ينتظر ان يشهد الأسبوع الطالع تحركاً مزدوجاً على الصعيدين الخارجي والداخلي في اتجاه تهيئة ظروف أفضل من الأشهر الثلاثة الماضية لتشكيل الحكومة اللبنانية الجديدة، على ان يتضح بعد هذا التحرك مدى إمكان التعجيل في إنجاز الحكومة بالاستناد الى جهود تبديل المناخات التي رافقت تأخير التأليف في التكليف الأول لرئيس كتلة «المستقبل» النائب سعد الحريري الذي أدى الى اعتذاره، نظراً الى كثرة العراقيل التى واجهته. ويتمحور هذا التحرك المزدوج حول الاتصالات الخارجية التي يمكن ان تحصل على هامش حضور رؤساء وقادة عدد من الدول الجمعية العمومية للأمم المتحدة في نيويورك بدءاً من الأربعاء المقبل، وما يتخلل هذه المناسبة من اتصالات يمكن متابعتها بعد ذلك، وحول المشاورات النيابية التي سيجريها الرئيس المكلف والتي أعلن انها ستبدأ الخميس المقبل مع الكتل النيابية في البرلمان، بدءاً برئيسه نبيه بري، وما سيعقبها من اتصالات ومحاولات صوغ التشكيلة الحكومية. وتتحدث الأوساط المتابعة لاحتمالات التحرك الخارجي عن جملة محطات تأمل بأن تساهم في إزالة العرقلة الخارجية للتأليف، من زاوية الربط الإقليمي للوضع اللبناني بالتعقيدات التي تواجه التفاوض حول أوضاع المنطقة، سواء لجهة الحوار الغربي والأميركي مع ايران حول ملفها النووي وأدوارها الإقليمية، أم لجهة الجمود الذي أصاب التفاهمات السورية - السعودية، فضلاً عن التعثر الذي أصاب الحوار الأميركي - السوري. اتصال سليمان - الأسد وفي معلومات مصادر موثوقة ان الاتصال الذي أُجري قبل أسبوع بين رئيس الجمهورية ميشال سليمان ونظيره السوري بشار الأسد، أطلع الأول الثاني خلاله، بعد التداول في الوضع الإقليمي، على جهود تأليف الحكومة، بعد اعتذار الحريري، وأبلغه ان الرئيس المكلف كان تقدم بتشكيلة وزارية متوازنة ومعقولة وأنه قدم فيها تنازلات من حصة الأكثرية، وعلى رغم ذلك لم تؤد هذه الخطوة الى إنجاز الحكومة. وذكرت المصادر ان سليمان عرض ما جرى من وجهة نظره مع الرئيس السوري من دون ان يطلب شيئاً محدداً، وأن الأخير لم يكن على علم بأن الحريري قدم تنازلات عدة في التشكيلة التي عرضها. وأوضحت المصادر انه بناء على هذا الاتصال يرجّح ان يلتقي الرئيس سليمان خلال وجوده في نيويورك مع وزير الخارجية السوري وليد المعلم للتداول في ما آلت إليه الأوضاع الإقليمية ومساعي معالجة التوتر السوري - العراقي، فضلاً عن الوضع في لبنان وتعثر تشكيل الحكومة والحاجة الى الإسراع في ذلك كي يتمكن لبنان من مواجهة التحديات القائمة في المنطقة لا سيما بعد التعنت الإسرائيلي في المفاوضات مع الجانب الأميركي حول تجميد الاستيطان كمقدمة لمعاودة مفاوضات السلام مع السلطة الوطنية الفلسطينية. وبصرف النظر عن الاتصال بين الرئيسين، فإن أوساطاً عديدة في الأكثرية تعتقد ان لسورية دوراً في إزالة العراقيل من امام تأليف الحكومة نظراً الى انها تمسك بخيوط مواقف أطراف في المعارضة، سواء تلك التي طرحت مطالب اعتبرها الحريري تعجيزية ام تلك التي دعمت طرح هذه المطالب اي «حزب الله» وحركة «امل»، بدليل ان الأخيرة انضمت الى تبني هذه المطالب في اللقاء الأخير لممثلي التنظيمين مع الرئيس المكلف عشية اعتذاره، بعد ان كانت تنأى بنفسها عنها، وذهبت إلى حد الامتناع عن تسميته ثانية بعد ان كانت سمته في تكليفه الأول. وينقل مصدر سياسي بارز عن مرجع سياسي على صلة بكبار المسؤولين السوريين قوله ان وقائع التطورات الإقليمية دفعت دمشق في الأسابيع الماضية الى التشدد في لبنان إزاء عملية تأليف الحكومة رداً على عودة الجانب الأميركي الى التشدد حيال سورية، من دون ان يعني ذلك ان واشنطن قررت تغيير سياسة الرئيس باراك أوباما بالانخراط في حوار معها. نصف الطريق وتفيد معلومات المرجع المتصل بالقيادة السورية بأن الأخيرة تعتبر ان إدارة أوباما «قطعت سورية في نصف الطريق وجمدت الحوار معها وأنها كان يفترض بعد سلسلة الخطوات الإيجابية حيالها، وتحديداً بعد إرسالها وفداً عسكرياً - أمنياً الى دمشق للبحث في مسائل امنية تتصل بالإرهاب والعراق، أن ترسل وفداً سياسياً يبحث في تطبيع العلاقات بين البلدين، إلا ان ذلك لم يحصل». كما ينقل المرجع عن كبار القادة السوريين شعورهم بأن واشنطن ليست بعيدة من التصعيد العراقي الأخير حيالها، الى درجة اتهامها بأنها وراء تفجيرات الأربعاء الأسود قبل اسابيع وصولاً الى تبادل سحب السفراء ومطالبة بغداد بمحكمة دولية لمحاكمة الذين يقفون وراء التفجيرات التي تحصل في العراق. وفي وقت يشكّك بعض المتابعين لجهود معالجة العلاقات السورية - العراقية، عبر القناة التركية، باتهام واشنطن بأنها وراء توتير العلاقة نظراً الى انها كانت دعت الى الحوار بين بغداد ودمشق لحل الأزمة بينهما، فإن الأوساط السياسية التي استمعت الى الاتهام السوري لواشنطن بأنها وراء التأزم مع العراق اعتبرت أن الجانب السوري يتعامل على الدوام مع ما يعتبره ضغوطاً اميركية عليه بالرد عليها في لبنان، أسهل الساحات بالنسبة إليه، وذلك عبر حلفائه. وبصرف النظر عن صحة هذه القراءة التي تنسب الى سورية ردها على واشنطن في لبنان عبر حلفائها، في ما يخص تشكيل الحكومة، فإن مرجعاً لبنانياً يعتقد ان دمشق لم تغادر طموحاتها للعودة الى لعب دور في إدارة الشأن اللبناني الداخلي على رغم التطورات الكبيرة التي حصلت في السنوات الأخيرة والتي سحبت التفويض الذي أعطي لها على مدى 3 عقود في هذا المجال. ويشير المرجع الى ان سورية ما زالت تأمل بعودة هذا التفويض في شكل أو آخر في وقت لا استعداد لدى اي من القوى الدولية أو العربية المعنية بذلك لإعادة الأمور الى الوراء على رغم اعترافها بأن لا بد من التسليم بأن لسورية نفوذاً في لبنان، من دون إجازة تدخلها في صوغ سلطته التنفيذية. ويضيف المرجع: «لهذا السبب تتجنب القوى الدولية، والعربية هذه الإلحاح على سورية ان تبذل جهودها مع حلفائها لتسهيل تأليف الحكومة، كي لا تفهم قيادتها من وراء هذا الإلحاح، أنها تفوضها مجدداً التدخل المباشر في عملية ادارة الوضع اللبناني الداخلي. وهذا ما يفسر بنظر المرجع نفسه «البرودة» التي تتحكم منذ اسابيع بالاتصالات السعودية - السورية، اذ ان الرياض ومعها واشنطن تقولان كلاماً متشابهاً مفاده ان دمشق تدرك ما عليها فعله على هذا الصعيد وأن المشكلة هي في تأخرها في ترجمة ما يأمله منها المجتمع الدولي الى أفعال. زيارات دمشق ويستدل المرجع في الحديث عما يصفه بطموحات سورية المستمرة للتأثير في صوغ تركيبة السلطة في لبنان بالإشارة الى استمرار التشاور بين قادتها وبين قادة المعارضة في مرحلة تأليف الحكومة، وإلى عدد من الوقائع التي تشترك مصادر ديبلوماسية وأخرى سياسية في لبنان في الحديث عنها ومنها ان زعيم «التيار الوطني الحر» العماد ميشال عون زار دمشق أول الشهر الجاري. وهو ما يقول عنه بعض عارفي الجنرال انها زيارة سياحية قام بها لدمشق وحلب في طريقه الى قضاء إجازته في تشيخيا التي عاد منها في 12 ايلول (سبتمبر). كما تتحدث عن اجتماع تقويمي للوضع في لبنان والمنطقة بين قيادة «حزب الله» والقيادة السورية قبل اسبوعين، وعن زيارة قام بها احد قادة حركة «امل» عشية الاستشارات لتسمية الحريري ثانية الى العاصمة السورية. لكن كبار المسؤولين السوريين أكدوا لموفدين غربيين زاروهم في الأسابيع الماضية، حين حدثهم هؤلاء عن لبنان وأهمية تسهيل تأليف الحكومة فيه، أنهم يعطون أولوية للأزمة القائمة بينهم وبين العراق وضرورة معالجتها وليسوا مهتمين بمتابعة الوضع اللبناني. وعلى الأقل هذا ما تبلغه مفوض شؤون الأمن والسياسة الخارجية خافيير سولانا حين زار دمشق. ويأمل المرجع السياسي اللبناني بأن تؤدي الاتصالات الخارجية حول أوضاع المنطقة سواء في نيويورك أم في غيرها الى تسهيل سوري لتأليف الحكومة في لبنان، بناء على عناصر في المشهد الإقليمي، منها: 1- ان ما انتهت إليه المحادثات الإسرائيلية - الأميركية حول اعادة إطلاق مفاوضات السلام من تعنت إسرائيلي يوجب على دول الاعتداء العربي اتخاذ موقف تجاه التصلب الإسرائيلي مع سورية، يشكل رسالة الى المجتمع الدولي والإدارة الأميركية بأن الانفتاح العربي على عملية السلام تقابله إسرائيل بمزيد من التطرف الذي يولّد بدوره تطرفاً عربياً وإسلامياً. ويرى المرجع انه اذا اتجهت الدول العربية نحو موقف من هذا النوع، فإن هذا يوجب المزيد من الخطوات لترتيب البيت العربي في مواجهة احتمالات المرحلة المقبلة، وهذا يجب ان ينعكس على لبنان ترتيباً لأوضاعه وقيام حكومة تواكب المرحلة الصعبة المقبلة. 2- ان سورية فقدت فرصاً عدة مع التعثر الذي اصاب تشكيل الحكومة اللبنانية، لأنه أدى الى تأجيل انعقاد قمة سعودية - سورية كانت منتظرة بعد تأليفها، وإلى تأخير زيارة الحريري كرئيس للحكومة لدمشق في سياق تطبيع العلاقة بينه وبين القيادة فيها. وبالتالي لا بد من استعادة السياق المتفق عليه مع الرياض لأن دمشق ستستفيد من هاتين الفرصتين، حتى لو صح ما قيل عن انها أخرتهما نتيجة صراعاتها لتحفظ حليفها الإيراني عن ذلك.