وزير الطاقة ونظيره الهيليني يترأسان اجتماعات الدورة الأولى للجنة الطاقة بمجلس الشراكة الإستراتيجية السعودي الهيليني    الأردن: السجن ل 3 متهمين في قضية «حج الزيارة»    فليك: برشلونة يتطور.. وفالفيردي: لامال لاعب استثنائي    الرماح والمغيرة يمثلان السعودية في رالي داكار 2025    النقش على الحجر    من أنا ؟ سؤال مجرد    ولي العهد عنوان المجد    إطلاق الوضيحي والغزال والنعام في محمية الإمام تركي بن عبدالله    النصر في منعطف الأخدود.. الفتح يخشى الوحدة.. الرياض يصطدم بالخليج    ولي العهد وزيلينسكي يبحثان جهود حل الأزمة الأوكرانية الروسية    رابطة العالم الإسلامي تُدين وترفض خريطة إسرائيلية مزعومة تضم أجزاءً من الأردن ولبنان وسوريا    "حرفة" يعرّف بدور محافظات منطقة حائل في دعم وتمكين الحرفيين    هوبال    الاحتلال يواصل الإبادة الجماعية في غزة لليوم ال460    ما ينفع لا ما يُعجب    345.818 حالة إسعافية باشرها "هلال مكة" 2024    أمانة مكة تعالج الآثار الناتجة عن الحالة المطرية    بيئة الجوف تنفّذ 2703 زيارات تفتيشية    نائب أمير تبوك يطلع على أداء الخدمات الصحية    11,9 مليار ريال إجمالي تمويل العقود المدعومة للإسكان في 2024    تعزيز التعاون السياحي السعودي - الصيني    بلدية محافظة الشماسية تكرّم متقاعديها تقديرًا لعطائهم    مفاوضات إيرانية صينية لتخليص صفقة بيع نفط بقيمة 1.7 مليار دولار    تدشين المرحلة الثانية من «مسارات شوران» بالمدينة    أمير المدينة يرعى المسابقة القرآنية    طالبات من دول العالم يطلعن على جهود مجمع الملك فهد لطباعة المصحف    قطاع ومستشفى تنومة يُفعّل حملة "التوعية باللعب الالكتروني الصحي"    67 % ضعف دعم الإدارة لسلامة المرضى    مستشفى الدكتور سليمان الحبيب بالفيحاء في جدة ينجح في استئصال جزء من القولون مصاب بورم سرطاني بفتحة واحدة    2.1 مليون مستفيد في مستشفى الملك خالد بالخرج    انطلاق المهرجان الأول للأسماك في عسير    الاتحاد والهلال    أمير المدينة يطلع على مشاريع تنموية بقيمة 100 مليون ريال    بناء جيل رياضي للمستقبل !    الاتحاد يوافق على إعارة "حاجي" ل"الرياض" حتى نهاية الموسم    "القادسية" يحقّق بطولة "طواف الأندية السعودية" 2025    «ترمب شايل سيفه»    دور سوريا المأمول!    تحرير الوعي العربي أصعب من تحرير فلسطين    التأبين أمر مجهد    قصة أغرب سارق دجاج في العالم    المنتخب الجيد!    وزير الخارجية ومفوض"الأونروا" يبحثان التعاون    القيادة تعزي رئيس جمهورية الصين الشعبية في ضحايا الزلزال الذي وقع جنوب غرب بلاده    إنتاج السمن البري    مجموعة (لمسة وفاء) تزور بدر العباسي للإطمئنان عليه    المملكة تتصدر حجم الاستثمار الجريء في عام 2024    أسرتا الربيعان والعقيلي تزفان محمد لعش الزوجية    دكتور فارس باعوض في القفص الذهبي    عناية الدولة السعودية واهتمامها بالكِتاب والسُّنَّة    على شاطئ أبحر في جدة .. آل بن مرضاح المري وآل الزهراني يحتفلون بقعد قران عبدالله    تعزيز الذكاء الاصطناعي في القطاع الصحي    اطلع على إنجازات معهد ريادة الأعمال.. أمير المدينة ينوه بدعم القيادة للمنظومة العدلية    يهرب مخدرات بسبب مسلسل تلفزيوني    «الجوازات»: إمكانية تجديد هوية مقيم وتمديد تأشيرة الخروج والعودة للمقيمين خارج السعودية    هل تعود أحداث الحجْر والهلع من جديد.. بسبب فايروس صيني ؟    نائب أمير منطقة تبوك يزور مهرجان شتاء تبوك    نائب وزير الداخلية يستقبل السفير المصري لدى المملكة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



حوار مع ابراهيم ابو لغد . صورة التعليم العالي في فلسطين : مشكلات معقدة وآفاق مفتوحة
نشر في الحياة يوم 02 - 11 - 1998

شارك الدكتور ابراهيم أبو لغد في "المؤتمر العالمي للتعليم العالي" الذي انعقد الشهر الماضي في منظمة ال "يونيسكو" في باريس، وهو عضو في اللجنة المنظمة للمؤتمر وفي مجموعة ال"يونيسكو" الاستشارية للتعليم العالي، وهو حاليا أستاذ في جامعة بيرزيت وعضو في مجلس الاشراف على "جامعة القدس المفتوحة" وعضو نشط في المجالات المتعلقة بالتعليم العالي في فلسطين.
التقيناه في باريس وكان حوار عن أوضاع التعليم العالي الفلسطيني ومستقبله وعن أوضاع الطلاب والجامعات في الكيان الفلسطيني. وهنا نص الحوار:
تركت فلسطين عام 1948 وعشت ودرّست في الولايات المتحدة، ثم عدت الى فلسطين. كيف كانت هذه العودة؟
- قمت بزيارة للمرة الاولى في كانون الاول ديسمبر 1991، وبعدها قرّرت أن أعود لأبقى في فلسطين لفترة أطول من الزمن. فأخذت إجازة من جامعتي في اميركا جامعة نورث وسترن في شيكاغو وذهبت كأستاذ زائر في جامعة بيرزيت لمدة سنة. وفي خلال هذه السنة، قرّرت أن أبقى في فلسطين لأن التجربة كانت إيجابية جدا بالنسبة اليّ. وعُرض عليّ - وأنا لم أطمح لذلك - أن أكون نائب رئيس جامعة بيرزيت فقبلت ذلك، واستقلت من جامعتي في اميركا وما زلت في وطني أساهم في مجالات شتّى.
كنت عضوا في مجلس التعليم العالي وكتبت في مستقبل التعليم العالي الفلسطيني وساهمت في تأسيس الدراسات العليا في جامعة بيرزيت، كما ساهمت مع فريق من الزملاء، في وضع الخطة لتطوير منهج التعليم الفلسطيني بطلب من ال "يونيسكو". أنهينا هذه الخطة التي تحاول الوزارة الآن تنفيذها. ولا أزال أدرّس في بيرزيت، في العلوم السياسية والدراسات الدولية.
ولكن، هناك مشروع جرّك في اتجاه فلسطين، في مطلع الثمانينات، وهو مشروع تأسيس جامعة مفتوحة للشعب الفلسطيني. هل يمكن تفسير هذا العمل؟
- ساهمت مع ال "يونيسكو" سنة 1979-1980 في وضع دراسة خطة لجامعة مفتوحة للشعب الفلسطيني. أنهينا الدراسة ووافق عليها المؤتمر العام للمنظمة، والجامعة الآن تعمل في فلسطين. والتعليم المفتوح يعني أن الجامعة تذهب الى الطالب بدل أن يأتي الطالب اليها، أي أنه تعليم عن بعد. يفترض أن الطالب غير قادر على الالتحاق بالجامعة أو ان الجامعة النظامية غير متوفرة. وفي وضعنا في فلسطين كشعب موزَّع في الوطن العربي، وكان تحت الاحتلال ولا يزال، علينا ان نبدع في طريقة ايصال المعرفة الى شعب مشتّت. وهكذا نشأت فكرة التعليم المفتوح وهي فكرة رائدة بريطانية.
التعليم عن بعد موجود في كثير من الأماكن في العالم لكنه ليس مفتوحا بالشكل الحديث كما بادرت به الجامعة البريطانية المفتوحة التي استخدمت الكتاب إضافة الى التلفزيون والفيديو والوسائل السمعية - البصرية مع قليل من الالتقاء بين ما نسميه، في الوطن العربي، المعيد والطالب. يتم اللقاء مرّة كل أسبوع أو كل أسبوعين أو حتى مرّة في الشهر فيتلقّى الطلاب وظائف بيتية ويقدّمونها ويعيدها هذا المعيد اليهم في وقت محدّد. تحاول الجامعة المفتوحة أن تأخذ من التعليم النظامي شيئا لكنها تُبقي الطالب أينما هو، نظرا لظروفه الخاصة التي لا تمكنّه من الالتحاق بالجامعة.
وهل كانت هذه الجامعة المفتوحة ستتوجه الى جميع الفلسطينيين، أي الموجودين داخل فلسطين والذين يعيشون في العالم العربي؟
- كان هذا هو التنظيم والذي حدث فيما بعد، نظرا للظروف السياسية، أن الجامعة أُسّست في عمّان وكانت بدأت تُنتج الكتب لإرسالها الى الضفة والقطاع. الآن، يدور في فكر الذين يُشرفون على الجامعة المفتوحة إمكانية إرسال هذا التعليم الى أماكن عربية أخرى، وهم ينظرون في الوسائل الممكنة التي تخضع، أصلا، الى موافقة الدول التي يتواجد فيها الشعب الفلسطيني. واليوم، مركز الجامعة في القدس واسمها "جامعة القدس المفتوحة" وهي تعمل في كل أنحاء فلسطين. خرّجت الى هذه اللحظة فوجين من الطلاب تألف كل واحد من 600 أو 700 طالب ويمكن اعتبارها من أكبر الجامعات الفلسطينية إذ تضم تسعة آلاف طالب.
وكيف تمّ انتقالها الى القدس؟
- إنتهت دراسة المشروع مع ال "يونيسكو" عام 1980 وبدأ العمل على تحضير المواد سنة 1986-1987 وفي 1992 كان تمّ إنتاج نحو 80 كتابا. وتزامن ذلك، صدفة، مع إتفاق أوسلو ما جعل الجامعة تنتقل الى فلسطين.
وما هي مجالات الاختصاص فيها؟
- المواضيع النظرية: في الادارة، في الأدب، وفي اللغات. ويطمح هذا التعليم الى تقديم الاقتصاد المنزلي والزراعة كعلوم نظرية، وبالطبع يطمح الى العلوم التطبيقية لكن هذه تحتاج الى مختبرات ووسائل أخرى. ويوجد تفكير من أجل التعاون مع الجامعات الموجودة لاستخدام مختبراتها ومكتباتها، بالاستئجار، في أوقات محدّدة.
والدروس تُعطى باللغة العربية، لكن المدرّس يمكنه الاستعانة بالمصادر الانكليزية إن تمكّن من ذلك. والتعليم باللغة العربية ينطبق على كل الجامعات الفلسطينية. و"جامعة القدس المفتوحة" تخرّج شهادات البكالوريوس ويحتاج الطالب عادة خمس أو ست سنوات كي ينهي دراسته، ذلك أن الطلبة، في معظم الحالات، غير متفرغين. وهكذا التعليم المفتوح في كل انحاء العالم، أي أنه موجّه الى طلبة لا يستطيعون التفرّغ للالتحاق بجامعة لأنهم يشتغلون أو لديهم ظروف خاصة كالنساء الباقيات في منازلهن لأسباب ثقافية وحضارية...
وماذا يكلّف الالتحاق بجامعة كهذه؟
- الساعة المعتمدة تكلّف تقريبا نصف الساعة المعتمدة في الجامعات النظامية.
وماذا عن وضع الجامعات النظامية داخل الكيان الفلسطيني؟
- هناك توزيع جغرافي للجامعات نشأ مع الظروف الاستثنائية التي تعيشها فلسطين لأن فلسطين مجزّأة ويصعب على الطالب التنقّل بين منطقة وأخرى، وهذه الجامعات تكاد تكون مناطقية فتوجد جامعة في نابلس وأخرى في بيرزيت وواحدة في بيت لحم وجامعة في الخليل وجامعتان في غزة وجامعة في القدس اضافة الى الجامعة المفتوحة. كل جامعة تجذب الناس المحيطين بها وجامعة بيرزيت هي، في الحقيقة، الجامعة التي تجذب الطلبة من جميع أماكن فلسطين. وربّما ثلث الطلبة في جامعة بيرزيت يأتون من مناطق مختلفة بما في ذلك غزة. وجزء من المشكلة يكمن في ذلك، فالاسرائيليون لا يسمحون للطلبة الغزيّين أن يلتحقوا بالجامعات في الضفة كما انهم لا يسمحون لطلبة الضفة ان يلتحقوا بجامعات غزة. لكن الطلب فعليا هو على الجامعات في الضفة لأن جامعتي غزة مكتظتان بأعداد بشرية ضخمة والأماكن محدودة. فالطلبة الذين يأتون من غزة يجدون صعوبة جمّة في الالتحاق وفي البقاء والتنقّل لزيارة أسرهم. إن ذهبوا الى غزة، يُحبسون هناك لأن التنقّل ينصّ على تصريح من الحكم العسكري الاسرائيلي الذي يرفض عادة إعطاء التصاريح لأسباب يدّعون انها أمنية. بين طلابنا في بيرزيت، يوجد 300 أو 400 طالب يبقون في أماكنهم في غزة ونحاول بقدر الإمكان أن نعوّض لهم. وهم، من جهتهم، وحسب اجتهادهم يُهرّبون أنفسهم تدريجاً ويلتحقون بالجامعة. والوضع نفسه ينطبق على الأساتذة وعلى جميع الفلسطينيين بشكل عام فكل فلسطيني يحتاج الى تصريح كي ينتقل من منطقة الى أخرى.
ما عدد طلاب جامعة بيرزيت؟
- تضمّ اليوم نحو 4500 طالب، لكنها بالنسبة الجامعات الاخرى أقلّ عددا لأنها تاريخيا كانت تريد المحافظة على نسبة معيّنة بين الأساتذة والطلبة كي يكون التعليم بمستوى جيّد. فحرصت أن يبقى العدد ثلاثة الاف طالب، لكنها في السنتين الاخيرتين، أجبرت على زيادة العدد تحت ضغط الطلبات الشديد والضغط المالي أيضا.
ومتى أُسّست هذه الجامعات في فلسطين؟
- كل الجامعات الفلسطينية تأسّست في عهد الاحتلال للتغلّب على مشاكل الوصول الى الجامعات العربية. فلسطين كانت تفتقر الى جامعات، وهذه كلها جامعات أهلية وُلدت بمبادرات أشخاص يهتمون بالتربية وهي مؤسسات تحكمها مجالس أمناء، لا استثمارية، غير ربحية وتكاد تكون مفلسة ماديا. أهمّ مشكلة تواجهها الجامعات الفلسطينية اليوم عدم توفّر المال الكافي لتغطية نفقاتها، والمشكلة أصبحت مزمنة لأن التعليم مكلف والطالب لا يدفع ما يكفي ليغطّي نفقاته التعليمية. وغالبا، لا تستطيع الجامعات دفع رواتب أساتذتها، ومع ذلك، فالاندفاع لا يزال موجودا. الجامعة الوحيدة التي تختلف عن هذا النمط هي جامعة القدس المفتوحة لأنها تعتبر كجامعة دولة، ذلك أن منظمة التحرير الفلسطينية أسستها والجامعة تعتمد الى حدّ بعيد عليها.
قبل حرب الخليج، كانت منظمة التحرير تدفع القسط الدراسي لجميع الطلبة داخل فلسطين، كما كان الشعب الفلسطيني في الخارج يدعم الشعب الفلسطيني في الداخل. كان هناك دعم متواصل من الخارج انقطع مع حرب الخليج، للأسف الشديد. وكانت السوق الاوروبية تدعم التعليم العالي بحدود معيّنة، لم تكن كافية، ولكن، حتى هذا الدعم خُفضّ الى الثلث. كانت تدفع 25 مليون دولار في 1993 واليوم تدفع 9 ملايين وهذه المساعدات تستخدم عادة في دفع الرواتب. الجامعات تحصّل من الطلبة أقساطا دراسية محدودة، فالأقساط زائد المساعدات الخارجية زائد مبادرات الجامعات في جمع النقود من المتبرعين او من المؤسسات تساعد على تغطية المصاريف بشقّ الأنفس.
ابتداءً من هذه السنة، اعتمدت السلطة الفلسطينية في ميزانيتها العامة، بعد ضغط كبير، خمسة ملايين دينار للتعليم العالي. لكن الدولة تدعم التعليم الابتدائي والثانوي بكامله. عندنا حوالي 800 ألف طالب و30 ألف مدرّس في هذا القطاع الذي تفوق ميزانيته 100 مليون دينار، وهو ربّما أكبر قطاع يحصل على دعم الدولة.
وكيف تقوّم التعليم في الجامعات الفلسطينية؟ هل هو جيّد أم أنه محدود بسبب المشاكل القائمة؟
- انه تعليم ذو مستوى مقبول من دون شك. والطلبة الفلسطينيون الذين ينهون دراستهم في فلسطين، مؤهلون كأي طالب من المؤسسات الجامعية العربية. ليس الوضع أفضل من الجامعات العربية لكنه ليس أسوأ. توجد فروقات هنا وهناك ولكن، بشكل عام، الشهادة الجامعية الاولى التي تعطيها الجامعات الفلسطينية هي شهادة مقبولة عالميا. والطلاب الفلسطينيون الذين يذهبون الى الخارج لمتابعة الدراسات عندهم، في الحقيقة، الأسس الكافية للمنافسة مع الطلبة في فرنسا مثلا أو في انكلترا أو في المانيا، إذا تمكنّوا من اللغة. التعليم العام، في فلسطين، يشمل اللغة الانكليزية، فالطلبة قادرون على القراءة والكتابة ويكون الحديث احيانا ضعيفا. توجد قاعدة في اللغة الانكليزية، فالطلاب منها في الفرنسية على الرغم من وجود مدارس الرهبان والراهبات التي تدرّس الفرنسية كلغة ثانية. والذين يأتون الى فرنسا بمنح من الملحق الثقافي الفرنسي يتبعون دراسة اللغة لمدّة سنة قبل الالتحاق بالجامعة إن كانوا غير متمكنّين من الفرنسية.
وهل توجد مساعدات من الدول الغربية لجهة المنح في التعليم العالي؟
- كانت المساعدات كثيرة في السابق وبدأت تخفّ. الاميركيون يقدّمون بعض المساعدات والفرنسيون نشطون في المنح ويوجد طلبة في فرنسا باعداد لا بأس بها، والمانيا بدأت تهتّم في بالموضوع، والنروج وهولندا أصبحتا تأخذان الطلاب للدراسات العليا. بعض المؤسسات الفلسطينية ترسل الطلبة الى الخارج على أمل أن تستخدمهم بعد العودة، ولكن، في معظم الحالات، الاهل يتحملّون النفقات. الطلاب موزعون في دول عدة وانما ليس بنفس العدد كالذي كان سابقا، قبل مجيء السلطة الفلسطينية. وبالطبع، كان الاتحاد السوفياتي ودول اوروبا الشرقية تقدّم المساعدات والمنح وشكّلت نهاية تلك الدول جزءا من المشكلة في استيعاب الكوادر العليا.
في رأيك، ما هي أبرز مشاكل التعليم العالي في فلسطين الى جانب المشلكة المادية التي تحدّثنا عنها؟
- أبرز مشكلة في نظري - وتوجد اليوم وزارة للتعليم العالي تعتني بذلك - هي أننا لم نتخّذ القرار الصحيح حول مستقبل التعليم في فلسطين. لا توجد سياسة عامة تقول ما هو نوع التعليم العالي الذي نريده لفلسطين. الاحتياجات الفلسطينية، كيف يلبيها التعليم العالي؟ ليس عندنا أرضية للتخطيط في التخصّصات التي تناسب تقدّم المجتمع الفلسطيني. التعليم العالي من شأنه أن يخدم احتياجات المجتمع الاقتصادية والاجتماعية وأن يُنمّي الثقافة الوطنية. من هذه الناحية، المجتمع الفلسطيني حتى هذه اللحظة لم يحدّد آولوياته في التنمية. وبالتالي، التعليم العالي مبني على أساس التقاليد أي أن العالم عنده كليّات آداب وحقوق والخ... ولكننا نحن لا نعرف إن كنّا في حاجة الى كلية حقوق أم لا، أو إن كنّا مثلا في حاجة أكبر الى تكنولوجيا المعلومات؟ المجتمع لم يحدّد الأولويات وكذلك الجامعات، في اطار الاحتلال وما بعد الاحتلال، لم تحدّد أولوياتها لاستيعاب الطلبة الذين يريدون المهارات التي تؤهلهم لإيجاد وظيفة. لا يوجد ترابط بين احتياجات المجتمع ولا تخطيط للمجتمع وتاليا التخطيط للجامعات ضعيف أيضا. هذه هي المشكلة الاولى، أما المشكلة الثانية فهي النقصان في الكوادر البشرية وفي الخدمات. عندنا في فلسطين، توجد طفرة من الجامعات ولكن ليس هناك جامعة واحدة متكاملة، ولا يمكن ان تكون متكاملة لأن القاعدة الاقتصادية غير متوفرة. لم تستكمل أي جامعة احتياجاتها في وسائل الاتصال وفي تكنولوجيا المعلومات ولا يمكن لأي جامعة في الشكل الحالي ان تلبيها لعدم توفر المال وعدم توفرّ الكوادر البشرية المؤهلة لتعليم الطب مثلا او التكنولوجيا او غيرها.
ظروف الاحتلال التي نشأت فيها هذه الجامعات بدأت ربّما تضعف وبالتالي نحن في حاجة الى اعادة النظر في التوزيع الجغرافي والاقتصادي وهيكلية التعليم العالي بحيث نتمكّن من استخدام مصادرنا بشكل فعّال كي ينتج أجود نوع من التعليم. هذا التفكير، ندرك اهميته، لكننا لم نباشر به بعد.
وهل وُضعت هذه المقترحات في دراسات؟
- توجد دراسات عدّة: قدّمنا دراسة من مجلس التعليم العالي قبل أن تنشأ الوزارة، وال"يونيسكو" قدّمت تقريرا جيّدا عن التعليم الفلسطيني الذي أكدّ على أهمية التكنولوجيا، والسوق الاوروبية قدّمت ورقة والوزارة عندها اليوم تخطيط شامل. نحن، اليوم، في معركة البناء، يجري حوار حول موضوع: أي تعليم عال نريد وكيف ومن أين تأتي المصادر له. إنه تحدّ كبير ولا بدّ أن نستجيب كي نمكّن الشعب الفلسطيني من التقدّم وكي نصل الى تخريج الكوادر الكافية من أجل تشكيل دولة حديثة.
وماذا عن تجربتك كأستاذ في جامعة بيرزيت عاد بعد غياب طويل عن الوطن؟
- تعلّمت الكثير في هذه السنوات التي مكثت فيها، تعلّمت من المجتمع وتكيّفت معه وأعتقد أنني ساهمت كذلك، خصوصاً في النقاش الذي يجري حول مستقبل التعليم العالي الفلسطيني. انها عملية تعلّم من الطرفين. لولا أنني ارتحت ووجدت هذا التحدّي أمرا ايجابيا لكنت عدت الى اميركا. لكنني بقيت وسعيد بذلك.
هل يوجد عمل سياسي طلابي مهمّ داخل الجامعات الفلسطينية؟
- يمكن القول بأن الجامعات هي أهمّ مؤسسات ديموقراطية في فلسطين لأنها تشكّل حياة سياسية داخلية وهي جزء من المجتمع في آن. أولا، توجد مجالس للطلبة التي تؤمن تدريبا جيّدا للجيل الناشىء على قبول مبدأ الديموقراطية والتعددية، إذ توجد، في كل جامعة، فرق وشِيَع سياسية مختلفة بما في ذلك الحركة الاسلامية والحركة القومية والحركات الاخرى. الجامعات مختبر جيّد ومؤشر جيد الى ما يجري في المجتمع، كما هناك ممارسة في الفكر وممارسة في التنظيم وممارسة في الاختبار. يُنتخب مجلس الطلبة من دون أي تدخّل من أي فريق في فلسطين، وأعتقد أن هذا أمرا إيجابيا جدا. والنقطة الثانية هي أن الطلبة عنصر حيوي في فلسطين وإنهم سبّاقون في النشاطات التي يعتنون بها ويتمكنون منها كالتظاهرات ضد الاحتلال. ونجد اثر مشاركتهم في الانتفاضة في اعمارهم المتقدمة، فبعض الطلاب كانوا سجناء وأمضوا خمس أو ست سنوات في الاعتقال ثم التحقوا بالجامعة، والبعض الآخر تأخّر في التخرّج لأنه اعتقل خلال دراسته لمدّة سنة او سنتين. انهم لا يشكلون شريحة طلبة عادية في مجتمع مستقر مثل فرنسا او بريطانيا. انهم شريحة مهمة تمارس السياسة، لكنها تدرس وتكتسب الخبرة في التعددية والديموقراطية التي نتكلّم عنها ولكننا لا نمارسها في مستويات كثيرة. أعتقد أنهم يتميّزون عن الطلبة في الجامعات التي أعرفها، أي الجامعات الاميركية، في الجمع بين النشاط الثقافي السياسي والنشاط العلمي.
وهل يمكن تحديد عدد الطلاب الملتحقين بالتعليم العالي في فلسطين؟
- في هذه السنة، التحق نحو 45 ألف طالب في الجامعات والكليات المتوسطة والكليات التكنولوجية. انه عدد جيّد لكنه غير كافٍ. النسبة، في الحقيقة، يجب ان تتضاعف حتى نقول أننا في مستوى الدول المتقدّمة. قمت بحسبة، وتوصلت الى ان نسبة الطلبة الفلسطينيين في الجامعات هي تقريبا 15 من ألف بينما في الدول المتقدمة هي 70 في الألف. سابقا، كفلسطينيين، كانت النسبة 19 في الالف وحصل تغيير ليس لأن عددنا نقص بل لأن الحسبة أصبحت تشمل فقط الشعب الفلسطيني الذي يعيش داخل اراضي السلطة الفلسطينية، في الضفة والقطاع. وأما بالنسبة الى الفلسطينيين في الخارج فكان العالم منفتحاً لنا في السابق خصوصاً الاتحاد السوفياتي واوروبا الشرقية، والدول العربية كانت منفتحة لنا ايضاً. الآن تغيّر الوضع. فالتعليم العالي العربي مكتّظ في الاعداد الضخمة التي يستوعبها والاولوية ليست للطالب الفلسطيني. ونسبة 15 في الألف هي المعدّل في العالم العربي، ونحن نطمح ان تصل هذه النسبة الى 30 او 40 في الألف وعندئذ يمكننا القول أننا في مستوى عالمي. لكن القدرة من أجل ذلك محدودة حتى هذه اللحظة لعدم توفّر المال والمكان، والاوضاع الاقتصادية الفلسطينية لا تساعد على التوسّع المطلوب.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.