"رأيته... رأيته... بل مررت في محاذاته وكدنا... ها ها". كانت المراهقة المتوثبة تنطنط وهي تروي لرفيقاتها كيف رأت ستينغ في فندق "قادري" في زحلة وكانت عيون الرفيقات تتزلج على وجه رفيقتهن حسداً وغيرة. لكن هذا المشهد الخاطف قبيل حفلة ستينغ المنصرمة في بعلبك ليس سوى مقدمة لمشهد آخر في باحة فندق بالميرا لامرأة تجاوزت الأربعين، جلست الى أصدقائها وصديقاتها تخبرهم كيف... عضّت ستينغ في عنقه الليلة الفائتة، قالت وهي تردد بين العبارة وأختها "يا حياتي... يا حياتي" إنها ذهبت لتسهر في مقصف اتلانتيس وفوجئت بوجود ستينغ هناك بدعوة من لجنة المهرجانات الى أمسية حميمة مع المقربين والمقربات. "جاؤوا له براقصة شرقية فخلع قميصه وشاركها "الخلع"... يا حياتي... ثم استدار فجأة وأخذني في ذراعيه فرقصنا "سلو" بضع دقائق ما استطعت خلالها إلا ان أترك بصمتي على بشرته... يا حياتي... عضضته في عنقه وولّيت الأدبار!". هذه الحماسة، بل هذا الحب الواضح لمغني الروك والبوب الإنكليزي، من الظواهر اللافتة التي ترافقه حيثما حل، كذلك كان "شكل" الجمهور الذي يتابعه كظله ويخلص له إخلاصاً يقرب التكريس. فأتباع "ستينغ" لا يتغيّرون ولا يبدلون الولاء مهما سطعت على ساحة الروك نجوم جديدة وما اكثرها هذه الأيام. اختتم ستينغ جولته الأوروبية بزيارة لبنان، بعد تركيا، وكانت الجولة مخصصة لترويج ألبومه الأخير "يوم جديد تماماً" الذي نال عليه جائزتي "غرامي" كأفضل البوم شعبي وأفضل مطرب. ومنذ 18 شهراً وأغاني هذا الألبوم في قمة الاستطلاعات الأوروبية والأميركية. اما السبب فهو قبل كل شيء استمرار نضارة ستينغ بعد بلوغه الخمسين، واحتواء الألبوم على موسيقى منوعة شملت الموسيقى العربية، خصوصاً في أغنية "وردة الصحراء" وكان المطرب الجزائري الشاب مامي رافق ستينغ في أدائها. ويقول ستينغ عن ألبومه السابع: "كتبت الموسيقى، شذبتها ووزعتها قبل ان أكتب كلمة، كان عليّ ان أثق أن الموسيقى ستخبرني قصصاً، وتلهمني شخصيات. إنها عملية غامضة. وعلى المرء ان يكون صبوراً. فكأنك تنحت قطعة خشب حيث في مقدورك ان ترى وجوهاً، على التفاصيل الداخلية للقطعة". وستينغ من مواليد نيوكاسل في الشمال الإنكليزي، حيث تزدهر صناعة السفن وتقوم الآثار الرومانية الأكثر شهادة على ماضي جزيرة الضباب. كان أستاذاً ومدرّب كرة قدم، وعاملاً يدوياً، ثم جعل فنه رحلة اكتشاف مستديمة. في "البوليس" حيث سجّل اولى اغنياته اشتهر بالكتابة والتلحين وخصوصاً بإطلاق عناوين غريبة على أغانيه مثل Outlandos D'amour وRegaha de Blanc وحين اصبح وحده لم يتوقف عن المغامرة في ألحان مثل "حلم السلاحف الزرقاء" و"هات الليل"، و"لا شيء كالشمس". وعرف ستينغ بمزاوجته العمل السياسي - الإنساني مع الفن، فهما برأيه لا ينفصلان حين يكون الفنان مدركاً لقضايا عصره. تراه منغمساً مع زوجته ترودي ستايلر، في الدفاع عن البيئة حول العالم إذ أسسا معاً لجنة الدفاع عن غابات الأمازون في وجه شركات الخشب والتعدين التي أنزلت كوارث بيئية فادحة في حياة السكان الأصليين هناك. ناهيك عن مساهماته الفعالة في لجنة العفو الدولية. في الخامس من ايار مايو الفائت حاز ستينغ على جائزة جبران خليل جبران المعروفة باسم روح الإنسانية، ويمنحها في واشنطن المركز الثقافي العربي، وذلك تقديراً لخدماته في الدفاع عن حقوق السكان الأصليين حول العالم. وكان ستينغ في العامين السابقين بدأ يشرك معه عازف العود سيمون شاهين والمغني الشاب مامي في أداء "وردة الصحراء" الأغنية التي ضربت الرقم القياسي في الولاياتالمتحدة وأوروبا لأكثر من 18 شهراً. ولعل ما لا يعرفه كثيرون عن ستينغ انه يفضل العرض والغناء لجمهور متوسط الكثافة بين 5 آلاف و125 ألف مستمع بعكس ما كان يواجهه من أعداد خلال عمله مع فرقة "البوليس" حين كانت الكثافة الجماهيرية التي تعدت الخمسين ألفاً غير مرة تحدّ من تواصله مع نبض الجمهور. من هنا ان ما واجهه في بعلبك حوالى 5 آلاف مستمع كان مثالياً، فمنذ اللحظة الأولى، حين اشتعلت حوله الأضواء الزرقاء والبنفسجية، وحين هبّ الجمهور في وقفة رجل واحد، وحين انطلق التصفيق والصفير والصياح تواترت بين ستينغ وبيننا أمواج التواصل وبدأت سفينة الموسيقى رحلتها في "محيط" القلعة الأثرية. وإذا كانت كلمة ستينغ تعني اللسعة فالجمهور الذي رحب بستينغ كان ملدوغاً اكثر من مرة، ومن جحر يطرب ولا يؤلم!