ابراهيم ابو لغد، المربي والعالم والناشط الفلسطيني توفي في رام الله، فلسطين، يوم 23 ايار مايو الماضي، عن عمر يناهز 72 عاماً، بعد صراع طويل مع مرض في الرئة. ولد ابو لغد في يافا عام 1929، لأب يعمل في صناعة المعادن، وتخرج من المدرسة الثانوية هناك. لكنه اُجبر في 1948 على الرحيل كلاجىء وقدم بعدئذ الى الولاياتالمتحدة. وتخرج من جامعة الينيوي بدرجة بكالوريوس في 1951، ونال شهادة الدكتوراه في دراسات الشرق الاوسط من جامعة برينستون في 1957. وبعدما أمضى ثلاث سنوات كخبير ميداني في مصر مع منظمة التربية والعلم والثقافة "يونيسكو" التابعة للامم المتحدة، عاد الى الولاياتالمتحدة وبدأ حياته الاكاديمية اولاً في جامعة سميث، ثم في جامعة ماكغيل، وبعدها لمدة 34 سنة في جامعة نورثوسترن حيث أسس معهد الدراسات الافريقية وكان بروفسور علوم سياسية. انغمر ابو لغد في الكفاح من اجل حقوق الفلسطينيين منذ ايام الدراسة، وشارك وهو لا يزال فتى في التظاهرات ضد البريطانيين في فلسطين، وخاض مشادات مع مستوطنين صهاينة في منطقة يافا. وبعدما انهى دراسته الجامعية انتزع بجدارة مكانته كأبرز ناشط اكاديمي عربي في اميركا الشمالية اثر حرب 1967، مؤسساً "رابطة الخريجين الاميركيين العرب" في 1968. وعرف بنشاطه الدائب والقاء الكلمات امام اجتماعات عامة حول القضية الفلسطينية، وقام بزيارات كثيرة الى العالم العربي، فضلاً عن رحلاته الى آسيا وافريقيا النابعة عن اهتمامه بحركات التحرر. وكخطيب ذي شخصية جذابة وسمات قيادية، لم يفقد ابداً النزاهة الفكرية وروح البحث العلمي التي امتاز بها، مستخدماً معرفته الموسوعية عن العالم الثالث والثقافة العربية والتاريخ واللغة وتقليد العقلانية الغربي والفهم الانساني على صعيد قضايا التعليم والتنظيم السياسي والتنمية الثقافية. ولم يكن هناك من يباريه في هذا العمل الذي سرعان ما جعله، اضافة الى ما امتاز به من دفء وسخاء انساني رائع، شخصية معترفاً بها في الولاياتالمتحدة واوروبا والعالم غير الاوروبي. وشغل مهمات استشارية عدة مع الاممالمتحدة. وفي 1977، اُنتخب ابو اللغد عضواً في المجلس الوطني الفلسطيني، وشرع بعد ذلك بوقت قصير في تنفيذ مشروع غير عادي هو انشاء "جامعة فلسطينية وطنية مفتوحة" تحت رعاية "يونيسكو" ويكون مقرها في بيروت. واُحبط هذا المشروع في حزيران يونيو 1982 بسبب الغزو الاسرائيلي للبنان، وعاد الى جامعة نورثوسترن. وفي نيسان ابريل 1988 اجتمع رسمياً، مع ادوارد سعيد، بوزير الخارجية الاميركي جورج شولتز. وفي 1991، استقال من المجلس الوطني الفلسطيني. وهكذا تمكن، كمواطن اميركي بالتجنس، ان يعود الى فلسطين واسرائيل في 1992، للمرة الاولى منذ 1948. وعُرضت عليه وظيفة كبروفسور ونائب رئيس لجامعة بير زيت، فاتخذ قراره بسرعة بمغادرة الولاياتالمتحدة والعودة الى موطنه الاصلي. وبفضل ألمعيته كمدرس وباحث ومنظّم، اصبح فوراً الشخصية الاكاديمية والفكرية الاولى في فلسطين. وجال المنطقة من دون انقطاع لالقاء محاضرات وتنظيم ندوات وحضور مؤتمرات، واستمد شعبيته من حضوره القوي وشخصيته المعطاء ودفء علاقاته الانسانية. وخلال العقد الاخير من حياته، ساهم في تأسيس "اللجنة المستقلة لحقوق المواطنين" و "مركز اصلاح المناهج الدراسية" واخيراً "مركز قطان الثقافي" في رام الله، وشارك بنشاط في اعمالها. وعُرف ابو لغد قارئاً نهماً انتقادي النظرة، وفي الوقت نفسه مؤلفاً ومحرراً لكتب رائدة. وكانت "المواجهة العربية الاسرائيلية في 1967: منظور عربي" 1970 و "تحول فلسطين" 1972 من الكتب الاكثر اهمية. ومهّد كتابه الاول "اعادة اكتشاف العرب لاوروبا" 1963 الطريق لدراسة وجهات نظر العرب عن اوروبا خلال حكم محمد علي لمصر في الفترة بين مطلع ومنتصف القرن التاسع عشر. بالاضافة الى ذلك، كتب وشارك في كتابة مقالات ورسائل ودراسات علمية لا تعد او تحصى باللغتين الانكليزية والعربية، وكان معظمها حول الحياة السياسية والتاريخ والتعليم في فلسطين والعالم العربي. وعند وفاته كانت شهرته ونفوذه انتزعا مكانة عالمية، وهو انجاز فريد لمثقف حرص بقوة على ان يبقى بعيداً عن السلطة والمصالح الشخصية. وقد ألهم بذهنه الناقد ورؤيته الايجابية تلاميذه بالاضافة الى زملائه واصدقائه الكثيرين. ترك ابو لغد وراءه اربعة ابناء، ليلى ومريم ودينا وجواد، بالاضافة الى 6 احفاد. وانتهى زواجه من جانيت ابو لغد بالطلاق. ووري الثرى بجوار قبر والده في يافا. * استاذ الانكليزية والادب المقارن في جامعة كولومبيا.