لم تقف اللغات الأجنبية حائلاً دون انتشار الأفلام السينمائية، ولم تؤثر في تزايد شعبية الفن السابع. وإذا كانت سوق الكتب المترجمة دائماً ضيقة، فإن الأفلام الأجنبية كثيراً ما وجدت طريقها إلى قاعات العرض. حتى الآن، يصعب الجزم بأن سحر الشاشة الكبيرة كان وراء انتشار الأفلام، وإن تحدثت بلغة غريبة عن متابعيها. ولا يمكن إنكار الدور الذي أدته ترجمة هذه الأفلام في تقريبها من الجمهور. وعند الحديث عن الأفلام الرائجة، يقصد به أولاً الأفلام الأميركية التي تغزو دور العرض في العالم. في الوطن العربي، عرفت ترجمة الأفلام كصناعة لبنانية أو مصرية، وهي وإن لم تكن حديثة، ومع كل الملاحظات عليها، لا تزال بالنسبة إلى كثيرين عالماً مجهولاً، لكنه عالم متكامل، تؤطره قوانين خاصة به، وتشوبه مشكلات يعيها جيداً أبناء هذه المهنة فقط. فكثيراً ما يلقي المشاهد اللوم على المترجم نفسه، إذ يقرأ جملة فيها من الأخطاء اللغوية ما يفوق الخيال، ولا يعرف مثلاً أن ثمة شركات توزيع تصر على استخدام عبارات لا تصح في العربية الصحيحة، ولا يعرف أيضاً أن الأسعار التي يتقاضاها المترجمون، بدل أتعاب، لا تتبع نظاماً موحداً. ونستغرب - كمشاهدين - إذ نقرأ ترجمة لإحدى العبارات قبل أن ينطق بها الممثل، وقد نضحك كثيراً، إذ نكتشف أن في الأمر "محاولة توفير" لا أكثر. فالمترجم الحر يتقاضى أجره على عدد السطور التي ترجمها. وفي محاولة لخفض البدل تعمد شركات إلى ربط الجمل والسطور بعضها ببعض. تعرّف "الحياة" التقت رئيسة قسم الترجمة في شركة "راكتي" للانتاج والتوزيع الفني المختصة بدبلجة الأفلام الوثائقية نضال منذر والمترجمة رشا مكارم. وحاولت التعرف إلى هذا العالم، وكيف تترجم الأفلام الروائية والوثائقية؟ وما هي مصاعب الترجمة؟ وكيف تتعامل شركات توزيع الأفلام مع المترجمين؟ وما هي الملاحظات على النتاج النهائي الذي يراه الجمهور. تزدهر هذه الصناعة في لبنان كثيراً هذه المدة، على ما قالت رشا مكارم. فقد تأسست مدارس للترجمة فيه قبل عقود، هي الأقدم في العالم العربي، وعرف كيف يحتل مركزاً ريادياً في هذا الميدان. وعزت الازدهار في شكل لافت إلى توسع سوق العمل مع انتشار الفضائيات العربية، إلا أن الشركات تفضل التعاطي مع المترجم الحر، وتبتعد عن التوظيف، فكثيراً ما توظف مدققاً لغوياً، وتستغني به عن المترجمين - الموظفين. ولفتت، من جهة أخرى، إلى "أن الأسلوب الذي يعتمد في ترجمة الوثائق المكتوبة أو السينمائية واحد، والجهد الذي يبذل هو نفسه. فالترجمة الأمينة تتطلب الابتعاد عن التأويل". وقالت "إن المادة نفسها تفرض أسلوباً معيناً في ترجمتها، إذ لا يمكن مثلاً التصرف بالنصوص العلمية، ففي هذه الحال يتبع المترجم النص المكتوب بحذافيره، معتمداً بنية اللغة المنقول إليها". في ترجمة الأفلام الروائية، يخضع المترجم في عمله لمدة العمل الذي يتناوله، أي لعدد معين من الكلمات والسطور. وضمن هذه الشروط تُنقل الفكرة التي يطرحها العمل المُترجَم، بلغة مبسطة جداً. ويختلف أسلوب الترجمة باختلاف نوع الفيلم. فاللغة السليمة والسلسة والمبسطة مطلوبة في الأفلام الموجهة إلى الطفل، لئلا يستغرق وقتاً طويلاً في قراءة الترجمة. ومشكلات ترجمة الأفلام الروائية - على ما حددتها مكارم - أنواع. بعضها يتعلق بعمل المترجمين أنفسهم، إذ أن معظمهم لا يعير انتباهاً كبيراً للغة التي يكتب بها، وللمضمون الذي يقدمه. وتضيف مفصلة أن ترجمة الأفلام الروائية لا تصح إذا لم يشاهد المترجم العمل الذي ينقله، أو يعربه، أما المترجمون - في معظمهم - فيترجمون نصوص الأفلام كما كتبت لهم. في هذه الحال، يلاحظ من يتابع العمل ،إلى الأخطاء اللغوية، مشكلات في نقل مضمون الفيلم ومعناه. ويعتمد بعضهم الترجمة الحرفية، فيخطئ في نقل معاني بعض العبارات الخاصة بكل مجتمع، وفي تقديم ترجمة عربية سليمة. ومثال على ذلك ما نقرأه مثلاً "إنه صديق لي" كترجمة ل He's a friend of mine. والمشكلة الثانية هي ما تسميه مكارم "الممنوع من الترجمة"، وهي تختلف باختلاف المجتمعات، فيلجأ مترجم الأفلام التي ستعرض في الدول العربية إلى الابتكار والحيلة، لتلافي العبارات غير المرغوب فيها ونقل معنى الحوار. وترى أن أصعب ما يواجهه المترجم الأفلام الكوميدية التي تقوم، إجمالاً، على اللعب على الكلام، واستخدام عبارات خاصة باللغة التي ينطق بها الفيلم. أما ما يصادف المترجمين من مصاعب، فتلخصه مكارم بأن "شركات التوزيع لا تفيهم حقهم، فيعانون عدم استقرار في عملهم. إذ تفضل الشركات التعامل مع كل منهم، مترجماً حراً يتقاضى بدل المادة التي يتناولها. وهذا البدل المادي ليس واحداً في كل الشركات، إذ يتفاوت بين 30 دولاراً و80 عن ترجمة فيلم مدته 120 دقيقة، وتستغرق ما لا يقل عن ثماني ساعات". والمتابع لحركة المترجمين لا يحتاج إلى الكثير كي يتنبه إلى غياب التحركات المطلبية، إذ لم ينجحوا في تأسيس نقابة واحدة لهم، وربما لم يسعوا إلى ذلك. وقبل أن تنهي حديثها، أصرت رشا مكارم على الادلاء ب"كلمة حق"، مذكرة بأن شركات التوزيع تخضع لشروط محطات التلفزة، ولكل محطة متطلباتها الخاصة المتعلقة بأسلوب الترجمة، وببعض العبارات التي ترفض أن تظهر على شاشتها. وثائق وإلى الأفلام الروائية، تزدهر أيضاً ترجمة الأفلام الوثائقية. وقد تثير هذه الملاحظة استغراب المتابعين لما تقدمه شاشات التلفزة العربية. لكن هذه النوعية من الأفلام باتت تبث في القنوات والمحطات الاخبارية المتخصصة، وتعرضها التلفزيونات الأخرى عند الظهيرة، أو في وقت متقدم من الليل، علماً أنها تقدم، في معظمها، مادة مفيدة وتثقيفية، وكثيراً ما تعرض مدبلجة باللغة العربية. هذا الأمر، كما أوضحت نضال منذر، يعطي المترجم حرية في التصرف بالنص الذي يتناوله، مع المحافظة طبعاً على جوهر المادة، ما يجعله قادراً على تقديم غني وجميل بالعربية، إذ يسقط مثلاً شرط التقييد بتسلسل الجمل، كما وردت في النص الأجنبي الأصلي. وتحدثت منذر عن مشكلة تتمثل بصعوبة إقناع المترجمين بهذا الأمر، إذ كثيراً ما يتناسون هذه الحقيقة ويصرون على اتباع أسلوب الترجمة الحرفية. وشكت من "عدم التدقيق في النصوص المكتوبة التي تقدم إليهم، فقد يترجمون كلمات غير مفهومة وردت في النص بسبب خطأ مطبعي مثلاً". من ناحية ثانية، يعتبر البعض أن اللغة الأجنبية لا تُمس، فيكتبون النص العربي ببنيتها. وربطت منذر هذه الظاهرة بإهمال معظم مدارس الترجمة اللغة العربية، مثلما يهملها المترجمون، "إذ لا يبذل معظمهم جهداً شخصياً لدراسة قواعدها من جديد". وتحتاج ترجمة فيلم وثائقي، مدته ساعة، إلى نحو ست ساعات من العمل. أما أفلام الكرتون، فتتطلب جهداً مضاعفاً، على مختلف الصعد، إذ على المترجم أن يبحث عن لغة مبسطة، وأسماء عربية تلائم الشخصيات. ودعت منذر إلى دبلجة أفلام الأطفال. وقالت إن المترجم يجب ألا يكون مجرد ناقل للنص، لأنه عنصر يعي مضمون ما يترجمه، مهمته أيضاً أن يصحح الرؤى التي يطرحها بعض الأفلام، والتي تسيء عمداً إلى العرب والمسلمين، وتعطي فكرة خاطئة عنهم. إلا أن الأمر الأساسي الذي شددت عليه منذر، هو أهمية دور المدقق اللغوي الذي يساعد على تقديم مادة لا تشوبها أخطاء.