يتميز الموسيقار السعودي عدنان خوج بثلاث مواهب هي: العزف على الآلات الموسيقية الطبيعية والتلحين والغناء، قلة من الفنانين تجمعها معاً. لكنه لم يستعمل موهبته الغنائية بكاملها، ولحن لعدد كبير من المطربين والمطربات العرب والخليجيين أمثال: شريفة فاضل وفايزة أحمد وعفاف راضي وطلال المداح ومحمد عبده وراشد الماجد وطلال سلامة. وكتب موسيقى تصويرية لعدد من المسلسلات المصرية والخليجية مثل "أبناء دهشان" و"رمضان والناس" و"ذئاب الماضي". وحصل على ميدالية الشرف من المعهد الوطني العالي للتقنيات المتقدمة... "الحياة" أجرت حواراً مع الموسيقار خوج، هنا دقائقه: هلاّ حدثتنا عن بداياتك في التلحين؟ وما الاغنيات الأولى التي وضعتها؟ ولمن كانت؟ - لم أفكر يوماً أن أكون ملحناً محترفاً، على رغم ولعي الشديد بالقانون ومصاحبة المطربين صباح فخري ووديع الصافي عزفاً عليه، وعلى رغم عملي الطويل في الاذاعة والتلفزيون السعوديين مع جميع الفنانين السعوديين والخليجيين. عازف الكمان المعروف أحمد الحفناوي هو الذي اكتشف موهبة التلحين لدي من خلال ملاحظته أدائي المنفرد غناء، وتعديل بعض الجمل الموسيقية، فشجعني كثيراً، وكان السبب في ذهابي الى القاهرة حيث عرّفني الى فنانين كثر وله فضل عليّ أذكره دائماً. أول أغنية لحنتها كانت "بسكات"، وكتب كلماتها الأمير بدر عبدالمحسن وغناها المطرب الأصيل طلال مداح عام 1978. بعدها ذهبت الى القاهرة ولحنت لشريفة فاضل "ليالي الود"، وهي من كلمات الشاعر ابراهيم خفاجة، ولفايزة أحمد اغنيتين هما "مستحيل" و"السكة حرير"، الأولى للشاعر ابراهيم خفاجة والثانية للشاعر محمد حلاوة. ثم لحنت لعفاف راضي "الحب الكبير"، من كلمات مصطفى الضمراني... وتتالت الحاني لعدد كبير من الفنانين العرب. وقد أصررت، في كل ألحاني، على كل ما هو أصيل وجدّي ومختلف في آن. المعلومات خارج السعودية عن الحركة الموسيقية فيها قليلة. هل هناك ملحنون وموسيقيون سعوديون؟ ولماذا لم تصل أعمالهم المستمع العربي، كما يجب؟ - هناك ملحنون سعوديون كثر، بعضهم توفي والبعض الآخر ما زال يتابع نشاطه الفني مثل محمد علي السندي وفوزي محسون وطارق عبدالحكيم. وقد تميزوا بالمحافظة على الأصيل النابع من البيئة والفولكلور السعوديين. وأضيف الى هؤلاء الفنانين الكبيرين طلال المداح وهو أستاذي، ومحمد عبده الذي يمتلك تجربة غنائية وموسيقية كبيرة، وقد عملت معه ولحنت له "المعازيم"، من كلمات فائق عبدالجليل. وآسف لأنه ركب الموجة وصار يؤدي أغاني لا تتناسب وتجربته. لُقّب محمد عبده بفنان العرب والمطلوب منه المحافظة على الأصالة والتراث الجميل حتى عندما يقدم أغاني شبابية سريعة. أي الأصوات السعودية والخليجية يعجبك، وترى ان له مستقبلاً في عالم الأغنية العربية؟ - يعجبني عبدالمجيد عبدالله الذي يتمتع بصوت عذب وبموهبة فنية نادرة، لكنه لم يجد بعد طريقه الخاصة. أيضاً هناك راشد الماجد وطلال سلامة... الخ. في السنوات العشر الأخيرة، انتشرت الأغنية الخليجية الى جانب اللبنانية والمصرية، ما الأسباب التي أسهمت في هذا الانتشار؟ - لم يعد للأغنية العربية اليوم هوية، ولا أستثني هنا الأغنية الخليجية. الألحان، اجمالاً، متشابهة والكلمات هابطة. كلما استمعت الى اغان جديدة "أخرج من المولد بلا حمص". ثمة خليط عجيب وغريب من الألحان التي تثقب الأذن على ايقاعات تركية - يونانية - هندية - غربية. سابقاً كنا نتابع الفنانين عبر كل أغانيهم، أما الآن فأصبحنا نتابع الأغنية. وسبب انتشار الأغنية الخليجية عربياً محافظتها على هويتها المحلية، وقد أسهمت الفضائيات في ذلك. أما الآن فقد تغيرت معالمها المحلية. ثمة فنانون كثيرون يتميزون بالاجتهاد لكن الظروف غيرتهم، وجعلت اغانيهم تجارية، بعدما كانت عاطفية، إذ غلب الكم على الكيف. سابقاً كان يمكن المستمع أن يميز الأغنية السعودية من الكويتية. أما الآن فالألوان الكويتي والبحريني والسعودي... متشابهة. كيف تنظر الى تجربة مغنين ومغنيات لبنانيين ومصريين يؤدون باللهجة الخليجية؟ - إنها تجارب مادية بحت. فثمة فنانون يؤدون الأغنية الخليجية ليس حباً بها، بل رغبة في الربح المادي والانتشار السريع والتسويق التجاري. وهم لا يتقنون اللهجة الخليجية. لنستمع الى أي مطرب مصري أو لبناني غنى بالخليجية، نجد أنه يلكن بها ويلثغ بطريقة تنفر الأذن. إنني أدعو هؤلاء المطربين الى تحسس اللهجة الخليجية واتقانها وعدم الاسراع في تسجيل الأغنية لأن هذا ليس لمصلحتهم. فقليلون هم الذين نجحوا في الغناء باللهجة الخليجية وأنا لست ضد هذه التجربة. ففي النهاية كلنا عرب. عرفنا سابقاً أصواتاً غنائية نسائية راجت أغانيها مدة قصيرة، ثم لم نعد نسمع شيئاً عنها. أين هي هذه الأصوات الآن؟ - ثمة أصوات سعودية وخليجية جميلة. الفنان يشبه الوردة، ويحتاج الى عناية. فلو تأمنت الرعاية، فنياً وثقافياً، لقدم هذا الفنان في النهاية، أعمالاً جميلة مهمة. لمصلحة الفنان أو الفنانة أن يتبناه ملحن ويعلمه المقامات والايقاعات والصولفاج، ليكون على دراية فنية. أكثر المغنين الآن في العالم العربي مسلّون وليسوا بمطربين. الناحية المادية غير كافية اطلاقاً لتميز الفنان، ويجب أن ترافقها رعاية ثقافية وفنية. وأكبر دليل بعض المغنين الذين يعملون على اذاعة اغانيهم نفسها في القنوات الفضائية والاذاعات، وتكتب عنها مجلات غير جدية، ومع ذلك لا تلاقي هذه الأغاني صدى جميلاً لدى المستمع. لقد انتقلنا من "الطرب الى السلخ". لحنت أغنيات كثيرة كتبها شعراء نبطيون. كيف تقوم تجربتك مع هذا النوع من الشعر؟ - أحب الشعر النبطي، فهو يعبر عن تراثنا السعودي المحلي. وقد أجاده كثر، منهم الأمير خالد الفيصل والأمير بدر بن عبدالمحسن. وضعت لحنين لطلال سلامة من كلمات الأمير خالد الفيصل، وكانت أول تجربة لي مع الشعر النبطي، فنجح الفنان في الخليج بعدهما، علماً أنه كان في بداياته. أعشق الشعر النبطي، وفي الوقت نفسه أكن حباً شديداً للغة الفصحى. دخل الفيديو كليب الى الأغنية الخليجية وهو يزداد انتشاراً يوماً بعد يوم. هل أنت مع اعتماده في الأغنية العربية؟ - جاءتنا هذه البدعة من الغرب، وهي لا تتناسب مع الكلمة العربية. أنت تشاهد الأغنية ولا تسمعها، حركات سريعة يقوم بها المغني برفقة كمّ كبير من النساء أو يركب سيارة سريعة... هذه المشاهد لا تنطبق على الواقع العربي... انها خيالية. أنا ضد الفيديو كليب، وبالطبع هناك استثناءات جميلة. لعبدالحليم حافظ ولليلى مراد، ولمحمد عبدالوهاب أغان قصيرة مصورة، هي في غاية الجمال. مخرجو الفيديو كليب اليوم يقتبسون الأفكار من القنوات التلفزيونية الغربية ثم يسقطونها مشاهدَ ولقطات على الأغنية العربية. وهي لا تتناسب مع الذوق والاحساس والحساسية الجمالية التي يمتلكها المستمع العربي. ندر وقل الابتكار وحل محله الاجترار وتقليد الغرب. ثمة أغان خليجية انتشرت، في شكل واسع، وغطت على ما عداها من ألوان الدول العربية الأخرى. إلام تعزو نجاحها؟ - ثمة مثلث لا يمكن فصل زواياه: كلمة جيدة، لحن حلو، صوت جميل. وهناك عنصر رابع هو الموزع. فإذا كانت امكاناته كبيرة يخدم الأغنية، وإذا كانت قليلة، يرتد الأمر سلباً عليها. غاب الفنان الذي يغني بإحساسه وحل محله الفنان الذي يسأل الآخرين المحيطين به عن رأيهم في الكلمات والألحان... الآخرون هم من يختار الأغنية للفنان، لذلك عندما يغني، فإنما تبعاً لاحساسات الآخرين وخياراتهم. وهذا أمر سيئ جداً. انني أضرب مثلاً عن الموزع: عمل الفنان طلال المداح وطور كثيراً من الألحان، مثل "قصت ضفايرها"، و"نجمة ونهر" و"مصدر أحزاني"، من خلال "شركة فنون الجزيرة" التي لا تهدف الى الربح المادي، بل الى انتاج كل ما هو جيد وأصيل ومختلف. هل تعتمد اسلوب تركيب الكلمات على اللحن الذي تعده مسبقاً أم العكس؟ - أهم ما في الموضوع احساس الملحن الذي يجب أن يتمتع بدرجة عالية منه. ثمة ملحنون يحضرون الايقاع ثم يركبون عليه كلمات، وهؤلاء ملحنون مركبون. وهناك ملحنون يعبرون عن الكلمة وأنا منهم. ثمة سهولة الآن في أن يعمل أي كان شريطاً. يجب أن تكون هناك ضوابط معينة تحد من سيولة الابتذال الذي يطغى على الأغنية العربية الآن، وتسهم الفضائيات في اشاعة هذا الابتذال. يجب أن يكون في كل قناة فضائية مستشار فني يختار ما هو جميل لعرضه على الجمهور، بعد أن يدقق في اللحن والصوت والكلمات، الأمر الذي سيرتد في شكل جيد على القناة نفسها. تعرض قنوات فضائية برامج مسابقات تهدف الى مد الأغنية العربية بأصوات جديدة. كيف تنظر الى هذا الأسلوب في اختيار هذه الأصوات؟ - المطربون الذين يتخرجون في هذه البرامج، هم عموماً مطربو واسطات. الواسطة تخرجهم الى الفضائيات والواسطة تنزلهم. الأمر يعود أولاً وأخيراً الى طبيعة اللجنة التي تتألف منها هذه البرامج. فكثيراً ما تخيب ظن المشاهد فتختار مطرباً في المرتبة الأولى وتسقط آخر كان يجب أن يفوز محله بها. ثمة مطربون يلحنون أغانيهم بأنفسهم، وأحياناً يكتبون الكلمات أيضاً. كيف تنظر الى هذه التجارب عربياً؟ - سبب نجاح الأغنية القديمة جلوس الملحن والشاعر والمطرب، وعملهم معاً عليها. سئل عبدالحليم حافظ مرة: لماذا لا تلحن لنفسك وأنت موسيقي كبير؟ فأجاب: رأيان خير من رأي واحد. وأنا أقول: كلما تعددت الآراء، كان ذلك أفضل. المغنون الذين يلحنون لأنفسهم أشبه بمن يسجن نفسه بيده، فيوقعون تجربتهم الغنائية في التكرار والاجترار، ما يؤدي الى غياب التنوع والهواء الجديد عنها. المستمع الى ألحانك يجد أنك تنهل من التراث الموسيقي الشعبي السعودي وتعمل على تطويره. ماذا عن بحثك الموسيقي في هذا المجال؟ - نهلت كثيراً من التراث الشعبي السعودي. والمعروف ان كل منطقة من مناطق السعودية تتميز برقصات خاصة، تطغى فيها الموسيقى على الغناء، منها السامري والمجرور والليوى والدانا والخبيتي والدوسري والزار... الخ. ثمة أكثر من 300 ايقاع. أخذت كثيراً من هذه الايقاعات الفولكلورية وأفدت منها في أعمالي الموسيقية. الايقاعات الالكترونية ونظام "التراكات" يدفع بالأغنية العربية الى الهبوط الحاد.