} يصل الرئيس الباكستاني برويز مُشَرَّف الى نيودلهي صباح غد، ترافقه عقيلته شهباء ووفد رسمي يضم كبار مساعديه، في مستهل زيارة رسمية هي الأولى من نوعها لرئيس باكستاني للهند.وتستمر الزيارة ثلاثة أيام يمضي الوفد اليوم الأول منها في العاصمة الهندية، على أن يتوجه بعد ذلك الى مدينة أغرا، العاصمة السابقة لملوك المغول المسلمين الذين حكموا الهند في الماضي. أعدت الحكومة الهندية برنامجاً حافلاً للرئيس الباكستاني برويز مُشَرَّف لاظهار الطابع الاستثنائي للزيارة، يبدأ من لحظة وصوله الى مطار انديرا غاندي الدولي في نيودلهي صباح غد ويستمر حتى مغادرته مساء الاثنين عائداً الى اسلام أباد. وتعكس الحفاوة الرسمية والشعبية التي تنتظر مشرف وعقيلته والوفد المرافق، مدى الاهتمام الذي تعلقه نيودلهي على تحقيق تقدم في العلاقات المتأزمة بين البلدين، منذ انفصالهما الدامي عام 1947، وما تبعه من حروب سببها الخلاف على اقليم كشمير. وأبدت الحكومة الهندية ليونة ملحوظة في الأيام الأخيرة حيال نيودلهي عبر سلسلة اجراءات لاثبات حسن نيتها، ومنها التعهد باطلاق السجناء الباكستانيين المدنيين وتقديم منح طالبية إلى باكستان والسماح، للمرة الأولى، بمنح تأشيرات دخول على الحدود بين قطاعي كشمير بدلاً من الانتظار المهين الذي يتعرض له طالبو التأشيرات أمام المفوضية العليا في كل من إسلام أبادونيودلهي. ولم ترد اسلام أباد على المبادرات الهندية بأخرى مماثلة من نوعها، وإن كانت المبادرات السياسية الطابع بقيت غالبة على موقف اسلام أباد، كإعلان وقف التدريب العسكري في المدارس الدينية واقتراح توقيع معاهدة لا حرب مع نيودلهي. وحملت تصريحات مشرف دعوات متكررة الى الهند "للانصراف الى معركة التنمية بدلاً من تضييع وقتنا في النزاعات غير المجدية". وعلى رغم الطابع الاحتفالي للاستعدادات الجارية للقمة، دار سجال على قدر من الأهمية بين العاصمتين خلال الأيام الماضية، محوره تشديد اسلام أباد على أن غرض القمة ليس تهدئة الموقف، وانما حل النزاع الكشميري، كمدخل لحل كل القضايا الأخرى، بينما اهتمت نيودلهي بالتركيز على الجانب الاجرائي، بصفته يحمل دلالة على الاهتمام بتخطي النزاع القائم، وعلى أساس أن تكون اتفاقات التعاون الاقتصادي والفني مقدمة للوصول لاحقاً الى البحث في النزاع الكشميري. ويبدو ان هذا الموقف الهندي هو الذي حمل الرئيس مشرف على تضمين زيارته لقاء مع مسؤولي "مؤتمر حريات"، وهو تجمع يضم في اطاره 23 تنظيماً "كشميرياً" تطالب بالانفصال عن الهند، مساء غد، في حفلة شاي تقيمها المفوضية الباكستانية العليا في نيودلهي، ودعت اليها 100 شخصية سياسية وديبلوماسية، على رغم اعتراض نيودلهي. وعمد مشرف، بعدما أعلن أن الوفد الرسمي المرافق سيتألف من 63 شخصاً، الى خفض عديده ليقتصر على المسؤولين عن الشأن السياسي، في رسالة واضحة الى نيودلهي أن اسلام أباد غير راغبة في تحويل القمة منتدى للحوار الاقتصادي، بل ترغب في التركيز فقط على الشأن السياسي أولاً، أي قضية كشمير. وفي رسالة ضمنية واضحة قصدت طمأنة الجانب الباكستاني الى مرونة نيودلهي، عمد رئيس الوزراء الهندي آتال بهاري فاجبايي الى الرد، مؤكداً اهتمام الهند "بمناقشة مسألة كشمير برمتها"، وهو ما يعني اعترافاً، رفضت نيودلهي حتى الآن القيام به، بأن باكستان شريك اساس في حل النزاع، ويعني أيضاً أن التوصل الى انهاء مشكلة كشمير يجب أن يأخذ وجهة نظر اسلام أباد، الداعمة للفصائل الكشميرية، في الاعتبار. وأثارت مسألة اجتماع مشرَّف مع زعماء "حريات" حفيظة التحالف الوطني الديموقراطي الحاكم في الهند، ما أدى برئيس التحالف جورج فرنانديز الى اعلان عدم رغبة حزبه في تلبية الدعوة الى حفلة الشاي، لكنه لفت الى ان الأمر لا يرقى الى المقاطعة. وتقول الأوساط الهندية إن ما يرغب الرئيس مشرف في القيام به هو الاتفاق على وضع جدول زمني لحل قضية كشمير، مع ارساء قواعد لاستمرار الحوار واشراك الفصائل الكشميرية فيه، وفي مرحلة لاحقة ترغب اسلام أباد في وضع خطوات عملية لتطبيع العلاقات مع الهند بما في ذلك فتح الحدود وتوسيع المبادلات التجارية وخفض نسبة الحضور العسكري في كشمير، واقامة خطوط اتصال مباشرة بين قيادتي البلدين للاطلاع على المناورات ومواعيدها مسبقاً، اضافة الى بلورة صيغة مشتركة لوقف التجارب النووية وسباق التسلح في مجال المعدات الحربية التقليدية. ويعتقد المراقبون أن هامش المناورة يبقى ضيقاً أمام مشرف ومضيفه الهندي، إذ انهما معاً استشارا العائلات السياسية، كل في بلده، وصار في حوزة كل منهما تفويض مسبق لا يستطيع أي منهما تجاوزه لإرضاء محاوره. وفي هذه الحال، حملت الرسائل الضمنية التي تضمنتها تصريحات الزعيمين على مدى الأيام الماضية، بشائر احتمال تحقيق تقارب في وجهات نظر البلدين، أكثر مما أكدت احتمال تحقيق نجاح كامل في المفاوضات بينهما.