بصرف النظر عن ميل البعض الى مشاهدة البرامج الوثائقية وأفلام الكرتون والمسلسلات التلفزيونية والأفلام السينمائية الأجنبية من طريق الترجمة البصرية المكتوبة، أو تفضيل آخرين الدبلجة المعتمدة على الترجمة السمعية البصرية المستعينة بممثلي صوت، إلا أنه لم يُسمع بعد عن مدبلجين ومترجمين سعوديين في مجال تلك الأعمال، على رغم توافر عدد كبير من الموهوبين في هذا المجال، من الذين جعلوا مواقع الإنترنت معملاً لإنتاجهم وحاضنة لمختلف إبداعاتهم في ظل عدم اكتراث القطاعين الخاص والعام بهم، بدلاً من الاستعانة بمترجمين من جنسيات عربية أخرى. وحيد جلال، ألفيرا يونس، علي المفيدي، جاسم النبهان... حناجر ذهبية حفرت لنفسها مكاناً في ذاكرة مريم صالح، التي أحبت أصواتهم في أفلام الكرتون المدبلجة، أمثال «زينة ونحول» و «مغامرات سندباد» و «عدنان ولينا» على رغم مرور أكثر من عقدين على عرضها. لكن السؤال الذي لطالما بحثت له عن إجابة، هو غياب الصوت السعودي في مثل هذه الأفلام والمسلسلات المدبلجة، على رغم توافر مواهب سعودية نجحت في إبراز جهودها الفردية في الدبلجة الإلكترونية عبر «يوتيوب» ومواقع الإنترنت. ولا يخفي علي عبدالله (22 عاماً) طموحَه في دبلجة البرامج الوثائقية والمسلسلات التلفزيونية، فيقول: «على رغم أني أملك صوتاً وإمكاناتٍ ومهارةَ تقليد الأصوات، إلا أنني لم أجد جهة إعلامية تتبناني أو ترشحني لأحد أدوارها، ما اضطرني إلى دبلجة بعض المقاطع من أفلام الكرتون اليابانية وبعض مشاهد الأفلام الأجنبية بجهد فردي باللهجة العامية وبأسلوب كوميدي». أما مترجم الأفلام والمسلسلات على موقع «سب سين» الشهير (subscene)، الصيدلي سلطان الغنيم، فأكد أن شغفه بمشاهدة برامج وأفلام الكرتون والأفلام الأجنبية منذ صغره، وإعجابه الشديد ب «عبقرية المترجم وعلمه وإلمامه التام بتفاصيل المادة التي يترجمها»، جعلاه من عشاق الترجمة. ويقول: «دفعني ذلك إلى ترجمة الأفلام ومقارنتها لاحقاً بالترجمة الأساسية المطبوعة على الفيلم، إضافة إلى مقارنتي ترجمة فيلم معين على قناة وترجمته على قناة اخرى، حتى قبل احترافي الترجمة». وعن العامل الرئيسي الذي دفعه الى خوض عالم الترجمة بشكل فعلي قبل أربع سنوات، فقال: «لم أتوقع في يوم من الأيام أن أكون مترجماً، ولم أخطِّط لذلك، لكن إعجابي بأحد المسلسلات الأجنبية غير المترجمة ورغبتي في مشاركة أصدقائي الذين لا يجيدون الانكليزية متعةَ مشاهدتها، اضطراني بدايةً إلى ترجمة مشاهده لفظياً لهم». لكن ذلك لم يكن ممتعاً بالنسبة الى أصدقاء الغنيم، ما اضطره إلى ترجمة الفيلم كتابياً، بعد الاطلاع على سيناريو حلقاته من طريق النص الانكليزي ثم رفْعِه على المَشاهد بواسطة استخدام برنامج «سب تايتل إنجليش». ويضيف: «استغرقت ترجمتي لحلقة واحدة 12 ساعة في بداياتي، لكن مع تراكم الخبرة لم تعد تستغرق الحلقة مني أكثر من أربع ساعات»، مشيراً إلى أن نوعية المسلسل ومضمونه يساهمان في تحديد مدة الترجمة، «فالمسلسلات الكوميدية التي لا تزيد مدة عرضها عن 20 دقيقة تستغرق ترجمتها ثلاث ساعات، أما الدرامية فست ساعات» على ما يقول. وعن الأسلوب الذي يتبعه في تثبيت الترجمة وتوقيت مدة حديث أبطالها في حال عدم توافر النص الانكليزي الذي يحوي على موقت خاص لكل عبارة، قال الغنيم إنه يلجأ في هذه الحال إلى النص الياباني أو الصيني، والاستفادة من موقت عباراته فقط، بعد استبدال لغته بترجمته. وأكد الغنيم أن ترجمة الأفلام منحته حصيلة لغوية هائلة، «كما أن احتواء البعض منها على اللهجة العامية البحتة واستخدام أبطالها لهجة أبناء الأحياء الفقيرة أو أحياء الملونين التي يفتقر إليها القاموس، يدفعني إلى طلب المساعدة من آخرين». وتحولت الرغبة والهواية إلى تجارة بعدما أصبح الغنيم يتقاضى على ترجمة المسلسلات والأفلام أجراً، وصل إلى 35 دولاراً عن حلقة المسلسل الواحدة. وعلى رغم النجاح الذي حصده، إلا أنه وجه انتقادات للقنوات الفضائية ومعامل الترجمة لعدم اكتراثها بدعم الموهوبين السعوديين في هذا المجال، وعدم الإيمان بقدراتهم اللغوية. وقال: «للأسف، سبق لي التواصل مع احدى القنوات الفضائية وطلبت التعاون معها، لكنها رفضت بحجة أنها تتعامل مع «جهات رسمية» تقوم بمهمة الترجمة، لأكتشف لاحقاً أنها تتعامل مع شركة ترجمة في احد بلدان الشام، وبعد عرض بعض من أعمالي على صاحب تلك الشركة، أشاد بي ورحب بالعمل معه، وفي النهاية أبخسني حقي». وأكد أن أنانية القنوات الفضائية التي تشتري الترجمة من إحدى الشركات ثم تحتكرها على قنواتها فقط، إضافة إلى بيع محلات الفيديو ومؤسسات الإنتاج أسطوانات أفلام ومسلسلات بلا ترجمة، وسَّعا من السوق السوداء للفيديو، الذي «من حق المشاهد أن يحصل عليه مترجماً». وحمّل الغنيم وزارة الإعلام مسؤولية انتشار سوق فيديو سوداء تبيع أفلاماً منسوخة بترجمات رديئة المستوى اختارت غض البصر عنها من دون أدنى رقابة، كما ساهم عدم تبنيها شركات ترجمة إعلامية حكومية -على حد قوله- تعمد إلى استغلال طاقات الموهوبين وتفعيل قدراتهم اللغوية وإبراز أعمالهم إعلامياً تحت مظلتها، إلى تشتت جهودهم واضطرار الكثير منهم إلى التوقف عن الترجمة بعد التحاقهم بالعمل». أما المترجم السعودي عادل محمد، الذي عاش في أميركا سبع سنوات في طفولته، فنفى أن يكون الحصول على شهادة لغة انكليزية أمراً لازماً لترجمة فيلم أو مسلسل، «فهناك الكثير من الأكاديميين تقتصر حصيلة لغتهم الانكليزية على مناهجهم الدراسية فقط» على حد قوله. وذكَّر بأن إلمام الهاوي باللهجة العامية الأجنبية وإتقانه للغة العربية الفصحى يكفيانه لترجمة تلك الافلام، مشيراً إلى «التباين بين ترجمة المبتدئ والهاوي عن ترجمة المحترف والمتخصص». وقال: «كنا نجتمع، أصحابي وأنا، في الاستراحة ونشاهد المسلسلات الجديدة غير المترجمة، فأضطر للترجمة لهم بسبب افتقارهم للغة الإنكليزية». وعن بداياته، قال: «استغرق أول فيلم ترجمْتُه ستة أيام، في حين كان مسلسل (ذا هاوس) من أوائل الأعمال التي ترجمْتُها واستغرقت ترجمة الحلقة الواحدة بين أربع ساعات وست، في حين بلغ مجمل الحلقات التي ترجمتها 200 حلقة». وعن الأسباب التي قد تدفع عادل وغيره إلى ترجمة الأفلام والمسلسلات مجاناً على موقع (سب سين) الشهير، قال: «هناك اسبابعدة، منها رغبة المترجم في إشراك المشاهد الذي لا يجيد اللغة الانكليزية بمتعة المشاهدة، بالاضافة الى استثمار الشاب لموهبته وتفعيل إمكاناته اللغوية وإحساسه بقيمته، ومساهمة الترجمة في تطوير لغته واكتسابه حصيلة هائلة من المصطلحات واكتساب أصدقاء جدد، والأهم سد أوقات الفراغ بطريقة منتجة وإن غير مربحة، خصوصاً عندما تصل كلمات الإطراء والثناء». ويرى عادل أن ترجمة للهواة للكثير من الأفلام والمسلسلات لعبت دوراً كبيراً في انتشار نسبة مشاهدتها بين الناس، بل إن عدداً كبيراً منها لم يكن يحظى بمتابعة إلا بعد تطوع البعض لترجمته. أما عن طبيعة العروض التي طرحت عليه بمقابل مادي، فقال: «عرض علي مركز لغات ترجمة عمل من اللغة العربية إلى الانكليزية، في حين طلب مني شخص ترجمة 40 مسلسلاً بكامل أجزائها، ما اضطرني إلى طلب المساعدة من مترجمين آخرين من مختلف الدول مقابل نسبة معينة». وتابع: «معدل سعر ترجمة الفيلم يبلغ 50 دولاراً، بينما يبلغ سعر حلقة المسلسل الواحدة 35 دولاراً».