً وتكتفي ان تعيش مع ابنائها في ظل خالهم وكنفه الذي مد يد العون اليهم من دون ان يفرض سيطرة لا داعي لها. ولم يفرض عليها احد ان تعطيه راتبها الشهري كله متذرعاً انه الرجل وهو الذي سيصرف على البيت، فحياة ما بعد الطلاق هي وسيلة لتنعم بالحياة وجمالها من دون ان يكون هناك عوائق تكبل جمال الحياة إلا ان هذه الحياة تبقى في حالة دوران حول النفس لأن الطرف الآخر المفقود يشكل نقصاً في حياة المرأة لأن جمال الحياة وروعتها تبقى مضامينها في الرجل والمرأة معاً، والوحدة سبيل الى الضياع اذا لم تكن الظروف في صالح الزوجة. المخدرات... سبب طلاقها منذ الاسبوع الأول لزواجي منه أحسست انه غير طبيعي الى ان طلب مني ادمان المخدرات معه بواسطة ابر فرفضت. وحاول اعطاءها اياها وهي نائمة فاستفاقت مذعورة. وطلقها القاضي بسهولة، بعد ان اكتشفت ان نساءه الأربع طلبن الطلاق منه لهذا السبب. ولم يستمر زواجها به شهراً ورجعت الى اهلها، كما تقول السيدة امل داغستاني، مكسورة الجناح لهذا العار الذي لحق بها ولم تكمل عامها الخامس والعشرين. اصبحت مطلقة تعيش حياتها مع اسرتها بكثير من الحذر والخوف والانتباه لكل تصرف تتصرفه، وكل عمل تقوم به وكأنها مقترفة ذنباً لا يغتفر، ومع ذلك فهي تحاول ان تعيش حياة مغايرة لهذه التجربة بأن تعود الى الجامعة لتكمل دراستها الحقوقية، وبعدها تختار الرجل المناسب الذي يمكن ان يتفهم عقلها ويحترم شخصيتها، فلا يمكن ان تبقى في دائرة مغلقة تبحث عن الحل وهي جالسة امام النافذة. فالعالم تغير ولم تعد المطلقة تلك المسكينة التي لا حول لها ولا قوة بل اصبحت تنخرط في المجتمع كغيرها وتثبت جدارتها في اي مجال، وخصوصاً العالم من حولها يتغير في شكل سريع جداً. قررت السيدة تهاني سعيد الطلاق من زوجها قبل عام وهي في سن الرابعة والثلاثين ولها ثلاثة اطفال منه. بدأت مشكلتها مع زوجها عندما راح يسمعها الكلمات اللطيفة عن ابنة اختها. وعلى رغم معارضة اهلها لطلاقها إلا انها لم تعد تحتمل الاساءة من الزوج الذي بدأ تعذيبها وإهانتها بسبب ابنة اختها. ووصل الأمر الى الذل وهو مناف للأخلاق والتقاليد العائلية، فاستحالت العشرة الزوجية، وقرر ان يتزوج ابنة اختها، وأن يطلقها ليتسنى له ذلك شرعاً وقانوناً، وفي اعتقادها ان وسائل الإعلام والفضائيات أثّرتا على اسرار تنوع الزواج والمتعة الى ان أدت الى الصراع الفاشل بين الزوجين. ولكن بعدما طلقت وتركت اولادها عند ابيهم احست بالفراغ القاتل، اضافة الى مأساتها ان ابنة اختها التي ستتزوج بزوجها، وهي لا تعمل شيئاً لتنسى هذه المأساة. وإلى الآن هي حائرة وكأنها تقف على مفترق طرق. فهي لا تحتمل وجود اولادها بعيداً منها ولا تستطيع ان تربيهم هي لأسباب مادية ولا تعرف عمل شيء إلا ان تكون ربة منزل. فهي لا تنوي الزواج ابداً. تقضي اوقاتها ما بين الجيران والأصدقاء والأقارب، وفي وقت الفراغ في مشاهدة التلفزيون او نائمة في بيت اهلها الذي تسكنه زوجة اخيها والتي بدأت تأخذ حيز الملل والمشكلات وكأنها فرد زائد على العائلة وتقوم بكل اعمال البيت المختلفة، إلا ان زوجة اخيها لا تضمر لها سوى الشر. ولكنها تبقى مكتوفة الأيدي وسط هذا المجتمع الذي تلوكه الألسن وستبحث عن حل يناسبها ويناسب عائلتها من دون ان يؤذي أحداً. المطلقة... سعيدة بوحدتها الحرية ثمنها باهظ، ولما أخذت حريتها من زوجها الذي لم تتفق معه بسبب الخلافات الزوجية التي كانت تثيرها السيدة ملاحة نجم - ربة المنزل ذي الحديقة - بسبب غزله الدائم للنساء وبخاصة انها طلقت منذ عشرين سنة وكانت في ريعان شبابها الذي لم يتجاوز الثلاثين عاماً، فلم يأتها الزوج البديل من الاول، فقررت ان تعيش من دون زواج وأن تقضي حياتها وحيدة، وبخاصة ان بعض النساء يرفضن هذا التفكير في منتصف الثلاثينات من عمرهن، ويقررن الزواج مهما كانت الظروف لكي يستفدن من الوقت لتحقيق حظوظهن المستقبلية، أما السيدة ملاحة فقد حددت ما الذي تريد ان تقوم به في المرحلة المقبلة والتغييرات التي تحتاجها لتكون بصحة جيدة وبخاصة لأنها وحيدة وقلما يزورها الأقارب. فهي دائمة الانشغال في المنزل امام صديقاتها ليقتنعن ان المنزل لا ينقصه رجل يهتم به. كما انها تشتري الصحف والمجلات اليومية، ولها اهتمام كبير بحضور المحاضرات والندوات وشراء الكتب الأدبية والروايات العاطفية كي لا تشعر بالوحدة التي تحبها على رغم اقتناعها ان وضعها ليس سليماً. ومهما حاولت المرأة الوحيدة ان تشغل نفسها بأشياء كثيرة فلا بد لها ان تشعر بالنقص اذ قد يكون الرجل حاجزاً بينها وبين ما ترغب. بينما كان زوجها يتهمها بالغباء عندما تهتم بزراعة ازهار حديقتها التي تعتبرها كابنتها وصديقة لها كالوحدة التي ألفت معها ثنائياً لا تنفصم عراه.