هذه إحدى أبرز الأغاني التي ما زال سوء الفهم يحيط بها رغم كل السنين التي انقضت منذ ظهورها، مع نجاحها منقطع النظير، الذي جعلها تتربع على عرش قائمة أفضل الأغاني لثمانية أسابيع متتالية في الولاياتالمتحدة ونصفها في المملكة المتحدة، وتفوز بجوائز مميزة على رأسها الغرامي لأفضل أغنية منفردة تم تأديتها من قبل فنان أو فرقة عام 1984م، وجائزة أفضل تصوير سينمائي لفيديو مصور عن أغنية، حازها المصور دانيل بيرل، كما أنها صنفت في المرتبة الرابعة والثمانين من قائمة الرولينغ ستون لأفضل خمسمائة أغنية في التاريخ، والخامسة والعشرون في قائمة البيلبورد لأفضل مائة أغنية في التاريخ. ظهرت الأغنية منفردة في البدء، وبعد أن تم استثمار نجاحها وقتاً طويلاً، ظهرت في ألبوم الفرقة الخامس والأخير "تزامن" عام 1983م، لكن نجاحها الباهر الذي توقعه ستينغ، كان هو أيضاً السبب الذي دفع الفرقة للانفصال، لأن ستينغ في غمرة اعتقاده العميق بأن هذه الأغنية ستكون قفزة هائلة للفرقة، دفعته ليتعصب لإنجازها بشكل منفرد سعياً للكمال، ما أثر عميقاً في مشاعر زملائه، الأمر الذي خلق المشكلات مبكراً قبل وأثناء وقت التسجيل، ما اضطر مدير الفرقة مايلز كوبلاند للتدخل مرارا لحل النزاع بين ستينغ وأخيه الأصغر قارع الطبول في الفرقة ستيورات مايلز، حتى بلغ النزاع بينهما الاشتباك بالأيدي والشتم المتبادل، ثم تم إنجاز التسجيل، وامتلك ستينغ كل حقوقها الفكرية، التي كان الجدل يدور حولها فيما بعد مرة تلو الأخرى، بيد أن كل هذا لم يجد نفعاً وبخاصة أنه تم التأكيد في عام 2010م على أن أرباحها تقدر بثلاثة أرباع ما تلقاه الفنان الإنجليزي ستينغ على مجمل أعماله منذ بداية نشاطه قبل ما يزيد على أربعين عاماً. كتب ستينغ الأغنية ولحنها في طريقة غير تقليدية في الموسيقى الغربية ذلك الوقت، فرقة ذا بوليس نفذت عمل بوب كما يفترض أن يقدم، لكن ستينغ استطاع أن يكسر القواعد ويشتغل على أسلوب كلاسيكي يعتمد على نوتات تسير في ارتفاع بسيط ممتنع، جعلها تُكسِب الأغنية نفسها الترنيمي المشهور، ذلك الانخفاض الذكي الذي يستثمره ستينغ بصوته الساحر، في رواية لحكاية تعكس جوهر المعنى الشائك للكلمات التي تم قولبتها في إطار غير الذي أراده ستينغ وصرح بشأنه مراراً. من المثير للانتباه في هذا العمل الذي يروي في قصيدته الغنائية وقائع ما بعد الانفصال في علاقة رومانسية بين اثنين لا نعرف تفاصيل ما جرى بينهما، لكننا نسمع بأسلوب الراوي ما يفعله في تتبع حبيبته بشكل مثير للشك والريبة، شخصية تبدو مهووسة وغير قادرة على الاستمرار في الحياة دون ذلك الشخص الذي أصبح بعيداً كما يظن، لكنه يتعرض لرقابة مجنونة ليلاً ونهاراً، يحاسب عليه حتى أنفاسه. لكن الأغنية تحولت وبطريقة تستحق الدراسة إلى ثيمة للحب، أغنية عاطفية تغرق في الاهتمام بتفاصيل الحبيب إلى الحد الذي جعل زوجين يندفعان نحو ستينغ لشكره على عمله الجميل الذي جعلهما يختاراها أغنية لزواجهما. ستينغ صرح في مقابلات متعددة عن استغرابه في أن تتحول أغنية بهذا العنف المبطن وهذه السادية في الامتلاك والوصاية والرقابة في أجواء شبيهة تذكرنا بالأخ الأكبر في رواية جورج أورويل الخالدة (1984)، إلى أغنية حالمة تعبر عن نوع من الحب غير المشروط، المحشود بتضحيات عن كل شيء ما عدا أن يكون مع الحبيب فقط، وهو ما يقدم قراءة مغايرة لمراد الكلمات ذات الموسيقى التي تجسد المعنى الحقيقي وليس المعنى التأويلي في جانب مفارق تماماً، حيث تنتهي الأغنية وستينغ يردد ومن خلفه كوبلاند وأندي سمر أن الرقابة ما زالت مستمرة في إلحاح لحني وصوتي رتيب ومدهش في تعبيره الواضح والحثيث. في عام 1999م، صنفت شركة بي إم أي للإنتاج الفني الأغنية كأحد أفضل أعمال القرن العشرين، وفي عام 2007م تم منح ستينغ شهادة البث المليوني، كأعلى أغنية تم بثها في إنجلترا بعدد 9 ملايين مرة، ناهيك عن بثها في أماكن أخرى في العالم، ومن يدري ربما تبث الآن لو أدرت الراديو!