أين أصبح الكومبيوتر العضوي «أورغانك كومبيوتر» Organic Computer الذي تعلو صورته أحياناً بسرعة، ثم تغيب عن النقاش بسرعة مماثلة، فكأنه ينتمي إلى عالم السياسة! لا يسهل اختصار الإجابة عن هذا السؤال. يمكن الاكتفاء بتناول جانب منه، يتعلّق بالنانوتكنولوجيا Nanotechnology وهي تقنية تتعامل مع المادة على مقاس فائق الصغر، هو جزء من ألف من بليون من الشيء. ومع تغلغل تقنيات النانو في الأجهزة الإلكترونية كافة، بات بديهياً أن يسير العلماء بعيداً في تصغير ما يصنعونه منها. وأوصلهم الأمر إلى مراودة آفاق حلم علمي قديم، يتّصل بمحاولة إسقاط الحواجز بين الكيمياء العضوية واللاعضوية! على سبيل المثال، المعادن هي مواد لاعضوية، لكن النباتات عضوية. الأشياء التي نستخدمها تكون مؤلّفة إما من مواد عضوية وإما من مواد لاعضوية. فهل يمكن دمج المعدن بالنبتة، أو نسج تشابك بين البكتيريا وأجنحة الطائرات؟ تلك نماذج من الأسئلة التي تنفتح عند الحديث عن اندماج العضوي مع اللاعضوي، الذي من شأنه أيضاً إطالة عمر الأدوات الجامدة التي نستعملها، كالحاسوب. وعند دمج العضوي باللاعضوي، تنفتح احتمالات لا نهاية لها. لنتخيل دهاناً يتغذى من الضوء كأنه نبات، ما يعني أنه يتجدد ليدوم طويلاً. ماذا عن دهان للخشب يدوم دهراً، وهياكل للسيارات تستمر عمراً، بل إن دهانها لن يهترئ إلا بعد عقود طويلة. وإذا صُنِعَت سيّارة من هذه المواد، تغدو عملية تصحيح هياكلها عند تعرّضها للحوادث، سهلة تماماً. الدخول إلى الكومبيوتر يعتبر «مجلس البحوث القومي الكندي» NRC من المنظمات القليلة التي تبحث في هذا النوع من الشؤون المُعقدة تكنولوجياً. وأصدر مجموعة أوراق عمل تتعلّق بتكنولوجيا النانو، تضمّنت مقاربة معمّقة لموضوع تحضير أجهزة دقيقة جداً تستطيع «الإحساس والتجاوب» Sense & Repond مع المعلومات التي تصل إليها مما يحيط بها. ففي حياتنا العادية، هناك أجهزة تتجاوب مع محيطها، مثل مصابيح الإضاءة التي تتجاوب مع الصوت أو الضوء المحيط بها، والمُسجّلات التي لا تعمل إلا بالاستجابة لصدور صوت قربها. إذن، الأجهزة المتفاعلة مع محيطها موجودة منذ مدّة. لكن ما تناوله «مجلس البحوث الكندي» يتعلّق بصنع أجهزة دقيقة جداً، تتجاوب بذكاء من نوع خاص، مع الأشياء المحيطة بها. وافترض هذا المجلس أن من المستطاع إدخال مواد عضوية في صناعة شرائح السيليكون، وهي العقول المُفكّرة في الكومبيوتر، إضافة الى استدخال مواد عضوية في الأسلاك الدقيقة المستعملة حاضراً في الأجهزة الإلكترونية. وبيّن المجلس أن هذا الأمر ربما أفضى إلى تغيير نوعي في عمل شريحة الكومبيوتر، إذ يؤدي مزج العضوي مع اللاعضوي فيها، الى ظهور أنماط من التفكير «المستقل» فيها! بقول آخر، يؤدي استعمال تقنيات النانو في إدماج العضوي مع اللاعضوي في الكومبيوتر، ضمن مستويات الذرّة والجزيء، إلى إحداث تغيير نوعي في عمل تلك الأجهزة. هل أنها أحلام علمية تجدّد في كل آونة، أم أن العلم بات على مقربة من تغيير ضخم؟