"تكنولوجيا النانو Nano Technology في عالم الكومبيوتر تعني ادخال مواد عضوية على قيد الحياة، الى الاسلاك وسائر أنواع الموصلات لاستخدامها عناصر "ذكية" قادرة على التجاوب والتفاعل مع باقي الأجهزة التي يتألف منها الكومبيوتر". ليس هذا التعريف علمياً مئة في المئة لأن المقاربة الصحافية لتكنولوجيا النانو تتطلب "تصوير" الأمور وتبسيطها الى حدود معيّنة تظهر فيها الحقيقة واضحة لأكثر الناس. من السيليكون الى المواد العضوية استمرت الحضارات، على مر آلاف السنين بالخضوع الى المادة والانقياد خلف طاقتها التي ميزت الشعوب وأعطت البعض السيطرة على الآخرين. فمن العصر الحجر الى البرونز وصولاً الى أيامنا هذه، حافظت المادة على سيطرة من اكتشف اساليب استخدامها. وراهناً، يسيطر على مجريات الأمور من يمتلك أسرار التعامل مع السيليكون، وقبله كانت الذرة هي المادة - السلاح التي صنعت هيبة بعض الدول. يشكل السيليكون اليوم أهم مكونات أجهزة الكومبيوتر والخلوي وشبكات الألياف الضوئية. وقبلاً، استُغلَّت الكيمياء بخلط المعادن والحصول على خامات اصطناعية أسهمت في صناعة السيارات والصواريخ والأقمار الصناعية. وأسهمت المواد العضوية، بدورها، في اكتشافات عصرنا، ودخلت في المأكولات والألبسة وأنظمة التدفئة والتبريد، ثم في الأدوية وعلم الجراحة والاستنساخ. ويتجه العلماء في دراساتهم بعيداً في تصغير كل ما نستخدمه من أجهزة، وهذا ليس نتاجاً من تربة الأرض، كما في استخراج المعادن، وليس توجهاً نحو الفضاء. ما يتحدث عنه علماء اليوم هو امكان اسقاط الحواجز بين الكيمياء العضوية واللاعضوية! وهو أمر لطالما اعتُبر من قبيل الشطط العلمي. ويؤدي دمج العضوي مع اللاعضوي في عالم الكيمياء الى اطالة عمر ادواتنا. فكل ما نستخدمه اليوم مؤلف إما من مواد عضوية وإما من مواد لا عضوية. فحديد السيارة يتألف من مواد لا عضوية، أما قميص القطن فمن مواد عضوية. اوراق الأشجار عضوية، أما الذهب فغير عضوي. ولنفترض ببساطة ان معظم ما يهضم في معدة الانسان عضوي، وما لا يهضم غير عضوي. وعندما ندمج العضوي باللاعضوي، نحصل على احتمالات لا نهاية لها، فالحبر الذي سينتج عن هذا المزج يدوم طويلاً والدهان الذي سيستعمل على الخشب لن يزول ومعادن السيارات ستصبح أطول عمراً وحتى دهانها لن يهترئ إلا بعد مئات السنين. فإذا صنعنا سيارة من هذه المواد الجديدة وتعرضت لحادث ستصبح اعادة تصليح انحناءاتها عملية سهلة. دخول المواد العضوية الى الكومبيوتر يُعد مجلس الأبحاث القومي الكندي NRC احدى المنظمات القليلة التي تبحث في الشؤون المعقدة تكنولوجياً. وهو أصدر قبل مدة مجموعة أوراق عمل وتفاصيل متعلقة بتكنولوجيا النانو. وأهم ما جاء فيها مقاربة لموضوع تحضير أجهزة دقيقة جداً تستطيع الاحساس والتجاوب Sense & Repond مع المعلومات التي تأتي من محيطها. وفي حياتنا العادية، تتوافر أجهزة تتجاوب مع محيطها، مثل "اللمبات" التي تتجاوب مع الصوت أو الضوء المحيط بها، والمسجلات التي لا تسجل إلا عندما يصدر صوت في محيطها. إذاً، الأجهزة المتفاعلة مع محيطها موجودة في حياتنا لكن ما يتحدث عنه مجلس الأبحاث الكندي هو أجهزة "دقيقة جداً" وهنا يبرز الفرق. وافترضت دراسة مجلس الابحاث الكندي إمكان ادخال مواد عضوية في صناعة شرائح السيليكون يستبدل بواسطتها الأسلاك الدقيقة الاعتيادية. ويعني ذلك ان شريحة الكومبيوتر ستحتوي مادة عضوية وبالتالي سيصبح في مكوناته جزيئات مفكرة. وهنا نصل الى بيت القصيد في علاقة تكنولوجيا النانو بالكومبيوتر، بصفة كونها الوضع الذي تدمج فيه التكنولوجيا بالجزيئات على مستويات متناهية، دقة وصغراً. وتضيف دراسة مجلس الأبحاث الكندي، ان هذه المواد العضوية التي ستدخل في تركيب الأسلاك سيتم "حثها" Prompt وتوجيهها لتشكيل خط سلكي ينقل المعلومات في سرعة الضوء. نتائج وتوقعات: نسف قانون مور! ما نشهده في ظلّ اكتشافات صناعة الأجهزة الدقيقة باستخدام تكنولوجيا النانو مثير لأسباب عدة أهمها: 1 - قضى قانون مور More Law ان سرعة التكنولوجيا تتضاعف كل 18 شهراً عبر تصغير الاجهزة الدقيقة والأسلاك الموصلة. واليوم وفي ظل الحديث عن أسلاك تقاس بالنانو والمايكرو وأحياناً الأنغسترون يبدو ان السيليكون سيصبح عنصراً ثانوياً. فإذا قدِّر للعلماء أن ينجحوا مع المواد العضوية، ويستخدموها لتمرير الالكترونات، فيما هي على شكل اسلاك بمقاسات متناهية في الصغر، فسينسف ذلك قانون مور. وسنشهد تضاعفاً للسرعات التكنولوجية هائلاً في شكل كامل. وقد نصل الى مرحلة تتضاعف فيها السرعات عالمياً في مختبرات الشركات ومراكز البحث كل شهر! 2 - ترخي الأبعاد المثيرة لتكنولوجيا النانو بظلها أيضاً على التطبيقات التكنولوجية - البيولوجية حيث يعمل بعض العلماء في معاهد مثل "بالو آلتو" على محاكاة الجهاز العصبي في الجنس البشري. وما يتوقعون انجازه في هذه المختبرات تكوين بدائل للأعصاب في الجسم البشري، لا تستخدم في جسم الانسان فحسب، بل أيضاً في أجهزة الكومبيوتر والرجال الآليين. وإذا استطاع علماء تكنولوجيا علم الاحياء تحقيق نتائج في هذا المجال، قد نرى استبدالاً لبعض اعصابنا بأسلاك عضوية يمكن أن تعيش داخل "جهازنا الجسدي". 3 - يُرجع العلماء علم تكنولوجيا النانو الى أواخر الخمسينات حين خرجت الأفكار السوريالية من بعض المختبرات، وما لبثت ان تلاشت، وظهر يومها علماء كثر سخروا من فكرة التحكم بعمليات بسيطة في جسم الانسان أو حتى ادارتها. وعلى رغم كل الانتقادات اقتنع الرئيس الأميركي السابق بيل كلينتون بتقديم 495 مليون دولار لتمويل الأبحاث في "مبادرة النانو تكنولوجي القومية". 4 - في حال تمكّن العلماء من تصغير الاجهزة باستخدام تكنولوجيا النانو الى حدود دنيا، قد نصل بها الى استخدامات مثيرة الى درجات مذهلة. ومن الأمثلة، صناعة مركبات صغيرة جداً تدخل في عروقنا لتسافر فيها وتُجري تشخيصها لكل ما تراه، ثم ترسل تقاريرها الى أجهزة كومبيوتر في مكان ما. 5 - في مجالات الكومبيوتر والاتصالات العسكرية تحدث العلماء طويلاً عن جراثيم آلية تهاجم الخصم. وتقضي هذه الطريقة بأن يحضّر جيش من الجراثيم، الآلات المتناهية الصغر، يوجَّه مثلاً الى وزارة الدفاع الاميركية لتصل من ممرات الهواء التي لا يمكن حراستها الى جهاز الكومبيوتر الذي يسيطر على كل ادارة العمليات العسكرية وتدمره أو تسيطر عليه. 6 - المعروف ان جسم الانسان يتجدد. فمعظم خلاياه تحتوي خريطة الجينات الوراثية لصناعة كل خلايا الجسم المؤلف مبدئياً من عشرة ترليونات خلية تقريباً!. وهذه الخلايا، كل بمفردها، تستطيع أخذ هذه "الوصفة" لاستبدال نفسها، كل سنوات عدة. هنا يأتي دور تكنولوجيا النانو لأنها، بعد أن تتخطى بعض العوائق، قد تستخدم تقنيات عمل الخلايا لتجدد جزيئات ربما تعمل في جهاز الكومبيوتر! وهذا يعني أن يجدد جهاز الكومبيوتر خلاياه كل سنوات عدة. وتكمن العملية في مزج المواد العضوية مع غير العضوية تحت قوانين الخلايا وتقنياتها. لذا قد نصل الى يوم تتجدد فيه خلايا الآلات! 7 - أنابيب النانو Nano tubes أجسام تشبه السيجار Cigar وتكون جزيئات كاربون مصنعة في ظل آلة تتحكم بمقاييس النانو Nano Manipulator. وأنابيب النانو أقوى مئة مرة من الفولاذ، على رغم انها تشكل وزن واحد على 6 من الفولاذ، لذلك، تنقل الحرارة والكهرباء أفضل من النحاس. وعليه تنفع هذه الأنابيب جداً في مجال شرائح الكومبيوتر ويمكن على ما يقول العلماء طبعاً أن تشكل أساساً لدوائر الكترونية جديدة في الكومبيوتر، وثمة علماء يقترحون أن تستخدم في الجهاز العصبي الالكتروني في الرجل الآلي روبوت. قوى الشر "نحن نخرج الجن من قمقمه عبر التعرض لأخطار الروبوت وتكنولوجيا النانو والجينات الوراثية، ولن تستطيع ضبط الأمور عند حدود معينة...". ويضيف بيل جوي الشريك مؤسس شركة "صن ميكروسيستمز" ان الأخطار التي ستواجهنا بتلاعبنا بهذه العلوم كبيرة جداً، لأننا "سنتخلى تدريجاً عن الانسان الموجود فينا".