يُتوقع ان تترك خطوة اعادة انتشار القوات السورية في لبنان آثارها في الشأن الداخلي السوري وان تترجم باستئناف عملية الاصلاح عبر اتخاذ خطوات جريئة. ان الاشهر الاخيرة اظهرت ترابطاً بين "مساري" الوضع السوري في لبنان والوضع الداخلي السوري، فكان المراقبون يتابعون ما يحصل في احدهما لاستقراء ما يمكن ان يحصل في الاطار الآخر. بهذا المعيار فإن "اعادة تمركز القوات السورية العامة في لبنان" كما تطلق عليه دمشق كان مفاجئاً، اذ ان الاسابيع الاخيرة شهدت تزامن "تجميد" عملية الاصلاح السياسي مع الحديث عن اتجاه سوري للعودة الى "الاسلوب التقليدي" في التعاطي مع "الشقيق لبنان". ورأى البعض في تمثيل نائب الرئيس عبدالحليم خدام الرئيس بشار الاسد في ذكرى وفاة رشيد كرامي ولقاءاته مع "الترويكا" مؤشراً الى عودة "الملف اللبناني" اليه، الامر الذي استغربته دمشق لان هذه "المطالبة جاءت من جهات لبنانية اعلنت اكثر من مرة حرصها على الاستقلال وعدم التدخل في الشؤون الداخلية اللبنانية". واستند المعتقدون بعدم امكان حصول اي تغيير في تعاطي دمشق مع لبنان، الى استمرار الانتفاضة الفلسطينية ضد الاحتلال الاسرائيلي ووجود مؤشرات الى احتمال اتساع المواجهة خصوصاً بعد اعتداء اسرائيل على موقع الرادار السوري والتصريحات الاخيرة للامين العام ل"حزب الله" حسن نصر الله فى القرداحة ان العمليات في مزارع شبعا ستستمر الى حين استعادة الجولان. و"افترض" بعضهم بناءً على ذلك تعزيز الوجود السوري التقليدي وترجمة "التشدد" في الخطاب السياسي ضبطاً اكثر للامور على الارض. ويعتقد في دمشق ان هذا التحليل كان وراء تراجع جميع الاصوات الاعلامية والسياسية التي كانت تطالب ب"اعادة الانتشار" بدءاً من بيان مجلس المطارنة في العام الماضي وانتهاءً بتصريحات نواب ومسؤولين محسوبين "حلفاء" لسورية. لكن عندما "سحب الوجود السوري من التداول" وجمدت هذه الاصوات، وبعدما زار النائب وليد جنبلاط دمشق والتقى الاسد، وبعدما تم انجاز مصالحة رئاسية لبنانية، حظيت سورية بزيارة ناجحة للبابا يوحنا بولس الثاني لتكون رصيداً لها وليس ورقة للضغط عليها كما راهن بعض اللبنانيين. وبعد التنسيق بين الاسد و"الحليف الاول" الرئيس اميل لحود اقدمت دمشق على تنفيذ خطوة في اطار ما وعد الرئيس السوري به وهو "تصحيح العلاقات الثنائية وتحسين مواضع الخلل"... وسحب هذا الموضوع فعلاً من التجاذب الداخلي اللبناني الذي كان يصور أنه "ام المشاكل" في لبنان وسبب الازمة الاقتصادية والمشاكل السياسية والاجتماعية والطائفية بكل تفاصيلها ويومياتها. لاشك ان دمشق اخذت في الاعتبار ما قيل عن وجود قواتها في لبنان من الحلفاء والمعارضين وقرأت التطورات الاقليمية والدولية، لكن الرسالة التي ارادت القيادة السورية ايصالها هي "لن نقوم بأي خطوات تحت الضغط، وعلى الذين يريدون فعلاً "تصحيح العلاقة" استمهال دمشق والحوار معها عبر المؤسسات الدستورية" و"الرهان على الدكتور بشار وتصوره للعلاقة ورؤيته لها". وهناك اعتقاد سوري ان لا احد يقبل ان يتصرف تحت الضغط خصوصاً في بداية عهده. لذلك فان تصريحات المسؤولين السوريين تفيد ان عملية "اعادة الانتشار" التي تتم في عهد الدكتور بشار هي استكمال لخطة بدأ العمل بها في نيسان ابريل العام الماضي، اي قبل رحيل الرئيس حافظ الاسد ما يعني "الاستمرارية بين العهدين". وطالما ان السوريين يراقبون ما يحصل في لبنان لمعرفة افق المرحلة المقبلة في بلدهم، فإن القراءة السورية لهذه العملية هي ان الاصلاح الاقتصادي والاجتماعي والسياسي على التوالي مستمر، وان خطواتها العلنية الكبيرة ستستأنف في الاسابيع المقبلة. فالقيادة التي رفضت التحرك تحت الضغط في لبنان فعلت الامر نفسه داخلياً و"جمدت" خطوات الاصلاح العلنية او انها أرجأت تنفيذ اجراءات كانت موضوعة قيد التنفيذ. والآن، بعدما "سحب موضوع الاصلاح من التداول المحلي" باغلاق معظم المنتديات استجابة لشروط الامن السياسي، وتوقفت البيانات السياسية الضاغطة للتغيير، وتراجعت مطالب استعجال الاصلاح ومحاولة فرض ملامحه او "الركوب في قطار أطلقه الاسد ومحاولة قيادته"، ستقدم القيادة السورية على مواصلة خطتها الداخلية. كان احد الاسباب الاساسية لانزعاج القيادة السورية من "بيان ال99" الذي طالب ب"رفع حال الطوارئ وحرية التعبير والديموقراطية والافراج عن المعتقلين"، تزامنه مع "بيان المطارنة". بل ان مصدراً اشار الى ان "توزع بيان ال99 جاء قصداً بعد بيان المطارنة على رغم توقيعه قبل ذلك بأسابيع، بهدف الضغط على القيادة السورية وبعد مرور اقل من 45 يوماً على تسلم الدكتور بشار الحكم". وكان الرد على البيانين "تجميد" خطوات اعادة انتشار الجيش في لبنان واجراءات الاصلاح في سورية، لذلك فإن استئناف الاولى يعزز تحريك الثانية... في ضوء "ترابط المسارين".